Al-Quds Al-Arabi

إسرائيل نور للأغيار عند نتنياهو وترامب!

في عهدهما تم التنازل عن القيم العالمية وأصبحت المصالح تحتل المكان الأول

- سامي بيرتس هآرتس 2018/11/7

■ الســرعة التــي هنــأ فيها رئيــس الحكومة بنيامــن نتنياهو جاير بولســونرو على انتخابه رئيســاً للبرازيــل، دون التفكيــر للحظــة بعدد من رســائله الإشــكالي­ة )تصريحات ضد السود والنساء والمثليين(، هذه السرعة تدل بشكل معين علــى الفجوة بين التعهد الإســرائي­لي ـ اليهودي بإصــاح العالم وبأن يكونوا نــوراً للأغيار وبين الواقع. من المبالغ فيه التوقع من إسرائيل أن تعلم العالم، وأن تضــع له رايات أخلاقيــة أو مقاطعة دول عظيمــة. دولة صغيرة مع تعقيــدات كثيرة، ومصالح وجودية والقليل من الزبدة على الرأس، لا تســتطيع أن تعلم أحداً. إســرائيل دائماً تفضل مصالحها على تشــجيع قيم عالمية، ولكن يبدو أنه منذ انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة وصعود الشعبوية، تنازلت تماماً عن التبجح بأن تظهر كمن تسعى إلى تطبيق هذه القيم.

وهذا عندها ليس بسبب غياب تردد، بل واضح ما هــو خيارها. مثلاً، في حالــة تصفية الصحافي جمال الخاشقجي، ذلك الحدث الذي يثير التساؤل بخصوص طبيعة النظام في الســعودية ـ فإنه لم يكن لنتنياهو أي معضلة: أهمية النظام السعودي فــي الصراع ضــد إيران تفــوق بصــورة كبيرة الحاجة إلــى انتقــاد العائلة المالكة الســعودية، لذلك فهو يعمل أمام الولايات المتحدة من أجل ترك السعوديين وشأنهم.

عندما انتخب ترامب رئيســاً للولايات المتحدة، أعلــن في أحــد خطاباتــه الأولى بأنــه لا ينوي التدخل فــي شــؤون دول أخــرى، وأن يقول لها كيف تتصرف. هذه كانت رســالة مختلفة جداً عن الرسالة الأمريكية المتساوقة خلال عشرات السنين الأخيرة، التي تفاخــرت بالدفع نحو تصدير القيم الديمقراطي­ة، الليبرالية والرأسمالي­ة، وأحياناً من خــال فرضها بالقوة، على ســبيل المثال في حرب فيتنام.

قرر ترامب تقليص دور أمريكا كشرطي وبوصلة للعالم. ليس مــن قبيل التواضع، بــل لاعتبارات عملية. الحــروب في أرجــاء العالــم تحتاج إلى الأموال. وتشــجيع قيم عالمية يكلف المال. ويفضل دونالد ترامب ترامــب أن يغرم من لا ينضبط حســب مــا يراه. هكــذا قام بتقليــص دعمه لميزانيــة الأمم المتحدة وميزانيات المســاعدة للفلســطين­يين. لقد أصبح بشكل أقل شــرطياً يحمل عصاً. وبشكل أكثر رجل بنوك مع محفظة تفتح، وبالأســاس تغلق، حسب الضرورة. سلاحه تقليص الميزانيات، وسلوكياته وشــخصيته أنشــأت فراغاً قيمياً في العالم، لكن هذا من جانب ونتنياهو يتصرف براحة داخل هذا الفراغ.

في السبعينيات، دخل إلى الخطاب الاقتصادي العالمي مفهوم «مســؤولية الشــركة» بعد أن تبين أن مصانــع أمريكية مثــل «نايكي» تشــغل عمالاً في آســيا بظروف اســتغلالي­ة في مشاغل معرقة. هذا المفهوم اســتهدف وصف التوقعــات المأمولة من شــركات عالمية بأن لا تكتفي بإنتاج وتسويق المنتجات الجيدة للمســتهلك­ين، بــل أن تأخذ على عاتقها المسؤولية عن ظروف العمل لعمال الإنتاج، وعن جودة البيئة في المصانع، وعن ظروف تربية الحيوانات ـ حتى لــو كان ذلك في بنغلاديش أو في ماليزيا. مــن الصعب القول إن هذه الرســالة تسربت وســرت في كل الشركات وغيرت سلوكها تماماً ـ الكثير منها ما زال يستغل ويلوث ـ ولكنهم يحاولون، والتوقعات منهم ازدادت.

إن التــوق إلى مســؤولية اجتماعيــة من هذه الشــركات ينبع من قوة الســوق العظيمة لها في عصر العولمــة. كما يبدو هذا توقــع يجب على كل شــخص أن يطوره تجــاه زعماء العالــم المتنور. يجب أن تكون لديهم مســؤولية مشتركة ودافعية لتطبيق قيم عالمية. ولكن عهد ترامب يكشــف عن توجــه معاكس: القليــل من التدخل في شــؤون الدول الأخرى، وأكثر تركزاً في الساحة الداخلية؛ وأكثر حماية على حساب تطوير التجارة العالمية؛ وتنــازل عن تصديــر القيم وإنــزال مكانة قضايا حقوق الإنســان في ســلم الأولويات. يتركز سلم الأولويات في إســرائيل على الاحتياجات الأمنية، وكل دولة تســاعد في الصراع ضد إيران تعدّ على الفور صديقة. ويتم العفو عن كل شيء فيما يتعلق بالأصدقــا­ء، ولا نتدخل في شــؤونهم. وهذا يزيد مــن حدة مركزيــة التهديد الإيرانــي في الخطاب الإســرائي­لي. خط نتنياهو هو في المقام الأول منع مفاعل نــووي عن الأغيار، بعد ذلك يكون بالإمكان التفكير بنور للأغيار.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom