في رثاء إعلامي بارز لم ينحن ولم ينكسر
■ مفــروغ منه أن انتخاب رشــيدة حربــي طليب إلى مجلــس النــواب الأمريكــي )الكونغــرس( هــو انتصار للفلســطينيين )وللعرب وللمســلمين أيضــا(، فهي، كما تقول في بعــض الملصقات التــي ظهرت بعــد انتخابها، «صنعت التاريــخ». هذه الصناعة تمّــت باتجاهين: فهي أول امــرأة فلســطينية تنتخب لمجلس النــواب الأمريكي وهــي أيضــا أول مســلمة فيــه )قبــل أن تنضــمّ إليهــا الصومالية إلهان عمر لتشكلان ثنائيا(.
يضــاف إلــى ذلــك أن رشــيدة فخــورة بهويّتهــا الفلسطينية وبكونها مسلمة وهي، على حد قولها، تحمل ســكان قريتي أبيها وأمها، بيت حنينا وبيت عور الفوقا، «أينما ذهبت»، وأجندتها السياسية واضحة فهي تنتمي إلى الجناح اليســاري من الحزب الديمقراطي الأمريكي، وتؤيــد حــل الدولــة الواحــدة للصــراع الإســرائيلي ـ الفلسطيني وحق العودة وتدعم نشطاء حركة المقاطعة.
بهــذا البرنامــج الكبيــر تصبح رشــيدة عمليّــا ناطقة باسم أغلبية من الفلسطينيين والعرب في مجلس النواب الأمريكي وممثلة لهم.
لكن، ما دمنا قد ذكرنا تماثلا سياسيا وثقافيا طبيعيا بين رشــيدة وبــن الكثيرين منــا، يجب أن نعــود للتذكر أن هــذا الإنجاز الرمــزيّ الكبير تمّ فــي الولايات المتحدة الأمريكيــة، وكنتيجة للنظام الديمقراطــي المنفتح والذي يســتطيع تمثيــل الأقليات ويســمح بالتعبير ســلميا عن الاتجاهات السياســية التي تشــغل البشــر، من قضايا الرعايــة الطبيــة والأجــور والمهاجرين إلى طيف واســع من الآراء، وبالتالي فإن انتخاب أمثال رشــيدة هو أيضا إنجاز أمريكــي ومبعث فخر للأمريكيين أنفســهم أيضا، الأمــر الذي يفــرض علينــا تحليلــه ومقارنتــه بأحوالنا والتعلم منه.
لقد تم انتخاب طليب في دائرة أغلبيتها من الأمريكيين الســود، وهــذا ما فتح أعينهــا على ما يجمــع الجماعات البشــرية المظلومة في العالم وأعطــى، من ناحية أخرى، لنضالها كفلسطينية معنى إنسانيّا عامّا.
يقول نموذج رشــيدة طليب لنــا إننا لم يعــد بإمكاننا الاكتفاء بسرديّة عداء الولايات المتحدة للعرب والمسلمين كما لو كانت منظومة فولاذية ومطلقة وغير تاريخية، كما لم يعد بإمكاننا أن نستمر بالرضى عن نظمنا السياسية المتخشــبة وردّ كل ما يحصل لنا إلــى الخارج ورفض أن نعرّض نظمنا لضوء الديمقراطية الكاشف.
قامــت فضائيــات عــدة بإنتــاج تقاريــر إخباريّة عن رشــيدة طليب تتحــدث عن كونها فلســطينية ومســلمة وتقيّــم إنجازها الشــخصي والسياســي. بعــد بثّ هذه التقاريــر، التــي تتلخص إحــدى أهم نتائجه في مســألة اســتيعاب الآخر المختلف سياســيا أو ثقافيا والســماح بتمثيلــه، تعــود الفضائيــات إلــى أجنداتها السياســية مــن دون قراءة حقيقيــة لمعانيه. على ســبيل المثال، بثت إحــدى هذه الفضائيات الممولة ســعوديا إعلانا لبرنامج آخر مخصّص برمّته لتجريم «الإخوان المســلمين»، وهنا يقع المشــاهد في حيرة، فالقناة نفســها التي تدعي مدح الديمقراطية الأمريكية وتفتخر بما فعلته لابنة فلســطين المســلمة هي نفســها التي تحــرّض على قتل أشــخاص بسبب اتجاههم السياسي المختلف مع اتجاه السلطات.
على المســتوى الفلســطيني فمــن المتوقــع أن تتحوّل رشــيدة طليب إلى واحدة من الرموز السياســية الكثيرة للفلســطينيين، وهــو أمر طبيعــي وصحّي، لكــنّ تحويل طليــب إلــى أيقونــة ضمــن الفلكلور السياســي شــيء، والاستفادة من الدروس التي تقدمها شيء آخر.
مــن هذه الدروس المهمة، على ســبيل المثال، تشــجيع انتظام الفلســطينيين في الأطر السياسية لبلدان المنافي والمهاجر، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية )وهو أمــر دعا إليــه الراحــل إدوارد ســعيد( لمواجهــة النفوذ الصهيوني الكبيــر هناك، ومهم أيضا بالقدر نفســه نقد التجربــة السياســية الفلســطينية على ضــوء التجارب السياســية الديمقراطيــة فــي العالــم، ومنهــا التجربــة الأمريكيــة التي ســمحت لأشــخاص مثل طليــب وإلهان عمر وسلســلة طويلة من السياســيين من خارج الأغلبية الأمريكية البيضاء بالتواجد في صلب المشهد السياسي العام.