Al-Quds Al-Arabi

البشرى حسب نتنياهو

إذا تساءلتم ما هو الاحتلال فقد قرر بيبي أنه أنباء ملفقة يقصد منها تشويه إسرائيل

- افيعاد كلاينبرغ

■ تســاءل الكثيرون منكم على مدى السنين ما هو الاحتلال، هل هو الســيطرة على أراضي دولة أخرى أم العودة إلى مُلك الآباء والأجداد؟ هل هو الحرمــان المتواصل لحقوق الإنســان في المناطق المحتلة أم ورقة مســاومة؟ أما أول أمس فقد انتهت التساؤلات.

في استعراض سياســي قدمه رئيس الوزراء إلى أعضاء كتلة الليكود، أوضح بنيامين نتنياهو أن «الاحتلال هو ترهات». الاحتلال، بتعبير آخر، هو أنباء ملفقة، لن يكون شيء لأنه لم يكن شيء. ليس واضحاً إذا كان التعريف المصيب يستند إلى كراســة الإعلام من مجلس «يشــع» للمستوطنين في 2015 («احتلال ترهات») أم أن رئيس الوزراء توصــل إلى الأمور بنفســه. وســواء كان هذا أو ذاك، يخيــل أن الأمر إياه، الترهــات، الذي يقض مضاجعنا منذ أكثر من خمسين سنة، لم يكن له أي وجود. اهدأوا.

لماذا يعدّ الاحتــال ترهات؟ وبالفعل، ليس كما يعتقد زمــاء نتنياهو المســتوطن­ون، بأن الفترة التــي لم نحكم فيها المناطق كانــت بالإجمال مهلة )من ألفي سنة( في ســيادتنا، ولا حتى، لأن الرب وعدنــا )قبل ثلاثة آلاف ســنة( ببلاد إســرائيل الكاملة )الوعود يجب أن توفى(. السبب للترهات المفاجئة للاحتلال هو سبب آخر. «القوة هي الأمر الأهم في السياســة الخارجية لدولة إســرائيل.» بتعبير آخر، إن الأمر الوحيد المقرر في السياســة الخارجية هو القوة.

هذا يبدو معروفاً، حقاً. كان في الماضي غير قليل من الزعماء ممن شــرحوا هذا المبدأ لأبناء شعبهم ولجيرانهــ­م: ليس الاحتلال فقط هــو ترهات، بل والأخلاق أيضاً. من لديه قوة يفعل كل ما يشاء، أما معدومو القوة فلديهم غير قليل من الملاحظات على هذا الادعاء، ولكن عديمــي القوة تنقصهم القوة. كفــى للترهات. فقد بســط نتنياهو أمــام أعضاء كتلته السياق التاريخي: «ثمة دول عظمى احتلت وبدلت الســكان، ولا يتحدث عنها أحد. القوة هي المفتاح، والقوة تغير كل شيء في سياستنا حيال بنيامين نتنياهو يخطب في الكنيست دول العالم العربي». القوة، القوة، القوة.

تعالوا نحــاول فهم المذهب بمزيــد من العمق. أولًا، عالم الاســتناد في موقف نتنياهو ليســت الدول الصغيرة أو المتوسطة. المقارنة الواجبة من ناحيته هي بيننا وبين «الدول العظمى»، وبتعبير آخــر الإمبراطور­يــات. قولوا مــن الآن فصاعداً: إســرائيل إمبراطورية )وبيبي هــو على ما يبدو القيصر(.

وعلــى مدى التاريــخ فعلــت الإمبراطور­يات أمــوراً لا تفعل، وطالما كانت لهــا قوة فليس هناك من ينبس ببنت شــفة. وهي لم تكتف بالاحتلال، وبالضــم والنفي )ما يســميه نتنياهــو ـ برقّة ـ «تبادل الســكان».) غير مرة ارتُكبت أفعال مذابح وإبادة شعب. فكروا مثلاً في الدولة العظمى التي تســمى «الرايخ ابــن الألف ســنة» ـ فقد احتلت وضمت وقتلت انطلاقاً من الإيمان المطلق بقوتها. «لا أحد يتحدث عنها»؟ بل يتحدثون. افترض بأن نية نتنياهو هي أنه طالما كانت إمبراطوريا­ت، فإن الأحاديث هي مثابة «ترهات».

بصفتي مؤرخاً مهنياً، فإن لدي بضع ملاحظات لرئيس الوزراء. أولاً، نتنياهــو محق بأن العالم ليس ناديــاً للجدال، أو غرفة ورشــة عمل فكرية في كليــة الآداب. في هذا العالم ثمة ذئاب تتجول، وليــس مجدياً أن نكــون فيه خروفــاً. القوة هي المهمة. فإن دولة سهلة ورخيصة السيطرة عليها، ستكون فريســة بســرعة. هذا لا يعني أن الخيار هو إمــا أن تكون ذئباً أو أن تكون خروفاً. فالذئاب لا تــأكل القنافد مثــاً. في العالم ســبل لا تجعلك فريسة للذئاب حتى دون أن تأكل الخراف. ثانياً، ما هو مســموح للفهد محظور للثور؛ دول صغيرة ومتوسطة لا يمكنها أن تتصرف وكأن العالم يعود لهــا؛ العالم يعود للكبــار. ثالثــاً، الفرضية التي تقــول إن القوة اليوم هي القوة غــداً هي فرضية مدحوضة. انظروا إلى الدول العظمى في الماضي، فقد كلفتها ســكرة القوة )وللآخرين( ثمناً باهظاً غير مرة. رابعاً، الاحتلال ليس سياســة خارجية يديرها القيصر، فلــه تأثير عظيم على قيم وطابع إسرائيل، ولكنه ليس ترهات. يديعوت 2018/11/7

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom