Al-Quds Al-Arabi

لا يوجد قانون «ولاء» في الثقافة

القانون الجنائي الإسرائيلي يحدد أنظمة لتقييد حرية التعبير والأداء الفني

- عدنا هرئيل فيشر

■ بني تســيفر في مقاله «حرية الفن ليســت فوق كل شيء» (هآرتس، 11/4،) ورامــي كمحي فــي مقاله «هكــذا يعمل النظــام، كل نظام» (هآرتــس، 10/30،) أرادا تبرير مشــروع القرار المسمى «ولاء في الثقافة». وحسب هذا المشروع تعطى للوزير المســؤول عن الثقافة صلاحيات للرقابة على الثقافــة، التي تقيد التمويل العام لمؤسســات ثقافية حسب مضمون نشــاط الثقافة، مــن خلال اســتخدام اعتباراتــ­ه، الــذي كما يبــدو يهدف إلى الدفاع عن قيم الدولة وشرف رموزها.

تســيفر وكمحــي يريــدان تبرير هذا اســتناداً إلــى دول أخــرى و«نمــاذج» متبعة فــي العالم. أجــل، يمكننا أن نجد في التاريخ أمثلة غير مشجعة لسياسات وأنظمة اتبعت ذلك، ولكــن ليس لهؤلاء يتوجه تســيفر وكمحي من أجل المقارنة والتبرير. إنهما يريــدان توجيهنا لدول وأنظمة غربية وأوروبيــة وديمقراطية، من خلال إظهار عدم فهــم للطرق المتبعة في تلك الدول.

علــى ســبيل المثــال، خلافــاً لادعاء تسيفر، ليس هناك في القانون الفرنسي نظام مشــابه لذلك المقترح في إســرائيل الآن. القانون الفرنســي مــن عام 2010 ينص على اعتبار إهانة العلم والشــعار مخالفة جنائيــة. دول أخرى تعتبر أيضاً أن إهانة العلم هي مخالفة جنائية، وعدد من الدول يعتبر أن إهانة علم دولة أخرى هــو مخالفــة جنائية. مخالفة مشــابهة منصوص عليها في القانون الإســرائي­لي مــن العــام 1949 وشــددت عقوبتها في 2016. بين هذه وبين مشروع قانون «ولاء في الثقافة» ثمة فجــوة كبيرة: القانون الفرنســي لا يعطي الصلاحية للوزير أو أي جهة إدارية أخرى لفحص نشــاطات ثقافيــة وتقليص ميزانيات مؤسســات ثقافية إذا وجد أنها أهانت العلم.

مثلما في دول أخرى، هنا في إسرائيل أيضاً حريــة تعبير، وضمــن ذلك حرية التعبير الفنــي، ولكنها ليســت مطلقة. القانــون الجنائي يحدد أنظمــة لتقييد حريــة التعبير عند اســتخدامه­ا ويمكنه تهديد أمن الدولة وأمن مواطنيها وقيمها ومصالحها الرئيسية، مثل: كشف أسرار رســمية، والتحريــض علــى الإرهاب، وتصريحــات عنصريــة، ومنشــورات حاقدة، وتحرشات جنسية، والتشهير أو المس بالخصوصية.

هناك أهمية أساســية لحرية التعبير، وحريــة التعبيــر الفنيــة بشــكل عام، والاســتخد­ام الذاتــي للفــرد وكذلــك للخطــاب الاجتماعي المفتــوح، والبحث عن الحقيقة، وانتقاد السلطات، ووجود ديمقراطيــ­ة حقيقيــة. هــذه تقتضي أن تقييد حرية التعبير يجب أن يكون حذراً ومحسوباً، ويستخدم من قبل المسؤولين عن ذلك، وليس من قبل الذين من شأنهم أن يسكتوا التعبير بسبب مصالح أخرى.

سيسعى من يقومون بالتشهير بالعلم أو يحرضــون على الإرهــاب عن طريق الإبداع الفني إلى التحقيق في الشــرطة وزيرة الثقافة الإسرائيلي­ة ميري ريغيف والحســم مــن جهــات إنفــاذ القانون، كجهات مهنية، فيمــا إذا كان يجب تقديم المبــدع للمحاكمــة أو مؤسســة ثقافية، والمحكمة تقــوم بفحص الإدانة حســب الدلائل التــي أمامها، وأنظمــة القانون الجنائي وإجراءاته.

مــن المهــم التذكيــر بأن «الأســس» المتضمنة في مشــروع قانــون تخلط بين تلك التي يغطيها أصــاً القضاء الجنائي في إســرائيل وفــي دول كثيــرة أخرى، وبين أسس ليســت هكذا ـ الانشغال بـ «النكبة» و«نفــي وجود الدولــة كدولة يهودية ». الأسس الأخرى التي تتعامل مع نشاطات مسموحة أكثر ضبابية، وتسمح لكل وزير بالمــس بتمويل الفــن الذي لا يروق له بالمعنى السياسي: قضايا الدين والدولة، و«عــروض التعري»، واهتمام تاريخي بإقامة الدولة أو بمكانة مواطني إســرائيل العرب، ويمكن أن تعتبر ضمن هذا التفسير أو ذاك كمس بالدولة بصفتها «دولة يهودية وديمقراطية .»

كذلك التمييز الذي يعرضه كمحي بين طرق تمويل الثقافة الأمريكية والأوروبية تخالف الواقع. ليس صحيحاً أن الطريقة الأمريكية لا تدعم الفن بشكل عام وتقدمه فقط لمستهلكيه. بل إن الطريقة الأمريكية تضمن تمويلاً عاماً للثقافة على مستويين منفصلين عن تدخل جهات سياســية في المضامين؛ المستوى الأول يكون بواسطة تسهيلات ضريبية للمتبرعين دون فحص مضمون النشاط الثقافي الذي يتبرعون له. والثاني بواســطة صندوق فيدرالي للثقافــة. ولهذا تضــاف ميزانيات عامة، ومجالس وصناديق ثقافية في الولايات المختلفة. أســاس دور هــذه الجهات هو مســاعدة ثقافــة الهوامــش الجغرافية والاجتماعي­ــة، وثقافــة الهامــش أو نشاطات ثقافية، وإبداعات أخرى ليست مكشوفة بما يكفي للمتبرعين.

الهدف المقبول فــي الولايات المتحدة بخصوص الصندوق الوطني هو ضمان نشاط بعيد وبشــكل منفصل عن النظام من خلال اتخاذ قرارات فنية غير متعلقة بجوهر الإبــداع. أمــر اســتثنائي يدل على القاعــدة هو الخلاف العــام الكبير فــي مســألة المــس بحريــة التعبير في التســعيني­ات من القرن العشرين بسبب تقييــد تمويل إبداعــات آثمــة، رغم أن التفسير أعطي للصندوق الوطني وليس للوزير.

النمــوذج الأوروبي، الذي يســير في أعقابه النموذج الإسرائيلي والذي تؤيد الدولة حســبه الثقافة بصورة مباشرة، يمنــح أهميــة حقيقيــة للابتعــاد عن الحكومة، سواء بواسطة مجالس ثقافية مســتقلة تقوم بتوزيــع الميزانيات مثلما في بريطانيــا؛ أو صناديــق أو مجالس إقليمية تشــرك الفنانين والجمهور مثلما فــي النمــوذج الاســكندن­افي، أو نماذج أخــرى مثل النمــوذج البلجيكــي الذي في إطــاره يلزم القانــون الوزير بالعمل حســب توصيــات الجســم الجماهيري الاستشــار­ي، ولتبريــرا­ت خاصة فقط يمكنه الانحراف عنها.

بدلاً من التصفيق لوزيرة الثقافة، كما تقترح تســيفر، من الأفضل النظر للواقع بقلق ووقف القانون الســيئ هذا قبل أن نخطو خطوة كبيرة لنكــون ديمقراطية غير ليبرالية تشجع الفن «من قبل» أو من أجل إرضاء السلطة فقط. هآرتس 2018/11/7

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom