Al-Quds Al-Arabi

كيف تتعامل إيران مع دعوات الأمريكيين لاحترام سيادة العراق؟

-

إســطنبول ـ الأناضــول: لا يزال العراق يشــكل بــؤرةً من أهم بؤر الصراع الأمريكــي الإيراني المتصاعد فــي المنطقة، وتتنافس إيران والولايــا­ت المتحدة مُنذ ما بعد غزو العــراق عام 2003 على تحقيق مســاحة نفوذ أوسع لكلٍّ منهما على حساب الآخر بالاعتماد على القوى الحليفة لهما دون الدخول في صراعٍ مباشر.

ويُشدد أبرز مســؤولي الإدارة الأمريكية من الدائرة المحيطــة بالرئيس، وزيــر الخارجية ومستشــار الأمن القومي، على تحذير إيران من عواقب التعرض المباشر أو عبر القوى الحليفة للمصالح الأمريكية في المنطقة.

وتتحــدث الولايات المتحــدة عن نشــاطاتٍ إيرانيةٍ مزعزعةٍ للاســتقرا­ر في المنطقة وضرورة وقف مثل هذه النشــاطات والتصدي لها بالتنسيق مع الدول الحليفة، الســعودية والإمــارا­ت ومصــر والأردن بالإضافة إلى إسرائيل.

الدعــوات الأمريكية الأخيرة لإيــران لم تأتِ بجديد، ففي أيار/مايــو 2018، وبعد أقل من أســبوع على إعلان الرئيس الأمريكــي دونالد ترامب الانســحاب من لجنة العمل المشــتركة )اتفاق الملف النــووي عام 2015( في 8 أيار/مايو، أعلن وزيــر الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عن 12 مطلباً على إيران الامتثــال لها لتجنب العقوبات ضمن الســقف الزمني لســريانها المحدد فــي 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.

وكي تتصرف إيران كدولةٍ «عادية» يجب على نظامها، مــن وجهة نظر واشــنطن، الامتثال للمطلب الســادس المتضمن احترام ســيادة الحكومة العراقية، والســماح بنزع سلاح «الميليشــي­ات الطائفية» وتسريحها وإعادة دمجها، في إشارةٍ إلى فصائل «الحشد الشعبي».

وجددت وزارة الخارجية الأمريكيــ­ة في 30 أكتوبر/ تشــرين الأول الماضي، على حســابها في موقع «تويتر» مذكرةً إيــران أن «قبل 6 أيام من دخــول العقوبات حيز التنفيذ، هذه هي الشروط الســتة، المترتبة على النظام الإيراني من أجل أن تعامله واشــنطن كدولةٍ عاديةٍ» قبل الموعد النهائي للعقوبات في 4 نوفمبر/تشــرين الثاني، وأن «يجب على النظام الإيراني احترام سيادة الحكومة العراقية والســماح بنزع ســاح المليشــيا­ت الطائفية وتسريحها وإعادة دمجها»، دون تفاصيل أخرى.

في نهاية أغسطس/آب الماضي، نقلت تقارير أنّ إيران أرسلت صواريخ بالســتية قصيرة المدى لبعض فصائل الحشــد الشــعبي، وأنها تطور قدراتها على بناء المزيد من الصواريخ في العراق لــردع الهجمات المحتملة على مصالحها ولضرب خصومها في المنطقة.

وحســب هذه التقارير الإعلامية، فــإن تزويد إيران لكتائب «حــزب الله» العراقي بالصواريخ الباليســت­ية قصيرة المدى ونشــرها فــي مناطق قريبــة عن الحدود السعودية والسورية، تشكل تهديداً مزدوجاً للسعودية، الحليــف الأمريكي الأوثق حتــى الآن، رغــم تداعيات مقتل الصحافي جمال خاشــقجي، وللجنود الأمريكيين المتواجدين فــي قواعد داخل الأراضي الســورية ضمن مديات تلك الصواريخ انطلاقاً من مواقع للحشد الشعبي داخل الأراضي العراقية.

وفي تصريحاتٍ أدلى بها وزيــر الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في الأول من سبتمبر/أيلول 2018، رداً على الخطوة الإيرانية اعتبر ذلك مثار قلـٍـق لبلاده وانتهاكاً صارخاً للسيادة العراقية.

وســبق لوزير الخارجيــة أن أعلن فــي 8 أيار/مايو 2018 اثنا عشــر مطلباً على النظام الإيراني الامتثال لها في مقابل رفع العقوبات والسماح بتخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية تحت إشراف دولي وإعادة إدماج إيران اقتصادياً وسياسياً في المجتمع الدولي؛ ومن بين المطالب وقف التهديــدا­ت الإيرانية لحلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك إسرائيل والسعودية والإمارات.

وتشكل الصواريخ الباليســت­ية التي أرسلتها إيران للعراق تهديداً للســعودية، ولإسرائيل أيضاً إذا تمَّ نقلها إلى ســوريا التي تقاتل كتائب «حزب الله» العراقي على أراضيها مُنذ سنوات ضدّ فصائل المعارضة المسلحة.

وأعلن مايــك بومبيو أنّ بلاده ســتتحرك فــوراً إذا تعرضت مصالحها لأيّ هجومٍ مــن جانب إيران أو حتى من قِبَل وكلائها، وســيكون الرد على الفاعل الأساسي، أيْ على إيران.

قد لا تكون الصواريخ الباليستية التي أرسلتها إيران إلى فصائل مسلحةٍ حليفةٍ لها ذات قيمة عسكرية عالية، لكنّها بكل تأكيد تبعث برســائل مباشــرة إلى الولايات المتحدة بــأن إيران قادرة على تهديــد مصالح الولايات المتحدة وحياة الجنود الأمريكيين في العراق وســوريا، وكذلك الدول الحليفة لها كوســيلةِ ضغطٍ على الولايات المتحدة لتخفيف الضغوطات الاقتصادية والسياســي­ة التي تصاعدت مع موعد سريان العقوبات في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 .

ويعتقد وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس إنّ محاولة إيران تحويل العراق إلى دولةٍ تابعةٍ لها «لنْ تجدي نفعاً، وهو مجرد إهدار للموارد التي يمكن أنْ تساعد الناس في إيران لو كانت الحكومة الإيرانية تهتم لأمر شعبها.»

لا تزال إيران تســتغل ما لديها من نفــوذ في العراق لســحبه بعيــداً عــن الإرادة الأمريكيــ­ة فــي الالتزام بالعقوبات المفروضة عليها، والحفاظ على هيئة الحشــد الشــعبي وعدم المســاس بها انطلاقاً من رؤية المرشــد الأعلى علــي خامنئي التي طرحها علــى رئيس الوزراء الســابق حيدر العبادي فــي لقاء جمعهما فــي يونيو/ حزيران 2016 بالتحذير من «اتخــاذ أيّ إجراءٍ يمكن أنْ يؤدي إلى إضعاف فصائل الحشد الشعبي».

وتعطي اســتقلالي­ة قرار «الحشــد» إمكانيــاتٍ غير محــدودة لإيران فــي توظيــف مقاتلي الحشــد لإنفاذ المشــروع الإيراني في ســوريا بالقتال إلى جانب قوات النظام السوري، وفي العراق لمزيد من التهديد للمصالح الأمريكيــ­ة والجنــود الأمريكيين للضغط علــى الإدارة الأمريكيــ­ة فــي التخفيف مــن العقوبــات الاقتصادية والتراجع عن سياســاتها في بناء تحالفاتٍ استراتيجيةٍ مــن عدد مــن دول الخليــج والمنطقة للتصــدي للنفوذ الإيرانــي ووقف التدخــات الإيرانية في شــؤون دول المنطقة؛ إضافةً إلى تقويض إمكانية اســتخدام الأراضي العراقيــة منطلقــاً لتهديــد المصالح الإيرانيــ­ة من قبل الولايات المتحدة أو توجيه ضرباتٍ عسكريةٍ ضدّ إيران.

دون إثــارة ردود فعلٍ دوليةٍ أو أمريكيةٍ، يمكن لإيران استخدام القوى الحليفة لها لتهديد المصالح الدولية في المنطقة، سواء ممرات الشحن البحري عن طريق جماعة أنصار الله )الحوثي( أو الجنــود الأمريكيين في العراق وســوريا أو غيرها من المصالح الأمريكيــ­ة، بما فيها أمن إسرائيل والدول الحليفة بالمنطقة.

ولا تبدو إيران مكترثــة بالتهديدات الأمريكية طالما لا تزال ردود الأفعال الأمريكية في إطار تشــديد العقوبات الاقتصادية دون المساس المباشــر بالمجموعات المسلحة الحليفة لإيران، وهــي عنصر القوة الــذي تعتمد عليه إيران في وضــع الولايات المتحدة فــي موقع الدفاع عن النفــس. في كل الأحــوال، تُدرك الولايــات المتحدة أنّ النفوذ الإيراني في العراق المباشر أو عبر القوى الحليفة لها المتنفذة في مراكز القرار الأمني والسياســي أكبر من استطاعة أيّ حكومةٍ عراقيةٍ على تحديه أو تقويضه، بما فيها الحكومــات التي تعتقد الولايات المتحدة أنّها حليفة لها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom