Al-Quds Al-Arabi

لا للعقوبات على الدول: نعم لإسقاط الطواغيت إذا كنتم صادقين!

- ٭ كاتب واعلامي سوري falkasim@gmail.com

■ يتبجــح الرئيس الأمريكي دونالــد ترامب وأفراد إدارته بأنهــم فرضوا على إيران أقســى العقوبات في تاريخها، وخاصة العقوبــات المفروضة على بيع النفط الشــريان الحيوي للاقتصــاد الإيراني. لكــن قبل أن يصفق أحد لهذه العقوبات كنوع من الشــماتة بإيران، لا بد أن يتســاءل: ألا تخضع إيران للعقوبات الأمريكية والغربية منذ وصول الخميني إلى الســلطة عام 1979؟ متى ارتاحت إيــران من بعض العقوبات إلا بعد الاتفاق النووي مع الغــرب قبل مدة وجيزة فقــط، ثم ما لبثت أمريــكا أن أعادت بعــض العقوبات؟ هل يــا ترى تأثر النظام الإيرانــي بالعقوبات المفروضة عليه منذ حوالي أربعين عاماً، أم إنه اســتطاع تحــت العقوبات أن يقيم مشــروعاً نووياً وبرامج عســكرية عملاقة؟ ألم تتمكن إيران من احتــال أربع عواصم عربية وهي ترزح تحت العقوبات الأمريكية؟ فكيف، لا ســمح اللــه، لو لم تكن تحت العقوبات؟

لا شــك أن الشــعب الإيرانــي عانى كثيــراً في لقمة عيشــه بســبب العقوبات الأمريكية منذ عقود. ولا شك أنه ســيعاني أكثر جراء العقوبات الجديدة التي دمرت العملــة الإيرانيــ­ة، وخفضت من قيمتها بنســبة تفوق الثمانــن في المئــة، بحيث أصبحت مدخرات الشــعب الإيراني بلا قيمة إذا ما أراد أحد أن يســتبدلها بعملات صعبــة كاليورو والدولار. لا شــك في ذلــك مطلقاً. من الضحيــة إذاً في العقوبات الغربيــة على مدى التاريخ الحديث؟ الشــعب أولاً وأخيراً، بينما تســتمر الأنظمة كما هي تنعــم برغد العيش. هل تأثــر الحرس الثوري الإيرانــي الحاكــم الحقيقي للبــاد بالعقوبــا­ت؟ هل تأثــرت الطبقة الحاكمة؟ أم إنها اســتمرت في التهام ما لذ وطاب من المأكل والمشــرب، بينما تحولت الحياة إلى جحيم بالنسبة لغالبية الإيرانيين؟ هل انتفض الشعب على النظام بســبب العقوبات؟ ربما حــاول عام 2009 بتحريــض خارجي، لكنه لم ينجح، واســتطاع النظام المدجج بالقوة والســاح أن يخمد الشعب ويعيده إلى حظيرة الطاعة كي يســتمر في معاناته من قمع الداخل وعقوبات الخارج.

ألم تفرض أمريكا عقوبات أقسى ألف مرة على العراق بعد غــزو الكويت؟ ألم تمنع عنــه حتى أقلام الرصاص والأدوات المدرســية على مــدى ثلاثة عشــر عاماً؟ ألم تســتخدم برنامج النفط مقابل الغــذاء لتركيع العراق وإسقاط نظامه؟ لكنها مع كل تلك العقوبات الشيطانية، ظل النظــام صامداً، وظلــت القيادة تدخن الســيجار الكوبــي الفاخر، بينما كان الشــعب يمــوت من الفقر والجوع. لقد فشــلت العقوبات فــي تركيع النظام، لهذا تدخلت أمريكا وبريطانيا عســكرياً بكل قواتهما البرية والجوية لإزاحة صدام حسين عام 2003 بعد ثلاثة عشر عاماً من التعذيب المنظم للشعب العراقي دون غيره.

هل تأثر النظام الليبي بقيادة القذافي من العقوبات الأمريكية على مدى ســنوات وسنوات؟ بالطبع لا، فقد ظل القذافي وحكومته تنعم بما لــذ وطاب من الملذات، بينما تضرر الشــعب كالعادة. وعندما قــررت أمريكا وشركاؤها إســقاط النظام، تدخلوا بمئات الطائرات. وهذا يعني أن العقوبات كانت لإيذاء الشعب فقط.

هل تضرر النظام الســوداني من العقوبات الأمريكية على المســتوى الرســمي؟ بالطبع لا، بل ظــل الرئيس الســوداني المطلوب لمحكمة الجنايــات الدولية يجوب العالم ضاربــاً عرض الحائــط بالعقوبــا­ت الأمريكية والدولية. أما الســوداني­ون كشــعب فقد عانوا الأمرين جراء العقوبات على المستوى المعيشي والاقتصادي.

هل توقف الرئيس الســوري وعصابتــه عن تناول أغلى أنواع الأســماك واللحوم والكافيار والمشــروب­ات الكحولية على مدى الســنوات الثماني الماضية بســبب العقوبــات على نظامــه؟ بالطبع لا، لا بــل إن الرئيس الســوري كان يتفاخر بأنه يمارس حياتــه الطبيعية، ويستمتع بها على أكمل وجه، بينما كان الشعب السوري يدفع ثلاثة أرباع راتبه على الأكل والشرب بسبب ارتفاع الأسعار وندرة السلع بسبب الحصار على سوريا.

هل أســقطت العقوبات النظام الكوبي بقيادة فيديل كاســترو على بعد ضربة حجر من الحدود الأمريكية، أم ظل نظام كاسترو صامداً حتى الآن رغم مئات العقوبات التي لم يتضرر منها ســوى الكوبيين كشعب، بينما ظل النظام يتحدى أمريكا ويتبجح بمواجهتها.

ما فائدة العقوبات الغربية إذاً على الأنظمة؟ لا شيء أبداً، فلا يتضرر من العقوبات سوى الشعوب والأوطان، بينما تســتمر الحكام والحكومات في ممارســة حياتها الاعتيادية وطغيانها الوحشي على الناس، وكأن شيئاً لم يحــدث. والســؤال الأهم: لمــاذا تفرض أمريــكا عقوبات لعشرات السنوات على بعض الأنظمة، ثم تتدخل عســكرياً بعد طول انتظار لإسقاطها بالقوة؟ ألم يكن من الأفضل أن تفعل ذلك في وقت مبكر كي توفــر العذاب والمعاناة علــى الشــعوب إذا كانت فعــاً تريد معاقبــة الأنظمة القذرة وليس الشــعوب، أم إن العقــاب الحقيقي ليس للطغاة كلاب أمريكا، بل للشــعوب والدول، وأن هؤلاء الطواغيت ما هم سوى أدوات في عملية التدمير الغربي المنظم لبلادنا؟ إذا كانت أمريكا والغرب عموماً جاداً في معاقبة الأنظمة التي يعتبرها مارقة وديكتاتوري­ة، أليس التخلص منها بالقوة واستبدالها بأنظمة ديمقراطية أقل تكلفة بكثير على الشعوب والدول من العقوبات الشاملة التي تدمر حياة الناس والبلدان، بينما يبقى الطواغيت جاثمين على صدور الشــعوب، فتصبح الشــعوب بين مطرقة عقوبات الخارج وسندان الطغيان الداخلي.

هل فعلاً تعادي أمريكا الأنظمة المســتبدة في بلادنا وتعاقبها، أم إنهــا تســتخدمها كأدوات تدمير وابتزاز لأوطاننا فقط، ولا تتخلص منها إلا بعد أن تكون قد أدت مهمتها التدميرية والتخريبية على أكمل وجه؟

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom