كعمق الهزة ـ عمق الفرصة للإصلاح
رغم ما في قضية الغواصات من فساد إلا أن رئيس الوزراء وقادة الجيش ليسوا مشبوهين
■ من الصعب إيجاد كلمات دراماتيكية تكفي لوصف ملف 3000، ألا وهــو قضية الغواصات. ومع أن توصيات الشــرطة هي مجرد توصيات كما تســمى، إلا أن ما انكشف من القضية وعرف منها حتى الآن ـ اســتناداً إلى تحقيقات الشرطة ـ فإن هذه ليست ملف الفساد الأمني الأخطر في تاريخ الدولة، بل هزة أرضية يفترض بها أن تهز كل من تعز دولة إسرائيل على قلبه.
فــي لباب القضيــة، كما تفيــد نتائج تحقيق الشرطة، مجموعة من كبار المسؤولين الواصلين وذوي العلاقــات ممن عملوا انطلاقاً من جشــع المال من أجل التأثير على القرارات التي يفترض بهــا أن تتخذ فقــط وحصرياً مــن دوافع مهنية وموضوعية. حاولوا الآن أن تقنعوا أم المسؤول عــن الناظور في الغواصــة )أو أم رجل الدبابة، والمدفعيــة، وفي الواقــع كل مقاتــل آخر( بأن الإدارة التي تخدم ابنها اشــتريت، لأنها حيوية وضرورية، وليس لأن أحداً ما نزع منها مكســباً على الطريق.
وهذا بإيجاز هو أســاس الضــرر: المس بثقة الجمهور فــي المنظومة، والمعرفة بأن كل شــيء للبيع، وعلى كل شــيء يمكــن التحايل، وأنه لم يعد هناك أي شــيء مقــدس، ولا حتى صفقات الســاح الأكثر حساســية، وأنه فــي نهاية كل «ذراع اســتراتيجي» ثمة وســيط استراتيجي يســتفيد فائــدة اســتراتيجية ويفيــد مقربيه الاســتراتيجيين، وأن كل المتبقــن يمكنهــم أن يغرقوا في الغواصات. كل شــيء بالطبع ظاهراً ووفقاً للاشــتباه حتى رفع لوائح اتهام وإدانة، إذا ما..عندما..
المأســاة هــي أن الغواصــات ضرورية حقاً. والغواصات التي اشــتراها الجيش الإسرائيلي هي حقاً الأفضــل في العالم، وبالتأكيد هي الأكثر ملاءمة لسلاح البحرية. وربما أيضاً السفن التي اشــتريت كي تدافع عن الميــاه الاقتصادية هي الأكثر ملاءمة. ولكن من اللحظة التي تلوثت فيها المســيرة ـ ولا شــك أنها تلوثت ـ فإن القرارات باتت موضع شــك؛ ولن يجدي نفعــاً أن نعرف أن من اتخذهــا ـ في الجيش الإســرائيلي، في وزارة الدفاع، في الكابنت ـ ليســوا مشــبوهين في شــيء: يتبين أنه كان هناك من استخدموهم كدمى الخيوط.
مثلما في كل قضية، في هذه أيضاً ثمة جوانب إيجابية، مثــاً حقيقة أنه رغم تحذيرات حكومة ألمانيا المســبقة أنها ســتلغي الصفقة إذا ما تبين أنها مصابة بالفســاد الجنائي، فإنها لا تســارع إلى عمل ذلك. أو حقيقــة أن التحقيق أظهر أنه لا يشتبه بأي جهة في الجيش الإسرائيلي بشيء: هذا يعني أنه رغم المــال الكبير، فللناس ضمائر وأخلاق ومنطق ســليم. وكــذا حقيقة أن رئيس الورزاء بقي خارج دائرة الشبهات: الويل للدولة لو كان قد تبين فيها خلاف ذلك.
ولا يــزال.. فإن حقيقــة أن أناســاً على هذا المســتوى الرفيع، فــي الأماكن الحساســة بهذا القدر، كانوا مشــاركين.. يجب أن تقض مضاجع كل مواطــن، بما فــي ذلك ذاك الــذي يجلس في مكتب رئيس الوزراء. وبالتأكيد تســتوجب أن يعقد الكابنت على الفور لكي يقرر قواعد واضحة للرقابة ولرفــع التقارير وإعطاء صلاحيات أكثر تماســكاً للجنة الفرعية للتسلح والمشتريات في لجنة الخارجية والأمن في الكنيســت، وفحصاً جذرياً لمن يتوســطون هنا، ومجــالات للتأكيد بأنه لا توجد نماذج من نوع ميكي غانور يلعبون بقدس الأقداس، والحرص الأشد في الجيش بأن مســؤولين صادقين فيه لا يتجولون في الأروقة يؤثرون على اتخاذ القرارات.
يجب على الإصــاح أن يكون شــاملاً، فهذه مصلحــة الحكومــة ورئيســها، ومصلحة جهاز الأمن ورئيســه. ولا يدور الحديث عن موضوع جنائــي فقط، إذ محظور أن ينظر إلى كل شــيء من زاوية الأدلة فقط: فهناك قيم، ونظام ســليم، وسلوك مناسب ومنطق صحي ـ جملة من الأمور التي غابت في القضية الحالية، ويجب أن ترافق المنظومات في كل قرار مشابه في المستقبل.
«فلتعلم كل أم عبرية» تصرخ الجملة الشهيرة التي قالها بن غوريــون. والأمور صحيحة ليس فقط للقيادة العســكري، بــل للقيــادة المدنية كذلــك. قضية الغواصات فرصــة لعلاج جذري. في أجزائها الجنائيــة يعالجها الجهاز القضائي، ولكــن ســيكون من الصحيــح الاســتعانة بها لإحداث إعادة ترتيب للقطاع العام بشــكل عام، بحيث يشغل بقدر أقل محققي الشرطة وصفحات الجنايات في الصحافة.