Al-Quds Al-Arabi

الانتخابات الأمريكية: صعود الشباب والنساء والأقليات... وصمود ترامب

-

■ اعتبــر الرئيــس الأمريكــي دونالــد ترامــب نتائج الانتخابــ­ات النصفيــة الأمريكية «نجاحــا هائلا »، ناظرا بالطبــع إلى النصــف الممتلئ مــن الكأس بالنســبة إليه، وهي احتفــاظ حزبه الجمهــوري بالأغلبيــ­ة في مجلس الشــيوخ. أما سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي في عهد باراك أوباما، فقد أشارت إلى معنى حصول حزبها الديمقراطي على الأغلبية فــي مجلس النواب بالقول إنه دليل على أن أمريكا «لم تفقد عقلها.»

ترامب، الذي اعتبر الانتخابات استفتاء شخصيا على رئاســته، قام بالتدخل شخصيا في الولايات التي احتاج مرشحو حزبه دعما فيها وهو ما ساهم فعلا في احتفاظ )بــل وتقدم ثلاثة مقاعد( الحزب الجمهوري، ومناصريه الشخصيين فيه، كما رأينا، باليد العليا في «الغرفة العليا » من الكونغرس )المؤلفة من 100 ســيناتور مقسومين على الحزبــن، إضافة إلى مســتقلين(، لكنه لــم يحصل، بين الفائزيــن في حزبــه، على كل ما يريــده، فأحد الفائزين، ميت رومني، هو أحد خصوم ترامب الجمهوريين إلى حد أنه وصفه سابقا بأنه «نصاب» و«فاسد».

من جهــة أخرى فقد عكــس الاســتقطا­ب الحاد الذي خلقته سياســات ترامب موجة من الحماس الهائل لدى الناخبين، سواء من هم معه أو من ضده )رغم أن الحماس ضده أكبر لأن نســبة الزيادة في الناخبين الديمقراطي­ين كانت أكبــر من زيادة الناخبين الجمهوريين(، ولذلك فقد ركزت حملات ترامب الانتخابية على سياســة اســتثمار الخوف من المهاجرين والأقليات وعلى الأجندات المحلية للولايات وعلى استخدام صريح للعنصرية.

وكمــا كان للعالــم الرقمــي والقرصنــة والانترنــ­ت تأثيرها المســمم في انتخابات الرئاســة عــام 2016 فقد اســتخدمت حملات ترامب والجمهوريي­ن هذه الوسائل، ففــي جورجيــا تلقى الناخبــون اتصــالات أوتوماتيكي­ة )روبوكولــز( تقلــد صــوت مقدمــة البرامــج الســوداء الشــهيرة أوبرا وينفري تســخر بطريقــة مبطنة من عرق المرشــحة الديمقراطي­ة، أما في فلوريــدا فتلقى الناخبون تحول صوت مرشح أســود آخر إلى صيحات في الغابة مع خلفية لصرخات الشمبانزي.

هذه الشــخصنة والتركيــز على سياســات الكراهية كانتــا من العوامل التي ســاهمت في دفع جيل الشــباب والنســاء والأقليــا­ت لدخــول الســباق الانتخابي وهو مــا انعكس فــي حصول هــذه الفئــات على تمثيــل أكبر فــي مجلســي الكونغــرس وحســب الاحصائيــ­ات فقد نجحــت 117 امــرأة فــي دخــول المجلســن )فيمــا كان الرقــم فــي الكونغــرس الماضــي 107 فقــط( وتمكنت 9 من الحصول علــى منصب حاكم ولاية )مــن أصل 50،) وكان لافتــا نجــاح إلهان عمــر )صوماليــة الأصل وأول محجبة تنتخب لمجلس النواب( في مينيســوتا، ورشيدة طليب )فلســطينية الأصــل( في ميشــيغان، باعتبارهما أول نائبتــن مســلمتين فــي الكونغرس، وديــب هالاند وفشــاريس دافيدز كأول ممثلتين للأمريكيين الأصليين، كمــا نجحــت أليكســاند­را أوكاســيو ـ كورتيــز، أصغر مرشــحة تنتخب للكونغرس في التاريخ الأمريكي )وهي يسارية معروفة بتعاطفها مع القضية الفلسطينية(.

حســب اليزابيــث واريــن، النائبــة الجديــدة فــي الكونغــرس )والمحتمــل أن تكــون مرشــحة حزبهــا لانتخابات الرئاســة لعــام (2020، فــإن «المقاومة )ضد ترامــب( بــدأت بين النســاء وقد تمــت قيادتهــا من قبل النســاء هذه الليلة»، ولعل اســتعادة نانســي بيلوسي، زعيمــة الديمقراطي­ين، لمنصبها كرئيســة لمجلس النواب، تصديق لهذا التصريح.

فتــح بــاب اســتخدام ترامــب والحــزب الجمهوري تنميطــات العنصرية ورفع راية كراهيــة الآخرين أبواب الاســتقطا­ب علــى مصاريعهــا فصــار أعضــاء بعــض فــروع الحزب الجمهــوري بيضــا فحســب، فيما عكس الديمقراطي­ــون مزيــدا من التنــوع العرقي واســتطاعو­ا جذب الشــباب والنســاء والأقليــا­ت. وإذا كانــت نتائج الانتخابــ­ات تدل علــى أن ترامب ســاهم في شــقّ الأمّة وحــرّك النزاعــات التاريخيــ­ة العميقة لكنّها تــدلّ أيضا على أن مســعاه أضفى الحماس على السباق الانتخابي وحرّك ديناميّات حادّة تناقض أجندته.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom