Al-Quds Al-Arabi

الرجل الحرّ

-

يحمــل أفــكارا غريبــة، تجعلــه منبــوذا من الناس، رأيته قبل أيام، فانتقدته على تنقله من عمل إلــى آخر، وإعادة ترتيب حياته من جديد بين الفترة والأخرى. فقال : ـ الرجــل الحــرّ.. ذلك الذي يقــدر على تغيير حياته متى أحس بأنها من دون جدوى..

الرجل الحــرّ.. ذلك الذي يســتطيع الهبوط حيثما يشاء، والبدء من جديد. قلت له : ـ إنــك أبلــه، ولن تســتطيع العيــش وفق ما ترغب، وستجد نفسك معزولا وبلا رفيق..

ـ آه.. يا صديقي.. أتعلم من أنا؟ أنا الإنسان المهتك، الملول! كم أرغب في التنقل.. أن أرحل.. أن أترك كل شــيء ورائي.. أعشق، أن أخاطر بحياتي، إذ لا حياة بلا مخاطرة، أليس كذلك؟

ـ لا فائدة منك، عش كما تريد، ولكن لا تطلب مني العون بعد الآن.

جلس على مقعــده.. أخذت الأفكار المجنونه تعربد في رأسه كالعادة.

ـ لــن أدير ظهري للحياة.. لــن أعيش حياتي مرغما.. ســأعمل مــا يحلو لي، ســأبقى أحب حماقاتــي ولا مبالاتــي.. ولو قدر لــي الولادة مــن جديــد.. ســأكون أنــا.. نفســي، أمارس حماقاتــي.. وأرتكب الأخطاء نفســها، لا أريد ود أحــد، ولــم أطلــب ذلك، ولــن أفعــل الآن، تكفيني مي، بودي لو أضم رأســها إلى كتفي، وأداعــب بأصابعــي وجنتيهــا، وأصغي إلى أغنيــة رائعــة تتــرنم بها.. تــرى متــى تعود؟ هــي مثلي تحتــاج الطيران.. ها هي ملابســها منتشرة في كل مكان..

أمســك أحــد فســاتينها، وغمــر وجهــه به فسكر..

يــا لربــات العــذاب! متــى ســأهجر هــذه الوحشة، أتخلص من هذا الضجر؟

عد إليّ ســريعا.. ها أنــا أنتظر، وقد جهزت عتادي، قاربي الصغير، رســائلك إليّ، كتبي.. غدا عند شــروق الشــمس ســوف ننطلق.. لم يعــد لنا مكان هنا.. حيث الغربان والوحشــة، اليبــاب وذبــول الإنســان.. فمــا زلنــا نتمتع بالحيويــة وخفة الروح.. اســتعد فقد وجدت مكانا آخر.

 ??  ?? أمين دراوشة٭
أمين دراوشة٭

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom