Al-Quds Al-Arabi

إِلى اللغة العربيّة بالضرورة

- ٭ ٭٭ ٭ ٭٭ ٭ ٭٭

أجملُ ما فيكِ ثلاثَة: نَسَــبُكِ الضارِبُ في السراب، سُــكوتُكِ عن نَفْسِك، والتاءُ المربوطةُ في آخِرِك.

قِيلَ إنّ للتاءِ معكِ حكايا ســكتَتْ عنها شهرزادُ فيما بَلَغَنا منَ الليالي. أمّا الرواةُ الرجال، فكثيرا ما اختَلفوا في التاء ماهيّة ومكانا ومَكانة. قال بعضُهم باسمِ التخيِيلِ إنّها تُفّاحةٌ في شَعرِك، أو وردةٌ في خصْرِك أو غضى ماشى الرِّكابَ على جِلدِك. وباسم التعليلِ قال غيرُهم إنّها من رَمادِ أُمِّك، التي قَتلَتْ نَفْسَها بلا سَبَب، فحطَّمَ أبوكِ جِدارَ الَمعْبَدِ باكيا. قالوا إنّه نَدِمَ حين هَدأَ فعادَ وقدّمَكِ قُربانا، تاركا تحتَ رأسـِـك قصيدة مكسُــورة كخاطِــرِه، حملَتْ قلبَهُ قاربــا في بحرِ حُزنِه. زادَ بعضُهم في الروايةِ فقــالَ إنّها ما أبكى صاحبَ امرئِ القيس حين وَجدهــا مُلقاة في دربِ قيصَر، وإنّهُ خبّأَها عنهُ أو حاولَ علــى الأقلّ، وإنّ قِطَعا منها كانت تظهَرُ بينَ مَراجيعِ الوشْمِ شرطَ أن يَقِفَ بها اثْنان، وشــرْطَ أنْ يَعْقِلَ أحَدُهُما قَلوصَهُ جيّدا وَسْــطَ طَقسِ البُكاء، وألاّ يُذيعَ أحدٌ منهما سِرَّ ما رأى إلاّ لشــابٍّ جَميلٍ مِنْ مُرسِيةَ سيزورُ الصحراءَ اختيِارا. تقول النهايةُ إنّهُ أعطى القصيدةَ لخليلٍ في بغدادَ يُدعى شِــهابَ الدين، وإنّها الآنَ هناك في قَبرٍ من وَرد. تقول نهايةٌ أخرى، أَرســخُ فــي العِلم، إنّ أبا الطيّبِ ماتَ حسْــرة لأنّكِ خُنتِ العشــرةَ وما أطلعْتِه يوما على حقيقةِ ما جَرى، وأغرقْتِه مثلَ سواه في أساطيرَ للأوّلينَ والآخِرين.

كــم أحبَّكِ فحُولُ الرجــال، بَيْدَ أنَّ أعرابيّــة خالفَتْ ما شــاع. رَوتْ أنَّ جُلَّهُم كان عُذرِيَّ الوجودِ أمامَكِ، ما مسَّ مِنْكِ أَسْــفَلَ مِنْ خَصْرِكْ. يَقُولُ الفِرِنْجَةُ في زمانِنا إنّهم كَشَفوا عانَتَكِ وأخواتِك، ويُقلّدُهُم بنو قومِنا على عادَتِهــم ويقولون هُراء كثيرا عمّا تَضَعينه مِنهم تحتَ نخلــةٍ على صحائفَ بيضاءَ بعدَ نكاحٍ ما كان إلاَّ وحْيا. زعمَ بعضهم بأنّهُ دنا ومسَّ منكِ حَدَّ الوَجْد، وأعطى دليلا قطعَ الشــكَّ بســيفِ الحيلةِ بينما كان اليقينُ يَغسِلُ ثيابَكِ في النبع. قال الدليلُ إنّ صاحبَهُ عاشَرَك، وكان العِشقُ غِيرة إذ أرادَكِ لنَفْسِه. وحينَ ما كنتِ، شطَركِ باســمِ كتاب الموســيقى فاصِلا صدْرَكِ عن عَجْزِك، ثمّ أعطى دَمْعَكِ صوتَ البِحار، ونحيبَكِ اسمَ ما مرَّ على الرمالِ من رَحيلٍ ومُقام. أمّا دمُكِ المسفوك، فَرُويَ عن غريمٍ ليزيدَ بنِ معاويةَ أنّهُ ما كانَ إلاّ خِضَابا توشّحْتِ بهِ صَبابة وخَوْفَ النوَى. قالَ دليلٌ آخَرُ إنّ هَوى صاحِبِه ما أوجَعَك، إذ اكتَفَى برَبْطِ قدمَيكِ لَعلَّ السجْعَ يقْضيَ مَأرَبَهُ الزهِيدَ في اشتِباهِ الأشياء، ولعلَّ الأعشى يَسمعُ إذا ما الصبحُ تنفّسَ تَردادَ ناقةٍ ترَكتْهُ حين قصّرَتْ عنها الاستِعارة. على أنَّ بعضَ الاكتفاءِ ما كان زُهْدا، بل قادَ أصحابَه مِمّنْ زَعَموا وصْلَكِ إلى وَطَرٍ أنْفَذَ سَهْما، سمَّوهُ كِهانة أو نُبوءة أو نُبوَّة. رُوِيَ عن مَلَكٍ أحمقَ أنّهُ سَمِعَكِ تصرُخينَ اعتراضا لأنّهم نَفَوا عَنْكِ أنَّكِ التي وهبْتِنا الأســماء، وما صَدَّقَهُ الناس. أمّا بعضُ العُقَلاءِ مِـْـن أهْلِ النَظَر، فقال إنَّهُ شَرحَ صدْرَكِ لكي يُيَسِّــرَ أمرَ فِكْرِه، واشْتقَّ مِن قَلبِكِ ما يلزَمُ الخِيمياء مِن تراكيبَ تُنفَثُ في عُقَدِ النفس بُغْيَةَ ترويضِ الغيبِ وترتيبِ الشــهادَة، وبُغْيَةَ إزالةِ اللَبْسِ عنْ ظَعائنِ العِلم القديم: هلْ يُعقَر كُلُّه ما يُعقَل جُلُّه؟ هؤلاءِ زَعَموا بأنّك غَفَرْتِ لهُم باسـِـم القَصْدِ الشــريف، ولأنّهم وَضعُوا عنكِ بعضَ شَرْحٍ كانَ قدْ أنْقَضَ ظهْرَك. بلغَني أنّكِ عرفْتِهم قبلَ التجْرِبة، وما رغبْتِ عنهُم لسَــبَبٍ يَخصُّــكِ وحْدَك. يزْعمُ عالِمٌ غيُر جليلٍ في زماني بأنَّ قومَنا بَرَعــةٌ في القسْــوَةِ أَكثــرَ مِن سِواهم، ويُفضِّلُ هُوَ وأصحابُه تسْمِيتَها عُنْفا، وأحْيانا تَطرُّفا، ويدعُوننــا إلــى الرفْــقِ بــكِ وببعضِنــا والآخرين. يُعيدونَ علينا دُروســا فــي أحوالِكِ مع الخليقَةِ سمِعُوها في بيتِ أُختٍ لكِ صغِيرةٍ غيرِ شَــقِيقة، لمْ يكُ لثدْيِها حجمٌ حينِ كُنّا بكِ نُوجِدُ المعدومَ وكان الله يأمرُ بعَصاكِ الكونَ أنْ يَكون. ما كانوا ولا كانَتْ هُناكَ حِينَ ضَممْتِ يَدَكِ إلى جَناحِكِ ترْتعشينَ تحتَ لسانِ نبيٍّ أرَهَقتْه عُقدةٌ بين عيْنيكِ، فخفَّفَ اللهُ عنْكُما بأنْ أعادَ الدعاءَ على لِسانِه فصِيحا قاسَيا على رُوحِكِ كما تشْــتهين. يقولُ بعــضُ الحمَقى والمغفَّلين إنّ الذي بكِ عِلّةٌ يُعطُونَها اسْــما أعجَميّا مُشْــتَقّا مّمنْ خطَّ وَصْفَها حِكاية عاديّة واســمُهُ مازوخ. كم أغْضَبَ هذا الزعمُ شابّا جميلا لهُ رائحةُ تُفّاحٍ وَرَدَ يوما بغدادَ مِن شيرازَ قاصِدا رِيحَكِ، وانتهى في طريق العَودِ إلى أُمِّهِ إماما في نحْوِك. قال ما بها عِلّةٌ، بَلْ لها حَال. وفي لســانِنا الَمهِيب: الحالُ كِيْنَةُ الإنسان. كَم عانَدَ مؤلِّفُه خُلُقَ الوقتِ لكي يَصِفَ أمزِجَتَكِ طَوْرا فطَوْرا، وحَرْفا فحَرْفا، وما بَلَغْنا شَيءٌ حولَ رِضاكِ عنْ مَثلِ هذا التودُّد. لعلَّ رِضاكِ مِنْ سِــِّر كيِنَتِــك، ولعلَّ عَرَضَها الأفْصحَ أنّكِ لا تُحبِّين الضعَفاءَ ولا النِسَــاء. كم أرْخَى لَكِ مِنْهمُ الحبـَـل فَكرهْتِه لخنُوثَتِه، وكمْ ظنَّت امْرأةٌ شَبَها بِكِ لأنَّ صَدْرَكِ بَدَويٌّ وَسِـَـع المعانيَ ممْدودة إلى غيرِ نِهاية. ما أصابَتْ، ولا دنَتْ، ولا عَرفَتْ أنّ الاستِباحةَ على مَذْهَبِكِ مَحْضُ غَزْلٍ تُلهِينَ بِهِ ضَجَرَك، ريثَما يأتيكِ رسولٌ أو هُدْهُدٌ بآخِرِ قِطْعة مَنْ مرآةٍ أهدَتْكِ وجهَكِ في حَلَب. ســيكونُ مَعَهُ كِتابٌ يقولُ إنَّ مَنْ صَنَعَت الِمرآةَ في الأصْلِ عرّافةٌ اســمُها مُجادِلة، وإنّها حَمَلَتْها مَعَها مُذْ غادَرتْ مأرِبَ تمشي الهُوَينَى نحوَ سِرِّ مَسَــرّتِك، وإنّها تنبّأتْ قبل موْتها بأنَّ الســقوطَ عنْ صهوةِ الدنيا لن يَلُوحَ خَبَرا على رونقِ سيفٍ ما عادَ إلى جَفْنِه مُخَضَّبا بالنَصْر، بل عندما تُفلتُ مِنَ الفارسِ الِمرْآة. عرفْتُكِ، وإذْ بالحياةِ بُرَاق. وإذْ بِيَ أَطَأُ نَحْرَكِ فيزدادُ فخَري بنَفْسِي، وأنأى فينفَدُ ذُخري. أضيعُ بين الخَلق، لأنّ نَفْسـَـي من نفسِك، ويرتعِدُ جِسْــمِي: ليتَ اللهَ يَصِفُكِ خاليا فتفيضُ عيناه. أطْمَعُ بالبرْقِ فِيْكِ وأبْتَغي: صَوْتَك مِنْ غَيْرِ لِســاني، وخَمْرَكِ مِن غَيْرِ قَدَحي، ولبَنَكِ مِنْ غَيْرِ صَدْري. أجْهَلُ الطريقَ، لأنّيَ مِن وَهْمٍ، رغمَ العَصَبِ واللَحْم. حَدْســي وفِيٌّ وخائنٌ لأنّي أنا والدنْيا كَذلــك، تبْدأُ فِينا النارُ قَبْلَ أنْ تنتهيَ الجنَّة. قالَ إنَّكِ سَــتأتينَ في الضُحى ومَعكِ تُرابٌ وَيَاقوت، وسَــيَحُول بَيني وَعَيْنِكِ خَيالٌ لا أقْوَى على حَبْسِهِ فِيّ. سَيَرى كَذِبي في عيْنِه وأُجادِلُ: ما كُنْتُ أُرِيْدُ إلّا أنْ أشْــكُرَ وحَسْبْ. سأحسَــبُ هَداياكِ مَنْ أَرْكان رُوْحِكِ، وسأشْــفِقُ حين يَرجِعُ إليَّ عَقْلي على نَفْسِي. كم حسِــبْتُها صَعْبةَ الِمراسِ مِثْلَكِ، وما هِيَ إلاّ عُنْصُرٌ يُثِير شَــفَقةَ المحُبِّينَ كُلَّما رأَوْني عاطِلة مِن زِينَتِك، أبحثُ مِثلَ خَرْقاءَ سَئِمَتْها اليمامةُ جارية لها عن قَصْدٍ للرَحِيل. *** ٭ كاتبة أردنية

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom