Al-Quds Al-Arabi

خبيران: سكة حديد السلام... محاولة إسرائيلية «خبيثة» لسرقة فكرة خط الحجاز

-

■ إســطنبول ـ الأناضول: رأى الباحث السوري، سمير حافظ، في المشروع الإســرائي­لي لإنشاء ســكة حديد للربط بين إسرائيل ودول الخليج العربي، محاولة «خبيثة» تســتهدف سرقة فكرة «خط حديد الحجاز» العثماني، الذي ربط دول المنطقة وأنعشها قبل أكثر من قرن.

وخلال مؤتمر النقل الدولي المقام في العاصمة العمانية مسقط، يوم الأربعاء الماضي، طرح يســرائيل كاتس وزير النقل الإسرائيلي، على دول الخليج وعدد من الدول العربية، مشــروع سكك حديد يحمل اسم «سكة حديد السلام»، يربط دول الخليج بإسرائيل مرورا بالأردن.

واعتبر كاتس، بالمناسبة نفسها، أنّ «هذه الخطة منطقية، وهي فوق الخلافات السياسية والأيديولو­جية»، حسب هيئة البث الإسرائيلي.

وقال إنّ «المشروع الإسرائيلي يشـّـكل محاولة خبيثة لسرقة فكرة خط حديد الحجاز الذي أنشــأته الدولة العثمانية قبل أكثر من قرن، وربطت من خلاله الدول الإســامية، ما أثمر ازدهارا للمنطقة وأهلها، ووفر الحماية لها».

واعتبر حافظ، وهو الرئيس السابق للمجلس التركماني السوري )المعارض(، أن «هذا المشــروع الإســرائي­لي ســرق فكرة المشــروع الإســامي الذي كان قبل أكثر من مئة عام، وهــو مخطط خبيث جدا، ويقف وراءه الكثير من المؤامرات».

والخط الحديدي الحجازي هو ســكة حديد تصل بين مدينة دمشق والمدينة المنورة فــي منطقة الحجاز مرورا بالأردن. وأنشــئ في عهد الســلطان العثماني عبد الحميد الثاني بغرض خدمة حجاج بيت الله الحرام انطلاقاً من دمشق. وانطلقت أشــغال بنائه عام 1900 وافتتح عام 1908، وتعرض للتخريب إبان الحرب العالمية الأولى.

وكان الخط الحديدي مرتبطا بآخر يربط إســطنبول بدمشــق، ما قلّص الفترة الزمنية اللازمة لرحلة الحج السنوية، وساهم بانتعاش التجــارة في المنطقــة، بفضل المرافق التي أنشــئت إلــى جانب خط الحديد، بتمويل وتنفيذ إسلامي.

تداعيات وخيمة

الباحث الســوري أوضح أن «أي فكرة تأتي من إسرائيل، وراءها مؤامرة، ومشــروعها ســواء كان مــن حيفا أو من عســقلان بربطها بالعقبة، فإن تأثيره الاقتصادي واضح على الشــرق الأوسط، وعلى قناة الســويس، واســتبعاد تركيا من تجارتها مع الدول الإســامية والخليجية». أما سياسيا، فأشــار إلى «وجود توجه لتقارب سياسي في المنطقــة، من خلال الزيــارة المفاجئة التي أجراهــا مؤخرا رئيس الوزراء الإســرائي­لي بنيامين نتنياهو، إلى سلطنة عمان، وتأثير ذلك البالغ على دول الخليج العربي».

وكشــف الباحث أنّ «المشــروع يأتي مــن قبل مؤسّســة «آيباك» الصهيونية، ضمن مشــاريع ترمي لتفتيت الدول الإســامية، بعد أن نجحوا بإبعاد السُــنّة والشــيعة عن بعضهم البعض، والآن يريدون تقسيم المنطقة، ومنع تركيا بإمكاناتها من دخول هذه المنطقة سياسيا واقتصاديا».

و«أيباك» هو الاســم المختصر لـ«لجنة الشــؤون العامة الأمريكية الإســرائي­لية»، وهي أقوى جمعيات الضغط على أعضاء الكونغرس الأمريكي، وهدفها تحقيق الدعم الأمريكي لإسرائيل.

وعن الآثار المتوقعة للمشروع، قال حافظ إن الأخير «سيؤثر بشكل واضح على الدول الإسلامية، وإن وراءه تقسيما. لقد بدأ الأمر بالعمل على تفتيت العراق وســوريا واليمن، وبهذه الحالة تقوى إســرائيل، وصولا لتقسيم الجزيرة العربية»، وفق تعبيره.

ودعا الباحث إلى ضرورة «التصدي لهذا المشروع بكل قوة، بشرح تفاصيله لحكومــات دول المنطقة، كما أن مشــروع الاعتراف بالقدس عاصمة لاســرائيل يدل على وجود مخططات كبيرة مرتبطة ببعضها البعض، والدليل على ذلك اســتمرار الوجود الأمريكي شرقي سوريا، للتأثير على العراق وسوريا وايران، قبل التوجه إلى مناطق أخرى». كمــا دعا إلى «إيقاف المشــروع فــي بدايته، بالتأثير على سياســات حكومات المنطقة، والبحث عن حلول وبدائل، خصوصا في ظل وجود خطوط برية أخرى ممكنة، وحلول جوية مثل افتتاح مطار إسطنبول الثالث، لتطوير عملية النقل». واعتبر أنه من «واجب الدول الإسلامية التعريف بخطورة المشروع في أقرب وقت».

وســمير حافظ هو باحث ســوري يشــغل حاليا عضوية جمعية الأكاديميي­ن السوريين في تركيا، وتقلد سابقا رئاسة المجلس التركماني السوري، كما شغل عدة مناصب في المعارضة السورية، وله مشاركات عديدة في الإعلام العربي والتركي.

مشروع مدمر وممزق للمنطقة

واتفق الكاتب والمحلل السياســي محمود عثمان، مع ما ذهب إليه حافظ بأن المشــروع يهدف لتقســيم المنطقة. وقال للأناضول إن «هذا المشــروع مدمر وممزق لوحدة دول المنطقة، ومدمر للنســيج الثقافي والتاريخي لها، حيث كانت تحت راية واحدة، حتى جاءت إســرائيل لتقسيم المنطقة لمعسكرات وولاءات».

وأضاف ان «هذا المشروع يعمق من شرخ التقسيم بين بلاد المنطقة، ويزيد في عمق الأزمة والانقســا­م والفرقة والفتنة الحاصلة داخل كل بلد، وبين البلاد ضد بعضها البعض».

وأوضح أنه «منذ ان استقر الوضع لاسرائيل وأمنت على حدودها، وأمنت مــن العقوبات بفضــل الفيتو، لــم تكتف بالتوســع، وحتى هذه اللحظة لم تقم برســم خريطة نهائية لحدودها، وهذا التســاهل والحمايــة من قبل الإمبريالي­ــة الدولية، جعلها تتمــادى وتقدم على خطوات ومشاريع من شأنها أن توصف بأنها استراتيجية».

ووصف عثمان الخطوة الإسرائيلي­ة بمشــروع سكة الحديد بأنها «سرقة لفكرة خط الحجاز الذي كان يربط اسطنبول بالمدينة المنورة، ويربــط قطبي العالم الإســامي آنذاك، إســطنبول عاصمــة العالم الاسلامي السياسية، ومكة في الحجاز العاصمة المعنوية».

وشدد على أن «إســرائيل ســرقت الفكرة، وهي عموما كيان قائم على الســرقة، فلا ثقافة ولا مقومات دولة لها، تسرق الأفكار، وتحاول أن تجمع لنفســها تراثا وتاريخا وثقافة، وفكــرة ربط الكيان بالدول العربية والخليجية على وجه الخصوص، هي فكرة مســروقة ليست أصيلة، وسيتم فرضها بالقوة على سكان البلاد الرافضين للتطبيع مع إسرائيل».

وفيما يخص الأهداف الإســرائي­لية من المشروع، أفاد بأن «الهدف اســتراتيج­ي، وهو ربط هــذه الدول العربية، التــي تعيش حالة من العجز وفقد الإرادة، فالأنظمة في واد، والشــعوب في واد، الشــعوب ثارت على الأنظمة وترفض شرعيتها».

وزاد ان «الهــدف الأساســي مــن مشــروع قضبان الســام، كما تســميه الجهة صاحبة الفكــرة- ولا ادري ان كان الســام بحاجة لقضبان أو وشــائج محبة تؤســس للقلوب-، هي الفائدة السياسية الاستراتيج­ية».

واكــد أن الــدول الغربية «تســتخدم الدور الإيراني الســلبي في المنطقة، وهو ما يستدعي بقاء الاسطول الخامس الأمريكي في الخليج لحماية الدول الخليجية، هذا الدور يســرع ويمهد للمشــاريع الهدامة التي تسعى لهدم المنطقة، وتغيير طبيعتها، ويعطي الذريعة لإسرائيل وغيرها ليقدمــوا على مثل هــذا المشــروع والخطوات..ولولا الدور الإيراني لكان التسويق لهذا المشروع من الكبائر.»

وختم كلامه بالقول «التصدي للمشروع يكون بدعم وتقوية إرادة الشــعوب وخياراتها، والتي ما زالت ترفض إسرائيل وفكرة التطبيع معها، ولا تجد ذلك القبول من الشــعوب الإسلامية..اسرائيل لا تؤمن بالصداقة، وبعيدة عن الســام مهما تغنت به، ومشروعها الأساسي الفصل والتفرقة في المنطقة .»

خط حديد الحجاز..أعظم مشاريع عصره

وقبل أكثر من قرن مضى، ســعى الســلطان العثماني عبد الحميد الثاني، لربــط الأقاليم العثمانية بشــكل أكبر بإســطنبول، وتوفير الحماية لها، عندما كانت أجراس الحرب العالمية الاولى تقرع، وكانت خطته منــذ توليه الحكم، الاهتمــام بقطاعي التعليــم والمواصلات، وأهمها التلغراف وخطوط الحديد.

كما أن أراضي الجوار التي يمر بها خط الســكك الحديدية ستتطور اقتصاديا، والأهم أن خط الســكك سييسر تنقلات الحجاج، ففي ذلك الوقت كان الحجاج يتوجهون من إســطنبول إلى الديار المقدسة عبر قوافل في رحلة مليئة بالمتاعب تســتغرق شهرين، كما كان هناك خطر وقوع اعتداءات من البدو خلال الرحلة.

وقــدرت التكلفة الإجمالية للمشــروع بداية بأربعــة ملايين ليرة عثمانية، لم تســتطع الدولة العثمانية توفيرها بسهولة، ولم تستطع الحصول على قروض أوروبية، فجرى جمع الأموال والتبرعات، وبدأ بالتبرع السلطان عبد الحميد الثاني نفسه، فضلا عن الأسرة الحاكمة، ورجال الدولة البارزين، وحتى أبناء الشعب تبرعوا بمبالغ كبيرة.

ومع نهاية المشــروع، قــدّرت الكلفة الإجمالية بـــ3.5 مليون ليرة عثمانية، واعتبر من أكثر المشــاريع من هذا القبيــل، توفيرا للمال في ذلك الزمن، بكلفة أقل مما تنتجه الشركات الأوروبية.

وبدأ بناء خط ســكك حديــد الحجاز الذي يربط إســطنبول بمكة المكرمة والمدينة المنورة واليمن عبر دمشــق، انطلاقا من دمشــق عام 1900.وبعد أربع سنوات انتهى تشييد 460 كم وصولا إلى مدينة معان في الأردن، كما جرى ربطه بمدينة حيفا على البحر المتوسط.

ووصلت ســكة الحديد إلى المدينــة المنورة، وافتتحــت بحفل في عام 1908، وبلغ طولهــا 1464 كيلومترا، لتنطلق الرحلة الأولى في 27 أغســطس/ آب من العام نفســه، وتوجه القطار الذي استقله بعض الضيوف من إسطنبول إلى دمشق ومنها إلى المدنية المنورة، فضلا عن مندوب الدولة العثمانية، وصحافيين محليين وأجانب.

وكان القطار يســير بســرعة تتراوح ما بــن ‪-60 40‬كيلومترا في الساعة، وهو ما يعد معدلا جيدا للغاية في ذلك الوقت، ولم يكن القطار يتوقف إلا للصلاة والتزود بالوقود، ويصل بعد ثلاثة أيام إلى المدنية المنورة.

وتضمن المشــروع تنفيذ 2666 جســرا ومنفذا مائيا، و7 جســور حديدية، و96 محطة، و7 أحواض، و37 خزان ماء، ومستشــفيي­ن، و3 ورشات.

وبعد افتتاح سكة حديد الحجاز بدأ تبادل البضائع وانتقال الركاب يوميا بين حيفا ودمشــق، وعلى مدى ثلاثة أيام بين دمشــق والمدينة المنورة، وفي موســم الحج خصصت ثلاثة قطارات للخدمة بين دمشق والمدينة حتى نهاية شهر صفر.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom