Al-Quds Al-Arabi

جريمة اغتيال خاشقجي تقلل ضغط السعودية على المغرب الرافض لمغامرات محمد بن سلمان

- مدريد- «القدس العربي» من حسين مجدوبي:

خففت جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشــقجي في القنصلية الســعودية في إســطنبول يوم 2 أكتوبر/تشــرين الأول الماضــي، من الضغط الذي كان يمارســه ولي العهد محمد بن سلمان على المغرب، وكانت الرباط تواجهــه بهدوء وبرودة وأحياناً بتجاهل.

وكان بن ســلمان يعتبر الســعودية زعيمــة العالم الســنّي والأنظمة الملكية، وحاول إجبــار مختلف الدول الســنّية والملكية على الانخراط في مشاريعه ومن رفض يحجب عنه المساعدات المالية التي كان قد نهجها الملك الراحــل عبد الله بن عبد العزيز فــي محاولة تجنيب الملكيات رياح الربيع العربي.

ووجد بن سلمان صعوبة في الضغط السياســي على المغرب رغــم لجوئه إلى شــتى الوســائل، وقد وقع خــاف بين المغرب والرياض حــول قضايا متعددة، أبرزها:

في المقام الأول، رفض المغرب تســليم منصــور ابن الملــك عبد اللــه إلى محمد بن ســلمان الذي كان يطالب به، خاصة الأخبار التي جــرى تداولها حول تعذيب الأمراء. وكان منصور فــي أوروبا خلال الاعتقــال­ات التي تعــرض لهــا الأمراء ورجــال الأعمال خلال نوفمبر/ تشــرين الثانثــي الماضي، وانتقل إلــى قصر أبيه في الدار البيضاء. وكان محمد بن سلمان يرغــب في اعتقال جميع أبنــاء الملك عبد الله. ورغم الضغط الكبير الذي مارســه محمد بن ســلمان على الربــاط، رفضت الأخيرة تسليم الأمير وتفادت تكرار خطأ سنة 2015 عندما ســلمت الأمير بندر بن تركي إلى الريــاض. وكان الملك عبد الله من أشد المدافعين عن قضايا المغرب، وكان من الصعب على الرباط خيانة هذا الدعم وتسليم ابنه إلى مصير غير معلوم.

وتفيــد الأخبــار التي حصلــت عليها «القدس العربي» أن المغــرب وبعد مقتل جمال خاشــقجي ضاعف الحراسة على منصور بن عبد اللــه، وتولى أعضاء من الحرس الملكــي العملية. وعمليــاً، أدرك المغرب أن من يقدم علــى قتل مواطن في القنصلية قادر على تنفيذ أي عمل متهور آخر.

في المقام الثاني، كان هناك مصدر آخر للتوتر، هو تقليل المغرب من مشاركته في حرب اليمن بعدما ارتفعت حصيلة القتلى المدنيين وارتفــاع الضغط الدولي ورفض إرســال جنود الى جبهة القتال باستثناء الذين يتواجدون في الإمــارات العربية منذ مدة طويلة.

في المقــام الثالث، تفاقــم التوتر بين المغرب والسعودية، عندما رفض المغرب المشــاركة في حصــار قطر رغم إرســال الرياض لمبعوث ســري رفيع المســتوى أراد إقنــاع الربــاط بضرورة المشــاركة لجعل قطــر «الملكية المارقــة» في عائلات الملكية العربية. ولم يكتف المغرب برفض الحصار، بل أرسل مساعدات وفتح جوياً خطاً لنقل البضائــع، كما اختار أمير قطر الشــيخ تميم المغــرب لقضــاء جزء من عطلته الصيفية وترك يخته الكبير للملك محمد السادس. ورغم تلويح السعودية بأن الحرب في اليمن هي مواجهة إيران، وقطــع المغــرب علاقاتــه بطهــران، بل واتهمها بمحاولة دعم جبهة البوليساري­و عسكرياً، تراجع في حرب اليمن.

وفي أعقــاب مقتل جمال خاشــقجي، رفــض المغــرب الانضمــام إلــى الدول العربيــة القليلة التي ســاندت الرياض في البدء، والتزم الحيــاد. وهناك أخبار شــبه مؤكدة أنه بعد توتــر العلاقة بين الرياض والغرب، فرنسا تحديداً، بسبب هذه الجريمة، طلبت الســعودية وساطة الملك محمد الســادس لدى فرنســا لكي تخفف من الضغط ولا تنضم إلى المعسكر الألماني-البريطاني-الأمريكــي الــذي يهدد بعقوبــات. ويجهل الــرد المغربي، وبدون شــك، تعاملت الرباط ببرودة مع الطلب. ورغم ســيطرة غضب كبير على ولي العهد السعودي من قرارات المغرب، تجنب مواجهــة صريحة معــه لأن الأمر يتعلــق بدولة ليــس ثانوية فــي العالم العربــي وبملكيــة تعود لقــرون. ولكنه لجأ إلــى توظيف أوراق أخــرى، وفجأة أصبحت بعض وسائل الإعلام السعودية التي تدخل في فلــك ولي العهد بالحديث عن جبهة البوليســا­ريو وتقرير المصير، ثم شــنت السعودية حملة لمنع المغرب من احتضان كأس العالــم وجمعت أصواتاً لصالح الملف الثلاثــي، الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وقلل من المساعدة المالية إلى المستويات الدنيا.

وكان المغرب يشــارك فــي المبادرات السعودية بســبب العلاقة الوطيدة بين العائلتين الملكيتين، لكــن بعد تولي ولي العهــد محمد بن ســلمان واتخاذ الأخير قــرارات سياســية وعســكرية بشــكل متهــور، بدأ يلتزم مســافة من سياســة الرياض، وهــي السياســة التي جعلت الســعودية الآن «دولة مارقــة» في أعين الــرأي العام العالمي بعــد جريمة اغتيال جمال خاشــقجي. ونظراً لانشــغال ولي العهد الســعودي بالإفلات مــن العقاب بشأن تورطه المفترض في جريمة اغتيال خاشــقجي، لــم يعد بــن ســلمان يهتم بالضغط أو اســتقطاب الملكيات العربية ومنها المغرب.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom