Al-Quds Al-Arabi

التطبيع مع إسرائيل والصهيونية: نقاش ورؤية

- ٭ استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت

■ سأعرّف التطبيع مع الصهيونية بصفته تطبيعا مع الاســتيطا­ن والاحتلال ونظام الابارتهاي­د الإســرائي­لي، وهو تطبيع مع سياسة الطرد والظلم ومنع العودة للشعب الفلســطين­ي. لكن في المقابل أعي بأن الدول التي تستقبل شخصيات إســرائيلي­ة بما فيها اســتقبال سلطنة عمان لنتنياهو رئيس الوزراء الإســرائي­لي تحمــل في الوقت نفســه رؤى أخــرى متعاطفة مع الحقوق الفلســطين­ية. لكن الجديد في الحالــة العربية الراهنة أن هذه الزيارات تقع في ظل وضع عربي متراجع عن الشــرط الذي وضعه العرب في مبادرتهم الســلمية في 2002 والتي تدعو لقيام دولة فلسطينية وعودة القدس الشرقية والجولان المحتل مع إيقاف الاســتيطا­ن وضمان حق العــودة والحقوق. هناك تغير في الحالة العربية الرســمية ) وليس الشعبية العربية التي تتمســك بالثوابت والحقــوق التاريخية(. من الضروري أن تســمع الدول العربية لصوت الشــارع وصوت المجتمع العربي الذي يحمل تصورات مختلفة عن العلاقة مع إسرائيل والتطبيع وقضايا الظلم والتهميش. في الجوهــر لا يوجد تطبيــع حقيقي مع إســرائيل، فهو تطبيع رسمي لا يعكس رأي الشــارع العربي وتوجهاته، وهو معــرض للاهتزاز بفضــل موقف الشــارع وتطور تصوراته.

من جهة أخرى فرقت الحركة الصهيونية باستمرار بين العدو البعيد والعدو القريب، فالفلســطي­نيون بالنســبة إليها المصدر الأساســي للصراع، وذلك لأنهم يصارعونها على شــرعية الوجود والأرض، كما يتواجهون معها على كل مكان في فلســطين. أما النظام العربي الرسمي فمكون من دول عربيــة لديها احتياجات أمنية وسياســية. لهذا تنطلق الصهيونية من إمكانية جر الدول العربية الواحدة تلو الأخرى للمساومة معها.

فــي الســابق وعلــى مــر العقــود نجحــت الحركة الصهيونية في فتح قنوات مع قادة وملوك عرب وذلك من أجل شق الجيوش والقدرات العربية ) وقع هذا في حرب 1948 ووقع في كل المراحل(. وفي الوقت نفســه تفاهمت الصهيونية مع الســادات على كامب ديفيد عام 1979، ثم تفاهمت مع أحــزاب لبنانية لترتيب غزوهــا للبنان عام 1982. إن هدف التطبيع من الجانب الإسرائيلي شق جبهة العالم العربي الضعيفة بالمقام الأول، ثم في الوقت نفسه تجاوز الشعب الفلســطين­ي وحقوقه التاريخية للتعامل مع بقية العالم العربي الذي يزداد تشرذما.

لكن الذي يضع حــدودا على هذا النمط من التطبيع أن الإقليم العربي الراهن غير ثابت. يكفي أن نذكر بأن حادثة كحادثة اغتيال الصحافي جمال خاشــقجي في ســفارة بلاده قلبــت كل المعــادلا­ت الإقليمية، هــذا يوضح مدى هشاشــة منطقتنا ودولنا. كمــا أن الانتخابات النصفية الأمريكية عكســت تغيرا كبيرا في الولايات المتحدة تجاه إدارة ترامــب وهذا ســينعكس على اليمين الإســرائي­لي وقوة نتنياهو، كمــا يوجد في الســاحة الأمريكية وبين يهود الولايات المتحــدة بالتحديد ردة فعــل كبرى على موقف اليمين الأمريكــي واليمين الإســرائي­لي الضعيف تجاه مجزرة المعبــد اليهودي منذ أيام حيــث تم قتل 11 مصليا أمريكيا. المتورطون في المجزرة من أنصار الرئيس ترامب وطرحه العنصري.

ويمكــن القول في أمور التطبيع بــأن الاتفاق الأردني الإســرائي­لي الذي تم توقيعه عام 1994 بإمكانه أن ينهار مع أي تغير سياســي كبير في الأردن، وفــي الوقت ذاته بإمكان الســلطة الفلســطين­ية ) التي وقعــت على اتفاق اوســلو( أن تجد أنها دخلت في مرحلــة عدم قدرتها على القبول بما آلت إليــه الأوضاع في ظل الاحتلال مما يؤدي لحل نفســها أو البحث عن طريق مختلف. قبل عام 2000 كان لإسرائيل جيش عميل اسمه جيش سعد حداد وفيما بعد جيش أنطوان لحد، لكن في العام 2000 تحرر الجنوب عندما حــرر حزب الله تلــك المناطــق الجنوبية فتخلت إســرائيل عن ذلك الجيــش. وفي ظل مبادرات الســام واتفاق اوســلو عام 1994 قامت دول عربيــة عدة كقطر بفتح مكاتب لإســرائيل لكنها قامت بإغلاقها في ظل حرب غزة في العام 2008. التطبيع عملية تتكلل بالفشــل عندما تصطدم بجدار الظلم الصهيوني المســتمر المقرونة بحالة مقاومة بطولية وناجحة.

وتعلم إســرائيل بشــكل غريزي بأن الحركة الشعبية العربية متضامنة دائما مع الشــعب الفلســطين­ي. ولهذا تعادي إسرائيل الرسمية والصهيونية الحركات الشعبية في الإقليــم ببعدها القومــي والإســامي والوطني. إن سياســة التطبيع الراهنة التي تنتهجها إسرائيل بقيادة نتنياهــو واليمين هدفها واضح وبســيط: فــرض الأمر الراهــن وفرض الاحتــال والاســتيط­ان وجعله مقبولا لدى العرب، بل تســعى السياسة الإســرائي­لية وسياسة الليكود لجعل العرب يتعاملون معها انطلاقا من مخاوفهم من بعضهم البعض. في بداية هذا الاســبوع شــاركت في مؤتمر مميز في المركز العربي للأبحاث في الدوحة )قطر(، كان أســاس المؤتمر عمليات التحول من العنف المســلح إلى العدالة الانتقالية وتحقيــق الحقوق. كان اللافت أن أحد أهــم شــخصيات المؤتمر الافريقــي ومؤســس جناحه العســكري مع مانديلا هو رجل أبيض اســمه روني كاسريلز. كاســريلز كان قائدا عســكريا رئيســيا في مسيرة الأغلبية الســوداء لنيل حقوقها. في المقابل لــم يتعامل المؤتمــر الوطني الافريقــي مع روني بسلبية لأنه أبيض ولأن أصوله من أوروبا، بل تعامل معه على قاعدة موقفه وســلوكه والتزامه تجاه النضال ضد نظام الأبارتهاي­د والفصــل العنصري والاضطهاد الموجه للأغلبية السوداء. لقد انقلب روني الأبيض البشرة على نظام الابارتهاي­د بعد مجزرة كبيرة ضد المتظاهرين قتلت العشــرات وجرحت المئات قام بهــا النظام العنصري في العام 1960. رحب به المؤتمر الوطني الافريقي مناضلا في صفوفه ومقاوما للعنصرية كما ورحب بكل من قاوم نظام العنصرية من البيض )رغم قلة عددهم(.

تتطلــب المرحلة المقبلــة إعادة بناء الحركــة الوطنية الفلســطين­ية، هناك فــرص لإعادة بناء أســس الحركة الوطنية الفلســطين­ية والمشروع الوطني باتجاه تحرري واضح وباتجاه يثبت الحقــوق على الأرض ويفكك نظام الحصار والتفرقة والعنصرية الذي فرضته إسرائيل على جميع الأراضي الفلسطينية. إن إعادة بناء أسس الحركة الوطنية الفلســطين­ية هــو الوحيد الذي سيســمح لها بمواجهة الأوضاع القادمة واستغلال فرص تصب لمصلحة التحرر والحقوق.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom