Al-Quds Al-Arabi

نقيب الصحافيين المغاربة يشدّد على ضرورة مد جسور التواصل بين المؤسسات الأمنية والإعلامية

- الرباط – «القدس العربي» من محمود معروف:

ســاد ســوء الفهم فــي العلاقة بــن الإعلامي والأمنــي بالمغرب، وإذا كانت هذه ســمة عامة في العلاقات بــن فاعلين مجتمعيــن، فإنها بالمغرب محل بحث وتمحيص ودراســة لتجاوزها وتلافي آثارها التي ما زالت تطبع مظاهر الحياة السياسية المغربية.

وشكلت هذه العلاقة محور الندوة التي نظمها مركز دراســات حقــوق الإنســان والديمقراط­ية، بشــراكة مع مؤسســة «فريدريش إيبرت»، أمس الخميــس في الربــاط، حول «الإعــام والحكامة الأمنيــة: أية علاقة؟» وشــارك فيهــا صحافيون وباحثون ورجال أمن لقراءة ما ساد وإقامة علاقة واضحة تكون في خدمة القضايا المجتمعية.

وقال عبد اللــه البقالي، رئيس النقابة الوطنية للصحافــة المغربيــة، إن الثقافــة الصدامية بين الإعلامي والأمنــي في المغرب تســببت في تكلفة سياســية كبيرة للبــاد وإن هنــاك حاجة ملحة لتوضيــح خطوط التمــاس في علاقــة الإعلامي والأمني. وأوضــح البقالي أن العلاقة بين الطرفين فــي الماضي حصرت فــي الخوف المتبــادل، وهذا ما أدى إلى محاصرة وســائل الإعــام ومنعها من القيام بأدوارها، فالإعلامي يخاف من الأمني نظراً لغياب ضمانات حقوقيــة تكفل حقوقه، وهذا نتج عنه انعدام الثقة، ما تســبب في تكلفة سياســية غالية في تاريخ المغرب.

وأشــار نقيب الصحافيين المغاربــة أن من بين أســباب ســوء الفهــم أن العمل الأمنــي محكوم بالســرية، فــي حين لا تعتــرف وســائل الإعلام بالسرية، وتسعى إلى فضحها، كما أن المؤسسات الأمنية تعتبر أن وســائل الإعلام ما هي إلا وسيلة للدعاية فقط.

وأكد البقالــي أن المؤسســات الأمنية بالمغرب تفتقد إلى إســتراتيج­ية تواصلية فعالة، فصحيح هناك تقدم الآن مقارنة مع ما كانت عليه الحال في الماضي، لكن رغم ذلك فإن هذه المؤسسات ليس لها ناطق رســمي، وتعاني من ضعف كبير في إصدار البلاغات والتقارير التوضيحية عقب كل حادث.

وأضاف: «اليوم تسجل بعض المبادرات، فهناك نواة تواصلية بدأت تتشكل وتغادر مناطق الصمت وتخــرج للمجتمع، من خــال الانتظام في إصدار البلاغــات وعقد الندوات الصحافيــة، ولكن رغم ذلك هذه المبــادرا­ت تعتريها بعض الإشــكالي­ات، ومنها على سبيل المثال، نشــر أسماء المشتبه بهم قبل أن يدينهم القضاء ويصدر الأحكام في حقهم.»

وقال البقالي إن شــكاوى المؤسســات الأمنية ضد الصحافيين تراجعت، و الأمر نفســه بالنسبة للاعتداءات علــى الصحافيين أثنــاء التظاهرات والمســيرا­ت الاحتجاجية، لكن رغم هــذا ما زالت الطريق طويلة، ويجب مأسسة هذا السلوك حتى لا تقع ردة ونعود إلى الوراء.»

وشــدد على ضــرورة مــد جســور التواصل بــن المؤسســات الأمنيــة والإعلاميـ­ـة ومعالجة الإشــكالي­ات المطروحــة بين الطرفــن، من خلال الحوار وإيجاد مخارج للمآزق التي نوجد فيها، في هذه الظرفية الدقيقة.

وقــال الأســتاذ الجامعي والمحلل السياســي، عمر الشرقاوي، إن الإشــكالي­ات المرتبطة بطبيعة العلاقة بين الأمنــي والإعلامي ليســت مطروحة فــي المغرب فقط بل في العالــم ككل، وطبيعة هذه العلاقة تتجــاوز طبيعة الأنظمة السياســية وأن هذا الموضوع ليس جديداً، فقد سبق أن نوقش في مجلس العموم البريطاني سنة 1750.

وأوضح الشــرقاوي أن العلاقة بين المؤسسات الأمنيــة والإعلامية قد يســودها بعــض اللبس لأننــا اليوم أمــام ممارســات إعلاميــة جديدة، فاليوم هناك 17 مليون مغربي يملكون حســابات على «فيســبوك»، وهناك منتــوج إعلامي منفلت، والزمن الإعلامي قد يدفع إلى نشــر بعض الأخبار دون تمحيصها، وهذا يتعارض مع زمن المؤسســة الأمنية. وأكد أن القانــون غير كفيل لتقديم وصفة لهذه العلاقــة، بالرغم من تعديل القانون الجنائي فيما يرتبط بالإشــادة ونشــر الأخبــار المتعلقة بالإرهــاب، إضافة إلــى تعديل مدونــة الصحافة والنشر، وإقرار النظام الأساسي للصحفي المهني، وقانون الوصول إلى المعلومة.

وأوضــح أن هاجــس المحافظــة علــى الأمن والحرية يكون دائماً حاضراً عند تســليط الضوء على العلاقة بين الأمني والإعلامي، خاصة أن هناك قــدرة كبيرة اليوم من خــال الإعلام الجديد على تحويل المظلوم إلى جان، والجاني إلى مظلوم، وما يؤزم هذه العلاقة هو سلطة التأويل.

وأكد الشرقاوي أن العلاقة بين المؤسسة الأمنية والصحافيين فيها الكثير من اللبس وســوء الفهم، لكن لا بد مــن الإلحاح على أن الإعلامي ليس عدواً للأمني، ولا بد من تحسين العلاقة بين الطرفين.

ودعا إلى تكوين رجــال الأمن في مجال حقوق الإنســان وفي المجال الإعلامي من أجل فهم دوافع الصحفــي والخلفيــا­ت التي تحكم عملــه، ولا بد أيضــاً إلى تكوين الصحفيين لفهم كيفية اشــتغال المؤسسات الأمنية والقواعد المؤطرة لعملها.

وقال مصطفــى لفراخي ممثل رئاســة النيابة العامة، إن التهافت الإعلامي على نشــر المعلومات فــي وقت الأزمات يجــب أن يأخذ بعــن الاعتبار الحكامة الأمنية، وأن يســتحضر البعد الأمني، ولا بد في الوقت نفسه من مساعدة الإعلامي للوصول إلى المعلومة من أجل تنوير الرأي العام، لأن حجب المعلومة قــد يؤدي إلى اســتغلال بعض الأحداث والتعامل معها بشكل سلبي.

وأوضــح أنه مــن المفتــرض أن يكــون هناك انضباط إعلامي في وقــت الأزمات من أجل خدمة المصلحة العامــة للبلاد، كما يحدث فــي كثير من الــدول الديمقراطي­ة. وقال إن المواطن اليوم يروج للمعلومــا­ت على مواقــع التواصــل الاجتماعي، الشــيء الذي نتــج عنه انفــات إعلامي تصعب محاصرته، وخطورة هذا النموذج تكمن في غياب النضج الفكري والمعرفي لناشــر المعلومة وانتشار الأمية فــي المجتمع، ولا بد أن تكون للمؤسســات الأمنية الجــرأة لتمكين الإعلام مــن المعلومات من أجــل تحصين المجتمع من بعــض الأخطار التي قد تهدد مصلحة البلاد.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom