Al-Quds Al-Arabi

التنوع والدلالة على جدار التشكيلي العراقي أجود العزاوي

-

لعــل أهم مــا فــي مفهــوم الجــدار، الذي نحــاول أن نقعّــده ضمن تحــولات الفنانين الإبداعيــ­ة، كوننــا ننظر إلى الجــدار من باب ظاهــرة التكيــف والكشــف، التــي تخلقهــا الممارســة الفنيــة، المرتكــزة علــى النظــرة الفاحصــة لوظيفة الجــدار، باعتباره حافظا لرؤى الإنســان منذ النشــأة الأولى للوجود، حيث أخضع الإنسان بجهده المدعوم بالعقل إلــى تطويــع مكونــات جــداره، ملتفتــاً إلــى موجودات البيئة، لتكون مادته في التعبير.

من هذا نصل إلــى حاصل تحصيل، كون الجــدار عبــر الأزمنة خضع لتحــولات تصب فــي ذات الوظيفــة المركزية، التــي تمثلت في اللوحة كســطح يمتــد أفقيــاً وعموديــاً، بما يؤهلــه لتوفيــر مســاحة يمكــن التحــرك من خلالهــا، بل البــدء مــن صيرورتــه البنيوية باتجــاه طُرســية الجــدار. كمــا أننــا وعبــر دراســاتنا تحت هذا المسمى، ســاعدتنا على تحول نظرتنــا، من خلال إخضاعهــا للتنوع الحاصل علــى الجــدار. وأرى أن هــذا يُدعم تصوراتنا في ما نشكله من جهد قرائي مبني علــى جهد فنــي إبداعي خالــص، ونقصد به نتــاج الفنان عبر الكيفيــة التي حصلت جراء تكييف وظيفة الجدار.

الفنان أجود العزاوي، واحد ممن استثمر الجدار، ليشكل منه خاصية جديدة، لا تبتعد عن جهود الفنانين الآخرين، سوى في تأمله ودراسة قدرته على استيعاب مشغوليات كل من )الذاكــرة القريبة والبعيدة، الميثيولجي­ات المتأتيــة من وقائع تاريخيــة، دلالات الألوان، العُليــات ودلالاتهــ­ا الأســطوري­ة، طواعيــة الحرف العربي لتنفيذ ما هو متحرك في ذهن الإنســان( إلى غير هــذا، الذي ستُســفر عنه القراءة البصرية للوحات الفنان.

مــا نــراه على جــدار ــــ لوحــة ــــ الفنان، كونهــا لا تخضــع لنمطيــة الخــط واللــون وحراك الذاكــرة، وإنما تتوفر على مســاحة مكونــة مــن كل هــذه التشــكيلا­ت التــي هي تشــكلات مكررة على الســطح، لكن ما يُلغي صفــة التكــرار ـ النســخ ـ هــي الممارســة في خلــق العلاقــات الجديــدة ضمــن منظومــة أكثــر اتســاعاً، فالحــرف والعبــارة والخط ورقع الألــوان والأشــكال الهندســية، تُهيئ للرائــي فرصــة الدخــول إلــى التنــوع المثير للجدل. فالتنــوع هنا يختزن رؤى قادرة على اســتنهاض رؤى أخرى. وهنــا تكمن جدلية محتــوى جدار الفنان أجــود، في كونه يحوز جدارا معتنى بســطحه، يُثير شــكله وحراكه الذاتــي والموضوعــ­ي، حراكاً آخــر ينبثق من رحم دلالات الحروف المتعاشــق­ة مع الألوان، التي استثمرت خاصية ليونة الحرف العربي ومســيل جســده، ســواء كان هذا في شكله الظاهــر، أو في عمق الدلالة، حــن يُحيل كل حرف إلــى متن مقدس، أو يحــاول النهوض من صلــب واقعة مســرودة بكيفيــات ذاتية عميقة.

اللوحة بين الخط والرسم

كما هي هيئة جســد الطير والشــجر وغيرها لتكون مســاحة لتلبية حاجة الحرف للدلالة. لكن في حالة توســيع النظــرة للوحة الفنان أجود تســتوقفنا البنى المســتدعي­ة للحرف، وليــس العكــس. بمعنــى نــرى الاســتجاب­ة تنطلــق من اللوحــة باتجــاه مكوناتها، وهي الحــروف والعبــارا­ت العرفانيــ­ة والمقدس، كالآيات من ســور القرآن وعبــارات الأولياء والصالحــن والحِكَم. غير أن مــا يملي علينا مثل هذه القــراءة هو طبيعــة اللوحة القادرة علــى اســتيعاب مســاحة الحــرف الدلالية، وشكله المرن وتشكلاته الأفقية، خاصة التي تُضــاف إلى تشــكلاته العموديــة. فالحرف العربي مــن المرونة بحيث تســاير الفنان في أشــد الحالات المراد التعبير عنها كما سنرى في مجريات قراءتنا. إن مرونة الحرف كبنية خطية، ســاهمت فــي خلــق بنية تشــكيلية، مقابــل قدرة الفنــان على التخيــل دفعته إلى مغــادرة موقع الحــرف، باعتبــاره خطاً نحو دلالته المســتثمر­ة على الســطح. وبهذا حقق الفنــان درجة من هــذا التوظيف الــذي عمل عليــه معظم الفنانين، خاصة شــاكر حســن آل ســعيد حيث كان توظيف الحرف لا يبتعد بالكلية المطلقة من حروفية الفنان أجود، غير أنه اختلف عنه في الكيفية. فحرف آل سعيد عرفانــي خالص، بينمــا حرف أجــود عامل مُعين لمحتــوى اللوحــة. ويمكن اعتبــاره كلاً بنيوياً للعمل.

الحــرف هنــا يعمــل علــى تشــكيل بنيــة موضوعية وشكلية، أي أن اجتماع الحروف والعبارات المســتلة من متون عرفانية، تعمل على تشــكيل تكوينات عامة، هي محض بؤر مــن تاريخ طويل من التبــادل المعرفي المنبثق من المــن التاريخي. أجود كفنــان يعمل على تجديــد محتويات جــداره، ونخــص بتعيين منهــا عنايتــه بالحــرف مــن أجــل وضعــه موضع اســتيعاب الشــاغل الذهنــي المتأتي مــن الشــاغل المعرفــي، والحــس الصوفي. فلغة اللوحة الحروفيــة أنتجت بنية تكوينية نســتطيع إحالتهــا إلى التاريــخ. الحرف في لوحاتــه مســتقل ومكتف بذاته في تشــكيل معمــار اللوحة البنيوي. وهــذا ما خلصه من مطب لوحة الخط العربي وتزويق الخطاطين لجــدار خطوطهــم. الفن هنــا مكتــف بذاته، واستدعاء الحرف عامل مساهم في تشكيل البنية العامة والمركزية في النص البصري.

الحرف والإيقاع

 ??  ?? النظــرة الأولــى للوحــة الفنــان، قد تدفــع الفــرز إلــى اعتبارهــا لوحــة خط اســتفادت من الرســم لتشــكيل معمــار الرقعــة الخطيــة. وهــو مــا يذهــب إليــه الخطاطــون الذيــن يعملون على تزويق خطهــم وتزويــق وزخرفة المســاحة الحاضنــة للنــوع. ولهــذا اتخــذت الأشكال والهيئات،
ليس جديداً اســتثمار الحرف العربي كما هو معروف، لكن الجديد الذي يرتبط بجديد آخر، هو الإيقاع الذي عليه الحرف، فالحرف العربــي إضافة إلى جماليتــه البصرية، فإنه يمتلــك جمالية صوتيــة ـ بوليفونيــ­ة ـ أيضاً. وهــذا ما نراه عبر تشــكيلات الحــرف كبنية مركزية داخل اللوحة، وليس ذا بُعد تزويقي. إن تشــكله كبنيــة ســاهم في تجــدد مفهوم وجــوده، خاصة كمــا ذكرنا وجــود إيقاعه الــذي اعتمــد التنــوع أيضاً، فالحــرف ممتد أفقياً ضمن ســمفونية لونيــة. وهذا الامتداد نــراه أكثــر قــدرة على بــث الصــوت بصمت صائت ضمن مكونات السطح، بمعنى تحرك الكل الــذي دائماً مــا يكون على شــكل تقعر يرتكز علــى قاعدة، تتخللــه وتحيطه أجزاء، هي ليســت منمنمات لونيــة وخطية، بقدر ما هي جزئيات مكملة للمعنى، فلا شــكل بدون معنــى. ومعنــى المعنــى فــي لوحــات أجود البُعد التاريخــي، أي نغمية الإيقاع التاريخي بأحداثه ومســمياته المعبرة عن ذات تاريخية حافظ الإنسان على وجودها كذاكرة، يُفعّلها عبر الأزمنة. والفنان هنــا فعّل الوقائع بروح وذات إيقاعية، ساهمت كســمفونية بصرية اجتمعــت كل عناصر التعبيــر فيها )الأجزاء والكليات( من أجل تقديم نموذج لفن يَستعير من الفنون الأخرى.
النظــرة الأولــى للوحــة الفنــان، قد تدفــع الفــرز إلــى اعتبارهــا لوحــة خط اســتفادت من الرســم لتشــكيل معمــار الرقعــة الخطيــة. وهــو مــا يذهــب إليــه الخطاطــون الذيــن يعملون على تزويق خطهــم وتزويــق وزخرفة المســاحة الحاضنــة للنــوع. ولهــذا اتخــذت الأشكال والهيئات، ليس جديداً اســتثمار الحرف العربي كما هو معروف، لكن الجديد الذي يرتبط بجديد آخر، هو الإيقاع الذي عليه الحرف، فالحرف العربــي إضافة إلى جماليتــه البصرية، فإنه يمتلــك جمالية صوتيــة ـ بوليفونيــ­ة ـ أيضاً. وهــذا ما نراه عبر تشــكيلات الحــرف كبنية مركزية داخل اللوحة، وليس ذا بُعد تزويقي. إن تشــكله كبنيــة ســاهم في تجــدد مفهوم وجــوده، خاصة كمــا ذكرنا وجــود إيقاعه الــذي اعتمــد التنــوع أيضاً، فالحــرف ممتد أفقياً ضمن ســمفونية لونيــة. وهذا الامتداد نــراه أكثــر قــدرة على بــث الصــوت بصمت صائت ضمن مكونات السطح، بمعنى تحرك الكل الــذي دائماً مــا يكون على شــكل تقعر يرتكز علــى قاعدة، تتخللــه وتحيطه أجزاء، هي ليســت منمنمات لونيــة وخطية، بقدر ما هي جزئيات مكملة للمعنى، فلا شــكل بدون معنــى. ومعنــى المعنــى فــي لوحــات أجود البُعد التاريخــي، أي نغمية الإيقاع التاريخي بأحداثه ومســمياته المعبرة عن ذات تاريخية حافظ الإنسان على وجودها كذاكرة، يُفعّلها عبر الأزمنة. والفنان هنــا فعّل الوقائع بروح وذات إيقاعية، ساهمت كســمفونية بصرية اجتمعــت كل عناصر التعبيــر فيها )الأجزاء والكليات( من أجل تقديم نموذج لفن يَستعير من الفنون الأخرى.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom