Al-Quds Al-Arabi

فيلم «تراب الماس» عن العدالة الفردية والخلطة العجيبة

- القاهرة «القدس العربي» من محمد عبد الرحيم:

لم تغب فكرة تحقيق العدالة الفردية فرض وتحقيق العدالــة من وجهة نظــر الفرد عن العديــد من الأعمال الأدبية، ربما أهمها الجريمة والعقاب لدستويفسكي، أو كما فعــل ألبير كامو فــي «العادلــون»، وإن كانت العدالة الفردية هنا تتمثل فكرة يعتنقها عدة أشخاص خليــة ثورية لا تجد إلا التصفية الجســدية حلا. وفي معظم هذه الأعمال كان هناك شــكل من أشكال عدالة شــعرية ما تلحق بالشــخصية الرئيسية، التي تحمل دوما حســا رومانتيكيا في صورته القصوى. ويأتي فيلم «تراب الماس» المأخوذ عن رواية بالاســم نفســه ولكاتــب ســيناريو الفيلم ليتمثل حــا فرديا لتحقيق عدالة مــا، حتى لو فعلها صاحبهــا مصادفة أو رغما عنــه. الفيلــم أداء.. آســر ياســن، منة شــلبي، ماجد الكدواني، عــزت العلايلي، أحمد كمــال، إياد نصار، محمــد ممدوح، صابريــن، عادل كرم، شــيرين رضا، بيومي فــؤاد، محمود البــزاوي، وســامي مغاوري. تصوير أحمد المرســي، مونتاج أحمــد حافظ، ديكور محمد عطية، ملابس ناهد نصر الله، موسيقى هشام نزيه، صوت حســن أبو جبل. ســيناريو أحمد مراد، ومن إخراج مروان حامد.

المناضل الكسيح

حســن الزهار/أحمد كمال رجل يجتلس كرســيه المتحرك، ويعيش مع ابنه )طه/آســر ياسين( صيدلي ويهوى اللعب على الدرامــز، في منزل تحوطه الكتب من كل جانــب. تبدو الحكمة علــى الرجل، بما يوحي بمــدى الخبــرات الحياتيــة التــي عاشــها، لتصبــح شــخصية الابن بالمقارنــ­ة باهتة إلى حــدٍ كبير أحمد كمال أصبــح الراعي الرســمي لأدوار الرجل الحكيم يدخــل طه المنــزل عند عودتــه ليلا ليجــد والده ملقى علــى الأرض وقــد فــارق الحيــاة، لنعــود بعدها إلى عهد ما قبل يوليو/تمــوز 1952، قلق اليهود المصريين من الأوضــاع، ووصــول محمد نجيب إلى الســلطة، ثــم الانقــاب عليه واســتتباب الأمــر لعبــد الناصر، والعدوان الثلاثي، وهكذا بعــض الأحداث التاريخية المدرســية المعهــودة، وهنــا تبــدو طفولة )حســن( الكسيح والمقتول الآن.

استجداء التاريخ

ولكن، ما الهــدف من اســتجداء التاريخ وحوادثه والتوســل به؟ الأمر لا يعدو محاولــة الإيحاء بأهمية مــا يحدث وســيحدث في مــا بعد، وهو مــا لا يتعدى مراهقــة اليقــن في قول أشــياء مهمة، هــذه الطريقة التــي أصبحت تثيــر الملل والســخرية من كثرة الاســتهلا­ك، ناهــــــي­ك عن عــدم توظيفـــــ­ـها، فهــــــل كل هذه الدروس المدرسية حتى نعرف أن والد حســن قد أورثــه الوطنية وحُب مصر! وحتــى لــو كان هــذا هــو الهــدف فربمــا نقــول إنها قــدرة الكاتب علــى الخيال وهي محــدودة لأقصى حد لكن الأمــر الجلل ســنعرفه بعد ذلك.

السنيورة

المهــم يمــوت الرجــل ويصــاب ابنــه، وقــد هوت على رأســه ضـــــربة أخرى مــن قاتــل أبيه، الــذي لم يــره )طــه(، ليســتفيق من الصدمــة ويجد والده قــد فارق الحياة، هنــا لابد من البحث عن أحد ليواســيه، ولتكن جارته )ســارة/منة شــلبي(، معدّة برنامج تلفزيوني شهـــــير، وتســكن العمــارة نفســها، وهي التــي وجدت طـــــه في حالة إغماء بعد إصابته أمام باب شــقته طبعا الأسانسير كان عطــان، وكان لازم تطلــع الســالم وتتكعبل في الكابــن طه ثــم يظهر العقيــد )وليد ســلطان/ ماجد الكدوانــي( الــذي يحقق في جريمة القتل، ويســوّف الأمــر، ويريــد أن ينتهي الحال إلــى أن يصبح الفاعل مجهولا.

تشويق وإثارة وعنف

على غرار أفلام الدرجة الثالثة، وتحت هذا الثالوث المعتمَد .. التشويق والإثارة والعنف تتكشف الحكاية وتلفيقاتها، عثور طه على مذكرات والده، الوالد يقتل أعــداء الوطــن عن طريــق مســحوق «تــراب الماس،» وقــد تعلــم الصنعة وهو طفــل على يد صديــق والده الجواهرجــ­ي اليهودي، واللــي قتل القط بتــاع بنته، واللي حســن كان بيحبها عن طريق هذا المســحوق، والذي لا يترك أي أثر على الضحية، ولماذا قتل حسين الرجــل اليهودي؟ لأنه ببســاطة كان يشــير لطائرات العــدو من فوق ســطح منزله وقت العــدوان الثلاثي! آه والله!

ويجد طه زجاجة المســحوق، حيث كان يستخدمه الأب قبــل موتــه بقليــل فــي التخلــص مــن الأعداء، كعضــو مجلس الشــعب، السياســي منذ عهــد الملك. ويعرف الضابط ذلك ويريد استخدام مسحوق الموت الســحري في التخلص من خصومه، كمــا يتضح أن الضابط هو الســبب في قتل الوالد المناضل، فالأخير اكتشــف أن الضابط يتاجر في المخــدرات، عن طريق رؤيته يقوم بتوزيعها إلى أحد المحال في الشارع الذي يسكنه كبير الحكماء.

ممم وماذا بشــأن الســنيورة؟ هــي غارقة في حب الإعلامي الشــهير، والفاســد طبعا، والذي يســتغلها جنســيا ويقــوم بتصويرهــا بــدون علمهــا، فيتحــد المظاليــم، وتتحــق أســطورة المســحوق الســحري، ويتــم التخلــص من المفســدين فــي الأرض، الضابط والإعلامي، وما يُستجد من أعداء جدد.

الخلطة العجيبة

كعــادة أحمد مــراد ومَــن علّموه الحكــي، أو الذي يسير على خطى بعض الأعمال التي هلل لها البعض، لابــد من تشــكيل خلطة أصبحــت تلاقــي الهوى في نفــوس المشــاهدي­ن، وأغلبهم من مدمني مسلســات التلفزيــو­ن، بداية من الجريمة والفســاد من شــرطة وإعــام مــش كل الشــرطة إضافة إلــى مجموعة من المثليــن والقوادين، والحاجات اللي تعجب الشــعب المتديــن بطبعه. الأمــر لا يعــد مجموعة مــن تلفيقات وحكايات يتم فبركتها والادعاء بأنها تأليف أدبي أو كتابة سينمائية.

متهافتو النقد السينمائي

ولكــن العجيب فــي الموضوع هو موقــف من يُطلق عليهــم النقــاد، فهم دائمــا يهللون لأي عمل ســطحي وســاذج، ويدمنــون الإشــادة بالمؤلــف العبقــري والمخرج المتمكن من أدواته، والممـــــ­ـثل الذي تفــــوّق على نفســه، فهــم لا يعرفون الفــارق بين عمــل النقد والعمل في شركات الدعاية، وأغلبها دعاية للســـــلع المضروبــة، الأهــم هــو كيفيــة تســويقها والضحــك بهــا على عقول الجمهــور، الذي تربى على مشــاهدة الكذب والتضليــل. وبالطبع لن تتوقــف التفاهة ولن يتوقف المهللون لها، لأنهــم أحرص على وجودها من أصحابها أنفسهم.

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom