Al-Quds Al-Arabi

في ذكرى «الانقلاب»... سياسيون تونسيون يستعيدون معاناتهم مع نظام بن علي

النظام السابق منع «النهضويين» من الدراسة وأجبر السجناء على الاحتفال في 7 نوفمبر

- تونس - «القدس العربي» من حسن سلمان:

شــكّل يوم 7 تشــرين الثاني/نوفمبر )ذكــرى انقلاب بن علي علــى بورقيبة(، مناســبة جيــدة لعــدد من السياســيي­ن التونســيي­ن لتوثيق ذكرياتهــم مع نظام القمــع، حيــث ســرد ضحايا الســجن والتعذيــب بعــض فصــول معاناتهم مع نظام بن علي، فيما دعا أحد النواب لإعادة قــراءة التاريــخ، والاحتفــا­ل بذكرى 7 نوفمبر على اعتبار أنها توثق لذكرى أولى الانتفاضات في وجه الاستعمار الفرنسي عام 1911.

عبد اللطيف المكّي: «أبناء النهضة» محرومون من التعليم!

ودوّن النائــب والقيــادي فــي حركة النهضة، عبد اللطيف المكي، على صفحته فــي موقع «فيســبوك»: «يــوم 7 نوفمبر 2003 خرجــت مــن بيتي باكــراً لألتحق بكليــة العلوم بتونس أين أتابع شــهادة الدراسات المعمقة في البيوكيميا­ء الحيوية ‪biochimie dynamique(‬ ) وهــو تخصص يفتح آفاقاً رحبة للأبحاث الطبية للســيطرة علــى الأمراض المســتعصي­ة كالأمراض الوراثية والســرطان- عافانا وعافاكــم الله- وكنــت أدرس في الكلية بصورة سرية، وكنت أخفي محفظتي عند الخــروج في قفة أتركها خلــف الكلية بين الأشــجار وآخذها عند الخروج، فلا أدخل الكليــة إلا من الخلــف أو الجانب وإذا لم أســتطع التخلص من أعوان الأمن الذين يتابعوننــ­ي أغلب الأيــام لا أدخل وأقصد مكانــاً آخر فتفوتني الكثيــر من الدروس فأتداركها بنســخ دروس زملائي، خاصة من زميلة كانــت تدرس معــي وهي ابنة سجين سياســي من النهضة، وأذكر أنني كنت أراها تزور والدها في الســجن وهي طفلة صغيرة واستطاعت أن تتعرف على حقيقتي .»

وتابــع المكي ســرد المضايقــا­ت التي تعرض خلال حكم الرئيس الســابق زين العابدين بــن علي، حيــث كان يتعرض لمراقبة أمنية مســتمرة بعــد خروجه من الســجن، فأحياناً يتقمص عنصر الأمن، وشخصية ســائق تاكســي، وفي أحيان أخرى يتم حرمانه من دخول الجامعة.

وأضــاف : «أمضيت أنــا وزميلي جلال الســجين السياسي سنة وســبعة أشهر هكذا في دراسة تدوم سنتين. ولما تحولنا إلى كلية الطب بتونس لاســتكمال البحث باستعمال المجهر الإلكتروني للكلية لرصد ظاهرة الابوبتوز، وهــي عبارة عن موت مبرمج للخلية، تفطن إلينا الأمن ومنعونا من مواصلة الدراسة واجتمع ضابطان من الداخلية في مقر رئاســة الجامعة برئيس الجامعــة وكاتبهــا العام وعميــد الكلية ونائبه والأســاتذ­ة المؤطرون ومشــرفة المرحلــة الثالثــة لذلــك الاختصــاص، وعاتبوهم كيف يســمحون لنا بالدراسة. الجميــع أنكر معرفتــه بوضعنــا، ولكن امرأتين دافعتا عنــا وقالتا تم قبولهم بناء على ملــف علمي وهم أهــل الاختصاص، خاصــة أن تكوينهم طبي، أمــا الجوانب الأخرى فتفاهمــوا معهم خــارج الكلية، فلا يجب أن يكون الحرمان من الدراســة عقوبة. امرأة فرنسية/تونســية والثانية تونســية لا تتفق مع النهضة سياســياً، ولكنها امرأة مبدئية .»

وبعد حرمانه من دخول الجامعة، قرر المكي الدخــول في إضراب جوع اســتمر 54 يومــاً، ودخــل على إثره المستشــفى، و»يومها أجرى معي تلفزيون بي بي ســي حواراً قصيــراً بدقيقتين، نظــراً لحالتي الصحيــة، وبضــع دقائــق مــع زوجتي الكريمــة، وصــوروا ابنــي الأصغر ذي الســنتين يقف إلى جانبي حائراً ببراءة، أما ابني الأكبر، وهو في سن الثالثة عشرة حينها، فــكان يأتيني بأخبار الحي وكيف انتشرت فيه الرقابة في كل المداخل لرصد الوضــع، وكان المعارضون والحقوقيون يزورونني باستمرار .»

ويضيف المكي: «تشكلت لجنة مساندة من كل المعارضة وترأستها السيدة سهير بلحســن وتكلمت عديد الصحف العالمية في أوروبــا وأمريكا وتشــكلت لجنة من قدماء الاتحــاد العام التونســي للطلبة المهجرين للمســاندة وتكفلت اليونسكو بالموضــوع وأرســلت مســاءلة إلــى السلطات التونسية، وكان وقتها الصادق شــعبان وزيــراً للتعليم العالــي وتوج التحرك برضوخ الســلطة. دخل النظام في التفاوض الجدي مع لجنة المســاندة بعد حادثة المستشــفى وحــوار البي بي ســي وقدم وعداً بتمكيننا من التسجيل، وعرضــت اللجنــة علينا الوعــد فبقينا متشــككين، إلا أن ضابطاً من الأمن أرسل لي عبر صديق وقال: ثقوا في الوعد، لقد اتخذوا قراراً فعليــاً بتمكينكم من حقكم، فرحم الله والديه أحياء وأمواتاً.»

سامي براهم: سجناء مُرغمون على الاحتفال بالانقلاب!

ودون الباحــث ســامي براهي، وهو أحد ضحايــا التعذيب أيام حكم بن علي: «لا أزال أذكر طعم احتفاليّات السّــابع من نوفمبر المجيد في السّجون التّونسيّة. كان أعوان السّجن يســتنفرون منذ الصّباح الباكر ويصفّفون المســاجين السياسيين أمام طبق المرطّبات )حلويات( الرّخيصة ويلزمونهــ­م بأخــذ قطعــة. والويل لمن لا يأخذ نصيبــه من مرطّبــات الاحتفال أو يُعرض عــن أكلهــا أو يتظاهر بالأكل أو يســلّمها لغيــره أو يتخلّــص منهــا. كان المشــهد الرّهيب للابتلاع القســري للمرطبات المرّة يتمّ تحت رقابة مشـّـددة من السجّانين و الوشاة.»

وأضاف : «بعض الشــجعان يرفضون أكل المرطّبــات فيأكلون طريحة نبّاشــة للقبور )تعبير تونســي للتعبير عن شدة الصفعــة( وبعض المغامرين يســقطون القطعة أرضــاً متظاهرين بعــدم التعمّد فيقــع إلزامهم بأكلهــا ملوّثــة بالتّراب. والبعض الآخر يتعلّل بمرض السـّـكري والويــل لمن تبيّــن تمارضه. أمّــا البقيّة فيجــدون الفتاوى المبيحة لأنّ الإســام دين يســر ولا يكلّف الله نفساً إلا وسعها والضّــرورات تبيح المحظــورا­ت )إلا من أُكْرِه وقلبه مطمئنّ بالإيمان.»)

وتابــع براهــم: «ومن أغــرب ما كان يعمد إليه بعض المساجين المقهورين بعد التناول القســري لحلويّــات بطعم الذلّ والعــار والقهر، تقيّؤ مــا تناولوه خفية بعد الدّخول إلى الغرف، فإذا انتبه إليهم الوشاة يُعَاقَبُون أشــدّ عقوبة، فيُعزلزن في الزّنزانات الضيقة العفنة أو في «بيت القردة» غرفــة مرضى الجرب، وذلك بعد العقوبة الجســديّة وربّما وقع نفيهم إلي سجون بعيدة».

ياسين العياري: 7 نوفمبر يوم احتفال وتأمل وعرفان بالجميل!

أما النائب ياســن العيّاري فدعا إلى إعــادة قراءة تاريخ تونس، مشــيراً إلى يوم 7 تشرين الثاني نوفمبر، «بدأت أولى الاحتجاجات الشــعبية في العاصمة في وجه الاســتعما­ر الفرنسي )بعد تظاهرة الحرفيين سنة 1885 وإضراب الزيتونيين سنة 1909( عندما فوجئ سكان العاصمة بتطويق الأمــن التابع لســلطة الحماية لمداخــل مقبــرة الجــاز لتمكــن أحــد الأعوان من أخذ قياســات مساحة المقبرة استعداداً لتســجيلها بالسجل العقاري، وبالتالي ملكيتهــا، وهو ما اعترض عليه التونسيون منذ أسابيع خوفاً على مصير المقبــرة التاريخية وغيــرة على جثامين أهاليهم وأجدادهم التي ترقد بســام منذ قرون في مقبرة الجلاز.»

هذه الحادثة كانت شرارة للمواجهات العنيفــة «التــي اندلعــت يومهــا بــن التونسيين والجندرمة ثم بين التونسيين والإيطاليـ­ـن علــى خلفية مقتل شــاب تونســي برصاص إيطالــي واحتجاجاً على بداية الغــزو الإيطالي لليبيا مخلفة عشرات الشــهداء الذين دخلوا بطريقة عفوية في مواجهة مثلــت دافعاً للحركة الوطنيــة ونقطــة تحــول جوهرية في التفكير لتصعيد مواجهة الاستعمار.»

وإلى جانب عشــرات الضحايا الذين سقطوا يومي السابع والثامن من نوفمبر، مثل 74 تونسياً أمام القضاء، حُكم على 7 منهم بالإعدام وعلى 18 بالأشغال الشاقة.

وأضاف العيّــاري: «ورغــم الأهمية البالغة لذكــرى 7 نوفمبر 1911 في تاريخ تونــس وفي تاريــخ الحركــة الوطنية، فإن هــذه المعركة دخلت أروقــة التاريخ ورقدت بســام بين طياته، وكدنا نهملها من احتفالات إحياء ذكرى شهداء تونس لتزامن يــوم 7 نوفمبر مع وصول بن علي الحكم سنة 1987. من حظ الشهداء الغابر أنهم ســقطوا يوم 7 نوفمبر الذي تحول بفعل عجلــة التاريخ ومــن يحركها إلى يوم احتفالي لا مجال فيه لترديد عبارات الموت والترحم والعــودة إلى ما قبل 87 . فما ضر مثلاً لو انتظر شهداء الجلاز يوماً أو يومين ليدخلوا في مواجهات مع سلط الحماية ومع الجالية الايطالية ليضمنوا بذلك مراســم إحياء تليق بحجم الحدث الذي خلدوه بدمائهم الطاهرة.»

وتابــع بقولــه: «شــباب تونس في حاجة إلى إعادة قــراءة تاريخ بلده لأنه لم ينطلق يــوم 7 نوفمبــر 1987، كما أن العمل السياســي لم ينطلق مع تأســس الحزب الدســتوري الجديد سنة 1934... فمن يعيد كتابة التاريخ ويعطي للأحداث التاريخيــ­ة حــق قدرهــا أم أن كل حدث ســيتحول إلى ذكرى فتســقط عنه هالة الأهمية ليتحســس بعدها طريقه بخطى ثقيلــة داخل رفــوف كتــب التاريخ في انتظار من يعطيه حق قدره. هل سننصف لأول مرة منذ سنوات شهداء 7 نوفمبر؟».

يذكر أن الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي قام في الســابع مــن نوفمبر عام 1987 بالانقــاب علــى الرئيس الحبيب بورقيبة وإزاحته من الســلطة، مستعيناً بتقرير طبي «مفبرك» حول عجز بورقيبة (87 ســنة آنذاك( عــن القيــام بمهامه، وســميت هذه الحركة حينها بـ »الانقلاب الطبي »، الذي دعمه عدد من السياســيي­ن وبعض قادة الأمن.

 ??  ?? الحبيب بورقيبة
الحبيب بورقيبة
 ??  ?? زين العابدين بن علي
زين العابدين بن علي

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom