ما الذي أراده يوسف بن علوي من العاهل الأردني؟... مسقط في اتجاه «تسليك» التطبيع مع اليمين الإسرائيلي... و«السلام الاقتصادي» يهاجم مجدداً
مشاورات أم «مفاوضات» بشأن «الباقورة» بعد إعلان «دفن» مشروع قناة البحرين
لا أحد يعلــم بصورة محددة ما الذي يقصده وزيرا الخارجيــة والاتصال فــي الأردن أيمن الصفدي وجمانة غنيمــات، وهما يصران على استخدام مفردة «مشاورات» مع إسرائيل قريباً بشأن ملف أراضي الباقورة والغمر.
العاهــل الأردني الملك عبد اللــه الثاني كان قد أعلن بقرار ســيادي إنهــاء ملف تأجير هذه الأراضي لإسرائيل.
وامتــدح الرأي العــام والبرلمــان الخطوة وباركها حتى الحزب الأبــرز في المعارضة وهو جبهة العمل الإسلامي، حيث أكد القيادي البارز في الحزب والحركة الإســامية جميل أبو بكر أمام «القدس العربي» أن هــذه الخطوة كبيرة ومهمة في إطــار الصراع مع العــدو، مع تقديم الشكر للقصر الملكي على دعم استعادة الأرض الأردنية من دولة الاحتلال.
المشــاورات هي الكلمة التي تســتخدم في القامــوس الأردنــي حــول اســتعادة أراضي الباقــورة والغمــر، أما مكتب رئيــس الوزراء الإســرائيلي بنيامــن نتنياهو فقد اســتعمل فــي تصريحاتــه وتعليقاته الرســمية مفردة «مفاوضات» وليس «مشاورات».
هنا تحديداً، تبدأ معركة دبلوماســية أردنية جديدة مع الإســرائيليين، لأن حديث تل أبيب عن المفاوضات العــام المقبل وقبــل نهاية عقد تأجير الأراضي في شهر أيلول/سبتمبر من عام 2019 مؤشر على أن الجانب الإسرائيلي يرغب بالتوقيــع مجدداً على عقــد التأجير، وبالتالي التفاوض مرة أخرى.
إن الحديــث عن مشــاورات في الشــروح الدبلوماســية الأردنية يعني ضمنياً اتفاقاً على الانســحاب من الأراضــي المؤجــرة وإعادتها للســيادة الأردنيــة، بمعنــى أن الموضوع في الموقف السياســي الأردني محســوم، والمتاح مشــاورات على تنفيذ قرار إنهــاء عقد التأجير وليس التفاوض على تجديده.
هــذا الموقف الأردني يحظــى بدعم كبير من الشــارع والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني. وشكل القرار صدمة للحكومة الإسرائيلية. لكنه بكل حال ورقة سياسية إقليمية الطابع في أيدي الأردن في ظل الحصار الــذي يفرضه التقارب الســعودي الإســرائيلي على مصالــح المملكة الهاشمية الحيوية والأساسية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بهوامش الدور الإقليمي واستعداد العهــد الســعودي الجديــد أولاً للمزاحمة في رعاية ملف القدس والمسجد الأقصى.
وثانياً للتعاطي مع الأردن باعتباره جغرافياً فقــط، وليس أكثــر، في نطاق حملــة التطبيع الشرســة بين منظومــة دول الخليــج واليمين الإســرائيلي. ويبدو هنا أن بعض المستجدات علــى هذا المشــهد تحديــداً بــرزت وبقوة في الســاعات الأخيرة الماضية، بإعلان وزير النقل والاستخبارات الإســرائيلي، يسرائيل كاتس، أنه سيعرض خلال زيارته اليوم لسلطنة عمان مشــروعاً ضخماً للسكك الحديدية يربط البحر المتوسط بالأردن ودول الخليج.
وهو يتحدث هنا عن السلام الاقتصادي مرة أخرى، وعن تصوراته لوضع المنطقة من مسقط وليس من عمان.
ولافت جداً أنه يتحــدث عن الأردن باعتبار وجــوده الجغرافي تحصيل حاصــل، في وقت لا تــزال فيــه العلاقــات بــن الأردن واليمين الإســرائيلي فــي أســوأ أحوالها منــذ حادثة السفارة الإســرائيلية الشــهيرة في العاصمة عمان.
لوحظ هنــا أيضاً أن الملك عبــد الله الثاني اســتقبل، الثلاثــاء، العجــوز الدبلوماســي المخضرم في ســلطنة عمان، يوسف بن علوي، الذي ســلم رســالة لملك الأردن من الســلطان قابوس تتعلق بالسلام في المنطقة.
تلك إشارة تفيد بأن مســقط بدأت تتصرف باعتبارها المحور الجديــد للاتصال ولِما يمكن ترميمه من عملية الســام بدلاً مــن القاهرة أو عمّان.
هــذا وضع جديد تمامــاً تكتيكياً بالنســبة للاعبين الأردنيين، حيث تتحــدث معهم اليوم مسقط في الوقت الذي يقاطعون فيه هم اليمين الإســرائيلي، ومــن الواضح أن ملــف أراضي الباقورة والغمــر والقرار الســيادي الأردني بخصوصهمــا دفــع جميع الأطــراف للاهتمام مجدداً بالأردن والسعي للتحدث معه.
في المقابل، برز المســتجد الثاني المهم عندما كشــف وزير المياه الأســبق الأردني المخضرم، الدكتــور حــازم الناصــر، عن تلــك المقايضة المفترضة، حيث تميل إســرائيل اليوم لمقايضة مشــروع قناة البحرين الذي ســبق أن عرقلته وعطلته لأكثــر من ثلاثة أعوام مــع الأردن بما تســميه مفاوضاتها بخصــوص أراضي الغمر والباقورة.
الوزير الناصر أعلن أن إسرائيل لا ترغب في تنفيذ مشــروع ناقل البحرين، مستبعداً في أن يكون الأمر ينطوي على ابتزاز، وشــارحاً بأن الإسرائيلي لا يحتاج إلى المياه المحلاة.
ورغب في الاســتعراض فقط أمــام المجتمع الدولي لإظهار نفسه مهتماً بالسلام مع جيرانه.
تلك خلاصة أردنية متأخرة قليلاً على لسان الخبير الأبرز في ملف المياه، وإن كان الناصر قد أعلن عن عدم انتظام مضي الإســرائيليين قدماً بمشروع ناقل البحرين ومبادرة بلاده لمشروع وطني آخر عندما كان وزيراً للمياه.
من المرجح أن إســرائيل تضغط بمقايضتها الجديدة عبر الإشــارة إلى اســتعدادها لوقف تعطيل مشــروع ناقل البحريــن مقابل تجديد اتفاقية تأجير أراضي الباقورة والغمر.
ومن الأوضح أن دبلوماســياً بحجم يوسف بن علوي ووزنــه يتولى سياســياً هنا عملية «التســليك» في محاولة لإحياء عملية السلام وإعــادة الأردن لها، على أمل وضع مســاحيق خليجية وعربية تحــاول تجميل صورة اليمين الإسرائيلي عبر البوابة الخليجية.