Al-Quds Al-Arabi

الأردن: مطبات على طريق التطبيع مع سوريا و«حجيج سياسي» لوفود نقابية وبرلمانية إليها

- عمان – «القدس العربي» من بسام البدارين:

بعد اســتقبال دمشــق وفديــن نقابيــن أردنيين على الأقــل واســتضافت­ها الثالث قريبــاً، أصبحــت الفرصة متاحــة أكثــر مــن أي وقــت مضى لحديــث عــن مقاربة تســمح باســتقبال أول وفد برلماني أردني يمارس الحج إلــى العاصمة الســورية بعد إعادة افتتــاح معبر نصيب الحدودي.

فكــرة الوفد البرلماني المشــار إليه كان أصلاً قد خطط لها عضو مجلس النواب، طــارق خوري، قبل نحو أربعة أشهر. وجمع خوري آنذاك 20 اسماً من النواب الراغبين في زيارة دمشق قبل أن يتلقى إشعاراً رسمياً من الجهات العميقــة ينصح بإرجاء الزيــارة والفكرة إلى وقت ملائم أكثــر. أيمــن علــوش، القائم بأعمال الســفارة الســورية فــي عمان، صرح أمــس الأول بأن وفــداً برلمانياً عريضاً سيزور دمشق. فالوقت ملائم، وفقاً لتصريحات علوش لمحطة «رؤيا» الفضائية، على الأرجح الآن، فدمشق تفتح أحضانها للمؤسســات المدنية والنقابية الأردنية، ورغم عدم وجود عمل مدني حقيقي فيها، إلا أن النائب خوري ورفاقه لا يتحدثون علناً عن زيارتهم المؤجلة.

زار دمشق بعد فتح معبر نصيب وفد من نقابة المحامين الأردنيين برئاســة النقيب مازن ارشــيدات، وعاد الأخير بسلســلة من تصريحــات التضامن الإيجابيــ­ة وبمقولة لا تعكــس الحال سياســياً حــول تلك الروابــط الأخوية الأزلية التي تربط الشعبين. تلك الروابط تصلح للحديث أمــام الإعــام فقط، وخلــف الســتارة كانــت العلاقات متأزمــة ولا تزال متوترة، لكنها على الصعيد السياســي والدبلوماس­ي تتحســن وتنمو ببطء شديد جداً، وتحت عباءة الراعي الروســي فقط، وبدون تحول استراتيجي يرفع من مستوى أو منسوب الاتصال والتواصل.

بعــد المحامين، صرح نقيب المهندســن أحمد ســمارة الزعبي بأن النقابة ســتزور عاصمة الشــقيق الســوري قريبــاً. الزعبي يحمــل معه محاولة للمشــاركة في حفلة تطبيع العلاقات مع الدولة الســورية على أمل أن يساعد ذلك نقابته ليس في دمشق فقط ولكن في عمان أيضاً.

المهمــة الأصعــب فــي جعبة نقيــب المهندســن، وهي تحقيق ما تيســر من اختراق وإيجاد دور للقطاعات التي تمثلها نقابة المهندســن ضمن مشاريع إعادة الإعمار في ســوريا على أمل الحصول على حصة مــن أي نوع، رغم أن تلك المهمة، كما يقول النقابي والمهندس الناشــط عبد الله غوشة لـ «القدس العربي»، «تبدو صعبة المنال بدون العمل في ظل شركات عملاقة أو كبرى دولية، خصوصاً من الصين أو روسيا.»

حتى نقيب أطباء الأسنان، الدكتور إبراهيم الطراونة، الــذي لا تربط هيئته العامــة أي علاقة سياســية من أي نوع بســوريا أو حتى بالملف الســوري، لجأ إلى نشــاط مماثــل والتقط الصــور على معبــر نصيب برفقــة وفده المرافــق إلى دمشــق مع تقديم الشــكر للموظــف الأمني الموجــود على الجانــب الأردنــي. وبكل حال، فالمشــهد واضح، الســفارة الأردنية في دمشــق لم تفتــح أبوابها بعــد، وحكومة ســوريا لا تزال بدون ســفير فــي عمان، والطرفان يتبادلان الرســائل المشفرة والملغزة؛ فحكومة الأردن تســعى للاســتثما­ر فــي الضــوء الأخضــر الذي منحتــه لتنفيــذ مبادرات نقابيــة مع الســوريين. والقائم بالأعمــال الســورية فــي عمــان يكثــر مــن التصريحات الإيجابية المقتضبة التي تصلح لاستهلاك الإعلام أيضاً، وهو يحمل العبء نيابة عن شــخصية تأزيمية ســبق أن ألحقت ضــرراً كبيــراً في العلاقــات بين البلديــن يمثلها الســفير الســابق لدمشــق المطرود مــن عمــان الجنرال بهجــت ســليمان. وحتى اللحظــة، ثبت ميدانيــاً أن عدد الأردنيــن الذين يزورون ســوريا بعد إعــادة فتح المعبر أكبر بكثير من عدد الســوريين الذين يقــررون العودة أو الذين يقررون زيارة عمان.

تلك مفارقة رقمية سياسية بامتياز شملت أيضاً عدد الســيارات وعدد الشاحنات العابرة بالاتجاهين وأطنان البضائــع والمنتجــا­ت التــي يحضرها الأردنــي معه بعد زيارة ســوريا، الأمر الذي اضطر ســلطات عمان لتدابير تخفف مــن الحماســة الشــعبية الأردنية باتجــاه زيارة دمشــق. وبكل حال، لا تبدو مكاســب إعــادة فتح المعبر كبيرة جداً للأردنيين، ويشعر الجناح المناهض في القرار الأردني للنظام الســوري بأن دمشق هي التي استفادت مــن فتــح المعبر وليــس العكــس. وتلك اســتنتاجا­ت من الصعب اعتمادها الآن.

لكــن بعض الأوســاط العميقة في الأردن تشــعر بأن اندفاع الشــارع النقابي تحديداً دخل في ســياق المبالغة والتوظيــف، ويخدم ماكينة النظام الســوري التي تزعم بأنهــا تتحــدث مــع شــعب الأردن أكثر مــن الحديث مع حكومتــه. ذلك الميزان المختل يخضع للمراجعة الآن، وقد ينتهــي إما بزيادة رقعــة التواصل الرســمي الأردني مع الســوريين أو بتخفيف اندفاع التواصل الشــعبي، وهو أمر ستحســمه الأيــام أو الأســابيع القليلــة المقبلة، لأن موجة زيــارات النقابــات المهنية الأردنية لدمشــق بدأت تلفت الأنظار أكثر من أي وقت مضى.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom