Al-Quds Al-Arabi

ورطة النظام السوري مع تنظيم «الدولة» من اليرموك إلى تلول الصفا!

- *

يشــكل تنظيم «الدولة» مصــدر إزعاج مستمر للنظام منذ معركة مخيم اليرموك، وكلمــا تخلــص النظــام مــن مجموعــة للتنظيم ظهرت له بقايــا مجموعة أخرى، تواصــل انهاكه واســتنزاف­ه ببــطء، كما يحــدث اليوم فــي تلول الصفــا، ورغم أن اســتراتيج­ية النظــام بمحاولة الســيطرة على الأرض الخارجة عن ســلطته بأقل التكاليف، لاقت نجاحا باعتماده على ترحيل الجماعات المقاتلة التي تقبل الانسحاب لمنطقــة أخرى بعد تشــديد حصارها، فإن نتائج هــذه العملية تباينت من فصيل لآخر، فمنهم من انضم لقوات النظام كبعض فصائل درعا، ومنهم من جمد عملياته ضد النظام، كما فصائل غوطة دمشــق فــي أدلب، ومنهم من شــكل مصدر اســتنزاف جديــد للنظام في المنطقة التي تم إبعــاده لها، كتنظيم «الدولة» في بادية السويداء.

في معــارك النظــام الأخيــرة للســيطرة على ريف دمشــق بمــا فيــه مخيــم اليرمــوك، وريــف درعــا وحــوض اليرموك، لجأ النظام للأســلوب نفســه، يبــدأ بالقصف الشــديد لمناطق الفصائل المعارضة، ومن ثم الهجوم البري وتشــديد الحصار وتضييق الخنــاق على الفصائــل المقاتلة، حينهــا تضطر تلك الفصائــل، بمختلــف تصنيفاتها، من جيش حــر إلى جهادية، للقبول بالانسحاب، ولكن تبعات ذلك هي اللافتة، قياسا على سياسات الفصائل المبعدة المتباينة مع النظام، ففي دوما مثلا، وبعد قبول بعض الأفراد المنشــقين عــن الفصائل بالانضمام لصفوف النظام، وتسوية أوضاعهم، كأتباع الشيخ الصوفي الشهير ضفضدع، تم ترحيل الجماعات التي لم تقبل التسوية، كجيــش الإســام وفيلــق الرحمــن وباقــي جماعــات الريف الدمشــقي إلى ريف أدلب ومناطق درع الفرات، ورغم انضمام بعــض قياديي هذه الفصائل أيضا للنظام، إلا أن أغلبهم اختار الإبعاد شــمالا، ودخل معظم القياديــن لتركيا، وهناك أثارت صورهــم المســتفزة لجمهــور المعارضــة الاســتياء، إذ ظهروا قبل أيام وهم في منتجعات ســياحية تركية يمارســون ألعابا ســياحية، أمــا عناصر تلــك الفصائل في مناطــق درع الفرات وريف أدلب، فلم تشــن حتى اليــوم أي هجوم كبير على قوات النظــام، ووقعــت الصدامــات الوحيــدة لهم مع هيئــة تحرير الشام في أدلب برفقة الفصيل الآخر المقرب من تركيا، «أحرار الشــام»، اذ واصلوا متابعة مشــهد الحالة المنقسمة المتناحرة من ريف دمشــق إلى ما تبقى من مناطق المعارضة في شــمال سوريا.

أمــا في درعا، فقد كانــت الحال اكثر ســوداوية، فكثير من القوى المعارضة المســلحة التي قبلت بالانسحاب من مناطقها امــام النظام، انضمت لقوات النظام، وباتت إحدى تشــكيلاته العســكرية، بما يعرف بـ»كتائب المصالحات»، وقاتلت بجانب الاســد فــي معاركه اللاحقة ضــد تنظيم «الدولــة» في حوض اليرموك، ومن ثم في ريف الســويداء. من ضمن هذه الحالات كانــت الفارقة هي مخيم اليرموك، ومنها انطلقت سلســلة من الـ»ورطات» للنظام، فبعد اسابيع من المعارك الدامية بين قوات النظام وميليشــيا­ت فلســطينية موالية له، تكبــد فيها النظام خســائر تفوق كل خســائره في معــارك ريف دمشــق ودرعا مجتمعتــن، حاصر النظام ما تبقى من عناصر تنظيم «الدولة» في كتلة أبنية تضم معظم المخيم، وهنا، قبل التنظيم بالخروج مــن المخيم، وبالتأكيــ­د وجدها النظام فرصة لإلتقاط أنفاســه وتطبيق استراتيجيت­ه بالســيطرة على الارض، مقابل أقل قدر من التضحيات، لكن هذه الاســترات­يجية ســيتبين لاحقا انها لا تفلح مع تنظيم «الدولــة»، بل مع مجموعات المعارضة الاخرى التي تنضــم أو تكف عن قتال النظام لاحقــا، وليس مع تنظيم «الدولــة» الذي لا يــكاد يخرج مــن بقعة حتى يســبب صداعا للنظام في بقعة اخرى، وخسائر تكاد تكون الأكبر في العامين الاخيرين في صفوف النظام.

فبعد خروجه من مخيم اليرموك إلى بادية السويداء، تاركا وراءه أكثــر مــن مئتي وخمســن قتيــا وجريحا مــن عناصر وضبــاط النظــام، تحولت المنطقــة التي تم إبعــاد التنظيم لها، تلــول الصفا، تحولت إلى منطقة قتل تــكاد تكون الوحيدة في ســوريا اليوم لقوات النظام، وإضافة إلى العمليات الإجرامية الدامية التي ارتكبها التنظيم بحق ســكان القرى الدرزية، التي هاجمها لخطف المدنيين الدروز، والذين بادل عليهم بمعتقلات من النســوة في ســجون النظام لاحقا، يواصــل التنظيم حتى اليــوم التحصــن فــي سلســلة صخــور بركانية وتــال مليئة بالانفــاق والمخابئ، مكلفا قــوات النظام حتى اليــوم اكثر من 300 قتيــل وجريــح، بمن فيهــم عناصــر الميليشــي­ات الدرزية المواليــة للنظــام، كنســور الزوبعــة، وهــي إحدى تشــكيلات الميليشــي­ات الاهليــة التي قبل النظــام بوجودها، نظــرا لرغبة الكثيــر من الــدروز بالقتال فقط في مناطقهــم الموالية بالكامل للنظــام، فأصبحــت القوى المســلحة للقرى الدرزيــة جزءا من تشكيلات الأسد في جنوب سوريا، وما زال النظام يستخدمها فــي معاركه في بادية الســويداء، جاعلا أبنــاء القرى الريفية في الســويداء حطبا لنــار معاركه، يدفعــون بتضحيات كبيرة من شــبابهم، جنبا إلــى جنب مع كبــار ضباطــه وجنوده في استعادة ســيطرة الأسد على كافة المناطق الخارجة عن سلطة دمشق جنوب سوريا.

وهكــذا فــان النظام، خــرج من ورطة خســائره فــي مخيم اليرمــوك، بإبعــاد عناصر التنظيــم إلى بادية الســويداء، ظنا منه انهم قد يتلاشون في الصحراء، وإذا بهم يتحولون لمصدر خســائر النظام الاكبر مجددا، لأن الباديــة المفتوحة على غرب العــراق وقراها هي معقل عناصر التنظيــم وبيئته التي تمرس منذ سنوات في الاختباء والعمل فيها، وستظل مهمة ملاحقته فيها شاقة ومكلفة. كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

تنظيم «الدولة» لا يكاد يخرج من بقعة حتى يسبب صداعا للنظام السوري في بقعة اخرى

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom