Al-Quds Al-Arabi

العاهل المغربي يقترح إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور مع الجزائر

- الرباط – «القدس العربي» من محمود معروف:

وجّــه العاهــل المغربي الملك محمد الســادس، دعوة للجزائر لفتح صفحــة جديدة من العلاقات بين البلدين التي تراوحت منذ بداية الســتينيا­ت بين الحرب والتوتــر والجفاء والبرودة مع فترات قصيرة من التعــاون والدفء. واقتــرح الملك في خطاب ألقاه مســاء أول من أمس الثلاثاء، إحداث آلية سياسية مشــتركة للحوار والتشاور من أجل تجاوز الخلافات الظرفية والموضوعية.

ودعا الملك محمد السادس، في خطابه، الجزائر إلى الاتفاق على تحديد مســتوى التمثيلية داخل هذه الآلية، وشــكلها وطبيعتها، وقال إن «المغرب منفتح علــى الاقتراحات والمبادرات التي قد تتقدم بهــا الجزائر، بهدف تجــاوز حالة الجمــود التي تعرفها العلاقات بين البلدين الجارين الشقيقين.»

وأكد العاهل المغربي أن واقع التفرقة والانشقاق داخل الفضــاء المغاربي يتناقض «تناقضاً صارخاً وغيــر معقول مع ما يجمع شــعوبنا مــن أواصر الأخوة، ووحدة الدين واللغة، والتاريخ والمصير المشترك» ولا يتماشى مع الطموح الذي كان يحفز جيل التحرير والاســتقل­ال إلــى تحقيق الوحدة المغاربيــ­ة، وأن موقــف بــاده المســاند للثورة الجزائرية ســاهم في توطيد العلاقات بين العرش المغربــي والمقاومــ­ة الجزائرية، وأســس للوعي والعمل السياســي المغاربي المشترك، «فقد قاومنا الاســتعما­ر معاً لســنوات طويلة حتى الحصول على الاستقلال، ونعرف بعضنا جيداً. وكثيرة هي الأســر المغربية والجزائرية التــي تربطها أواصر الدم والقرابة، ومصالح شــعوبنا هي في الوحدة والتكامــل والاندماج، دون الحاجــة لطرف ثالث للتدخل أو الوساطة بيننا.»

مستعدون للحوار المباشر"

"

إلا أنه أضاف: «يجب أن نكــون واقعيين، وأن نعترف بــأن وضع العلاقــات بــن البلدين غير طبيعي وغير مقبول، ويشــهد اللــه أنني طالبت، منذ توليت العــرش، بصدق وحســن نية، بفتح الحدود بين البلدين وبتطبيــع العلاقات المغربية الجزائرية».

وأكد «بكل وضوح ومسؤولية» أن بلده «مستعد للحوار المباشــر والصريح مع الجزائر الشــقيقة، من أجل تجاوز الخلافــات الظرفية والموضوعية، التي تعيــق تطور العلاقات بــن البلدين. ولهذه الغاية، أقترح على أشــقائنا فــي الجزائر إحداث آلية سياســية مشــتركة للحوار والتشاور، يتم الاتفاق على تحديد مستوى التمثيلية بها، وشكلها وطبيعتهــا. وأن المغرب منفتح علــى الاقتراحات والمبــادر­ات التي قــد تتقدم بهــا الجزائر، بهدف تجاوز حالــة الجمود التي تعرفهــا العلاقات بين البلدين.

وحدّد العاهل المغربي لهذه الآلية التي لم يحدد طبيعتها «مهمــة في الانكباب على دراســة جميع القضايا المطروحــة، بكل صراحــة وموضوعية، وصدق وحســن نية، وبأجنــدة مفتوحة، ودون شروط أو اســتثناءا­ت»، و»يمكن أن تشكل إطاراً عملياً للتعــاون، بخصــوص مختلــف القضايا الثنائية، وخاصة في ما يتعلق باســتثمار الفرص والإمكانــ­ات التنمويــة التــي تزخر بهــا المنطقة المغاربية، وستساهم في تعزيز التنسيق والتشاور الثنائي لرفــع التحديات الإقليميــ­ة والدولية، لا ســيما في ما يخص محاربة الإرهاب وإشــكالية الهجرة»، وجدد الملك محمد السادس التزام بلاده «بالعمل، يداً بيد، مع إخواننا في الجزائر، في إطار الاحترام الكامل لمؤسساتها الوطنية.»

وأضاف أنه «اعتباراً لما نكنــه للجزائر، قيادة وشــعباً، من مشــاعر المودة والتقديــر، فإننا في المغرب لن ندخر أي جهد من أجل إرســاء علاقاتنا الثنائية على أســس متينة من الثقــة والتضامن وحســن الجوار». وجاء خطــاب العاهل المغربي الملك محمد الســادس بمناســبة الذكــرى الـ43 للمســيرة الخضراء التي شكلت منطلقاً لاستعادة الصحــراء الغربيــة مــن إســبانيا، إلا أن جبهة البوليســا­ريو رفضت الاندماج بالمغرب وتســعى منــذ 1976، مدعومــة مــن الجزائر، إقامــة دولة مســتقلة، ليشــكل نزاع الصحراء السبب المعلن الموتر للعلاقــات المغربية الجزائرية. وترعى الأمم المتحدة منذ 1991 عملية التسوية السلمية للنزاع الذي يتمســك المغرب بأن الجزائر طرف رئيسي، وأن جبهة البوليساري­و ليست إلا أداة بيدها، فيما تصر الجزائر على أنها ليست معنية بالنزاع إلا من منطلق دعمها لحق تقرير المصير، وأن النزاع على حدودها.

وتجاهل العاهل المغربي في رســالته للجزائر النزاع الصحراوي، كما تجاهل جبهة البوليساري­و حين تطرق للنــزاع، مؤكداً تعاون بلاده «الصادق مع الســيد الأمــن العام لــأمم المتحــدة، ودعم مجهودات مبعوثه الشــخصي قصد إرساء مسار سياســي جاد وذي مصداقية» وتعكسه المبادرات البناءة، والتجاوب الإيجابي للمغرب، مع مختلف النداءات الدولية، لتقديم مقترحات عملية، كفيلة بإيجاد حل سياســي دائم، على أساس الواقعية وروح التوافق، وفي إطار مبادرة الحكم الذاتي.

وتحتضن مدينة جنيف في الأســبوع الأول من كانون الأول/ ديســمبر القادم طاولة لقاء دعا لها مبعوث الأمم المتحدة، كوهلر، ويشارك بها المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة البوليساري­و، وقال الملك إن المغرب مقتنع بضرورة أن تستفيد الجهود الحثيثة للأمم المتحدة، في إطار الدينامية الجديدة، من دروس وتجارب الماضي، وأن تتفادى المعيقات والنواقص التي شابت مســار «مانهاست». وأكد على الصعيــد الداخلي، مواصلــة العمل من أجل وضع حد لسياســة الريع والامتيازا­ت، و»نرفض كل أشــكال الابتــزاز أو الاتجار بقضيــة الوحدة الترابية وعدم ادخار أي جهد في ســبيل النهوض بتنمية المنطقة في إطار النموذج التنموي الجديد، حتى تستعيد الصحراء المغربية دورها التاريخي، كصلة وصل رائدة بين المغــرب وعمقه الجغرافي والتاريخــ­ي الإفريقي». وربــط الباحث والمحلل السياســي المغربي، عبد الصمد بلكبيــر، ما جاء بخطاب الملك بالوضع الاســترات­يجي الذي يعرفه العالم، خاصة على مستوى الشرق الأوسط، وأن العالم يدخل مرحلة جديدة سماتها تراجع النفوذ الأمريكي لصالح روســيا، وتوجه فرنســا لبسط يدها على شــمال إفريقيا. وقال إن الخطاب الملكي يأتي في إطار عام يطبعه التوجه نحو مصالحات، مشــيراً إلى أن الأنظمة اســتنتجت بعد الخراب أن طريق الجامعة العربية الــذي تركه الرواد هو الطريق الصحيح، وأن هــذا الأمر خفي، والعكس هو ما يظهر، مؤكداً أن حدث مقتل خاشــقجي جاء ليفسد مسيرة المصالحة ويشوش عليها.»

وأوضح بلكبير أن منطقة الســاحل والصحراء ســتصبح محجــاً للإرهابين بعــد إقفــال الملف الســوري، وبالتالــي ســيصبح الوضــع صعب الضبط وليس بالســهولة في ســوريا والعراق، مستدلا بتقرير للمخابرات الروسية، وإن الجزائر فهمت أن هذا الوضع ســيعود عليها بالأسوأ، لأن البوليساري­و يمكن أن تلتحق بالحركات الإرهابية.

وما زالــت الجزائر تلتزم الصمــت وتمتنع عن التعليق الرســمي على خطاب الملــك المغربي، وقد العاهل المغربي الملك محمد السادس ربــط البعض هــذا الصمت بالظــروف الداخلية الجزائرية والانتخابا­ت الرئاســية على الأبواب من جهة، ومن جهة ثانية إن دعوة العاهل المغربي تحمل في طياتها مبادرة طيبة بحسن نية لعلاقات جديدة بــن البلدين. الا أن جبهة البوليســا­ريو، التي تجاهلها العاهل المغربي في خطابه، سارعت إلى إدانة الخطــاب ووصفته بالتعنت والتصعيد، داعية المجتمــع الدولي إلى تحمل المســؤولي­ة في وضع حد لاســتهتار واســتخفاف المغرب بميثاق وقرارات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.

وقالــت فــي بيان لهــا، أمــس الأربعــاء، إن الصحــراء الغربية ليســت مغربيــة، والوجود المغربي فيها هو لا شــرعي، ومصير السيادة عليها يقرره الصحراويون حصرياً، وأن كل ممارســات المغــرب فــي الصحراء، مــن انتهاكات جســيمة لحقوق الإنسان ونهب للثروات الطبيعية وإقامة الفعاليــا­ت السياســية والاقتصادي­ــة والثقافية والرياضيــ­ة وغير ذلــك، هي مجرد خرق ســافر للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.

قرارات ووثائق الأمم المتحدة

وأضافت أن طرفي النزاع في الصحراء محددان بوضوح لا لبس فيــه في قــرارات ووثائق الأمم المتحــدة، وهمــا الصحراويون والمغــرب، و»أن لغة التعالــي والتجاهل في خطــاب ملك المغرب، ومحاولة القفز على الطرف الرئيســي في النزاع، تعكس إرادة واضحة في عرقلة جهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشــخصي، في أفق لقاء جنيف».

وقــال موقــع «الأيــام 24» المغربــي إن جبهة البوليســا­ريو تعتبر أن الخطــاب الملكي يعبر عن «قلق المغرب من آفاق التفاوض ومحاولة التملص منها»، مضيفة « أن هذا ليس بالشــيء الجديد لأن المغرب يحاول دائماً التملص من التزاماته الدولية بمحاولته تمديد مهلة المينورسو لمدة سنة وتأجيل عملية التفاوض».

وأضاف المصدر نفســه أن الجبهــة تعتبر «أن الخطــاب يعكــس غيــاب الإرادة لــدى الطرف المغربي، وهــي إرادة لم تكن متوفــرة أصلاً طيلة الأعــوام الماضية، لكــن التملص مــن الالتزامات سيكون صعباً أمام الشروط التي حددها المعبوث الأممي هورست كوهلر وحددتها الولايات المتحدة الأمريكية ومجلس الأمن الدولي»، وأن الهدف من دعوة العاهل المغربي للجزائر، بفتح حوار مباشر بين البلدين لتجاوز الخلافات، وفتح الحدود «هو إلهاء الرأي العام».

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom