Al-Quds Al-Arabi

«الحرة» التي اشترت «الترام»!

-

كانت قناة «الحرة» قد ماتت وشــبعت موتاً، عندمــا تم الإعلان عن الانطلاقة الجديــدة لها، وقــد انطلقت في التوقيــت المقرر، في حــن أن المكلفين بالانطلاقة الجديــدة للقناة التركية الناطقــة باللغة العربية، لا يزالــون يراوحون أماكنهم تبدو أنها مشــكلة من عملوا في مؤسسات مســتقرة، وهو الأمر الذي ذكرنا بحال الصحافي المصري الراحل «جلال الحمامصي» عندما عُرضت عليه رئاســة تحرير «الأحرار» أول جريدة مصرية معارضة بعد حركة ضباط الجيش في سنة 1952.

كان الهدف القــديم من «الحرة»، هــو «تبييض الوجه الأمريكــي» في العالم العربي وكتبت «ماذا تفعل الماشــطة في الوجه العكر؟»، فقد كنت أدرك منذ البداية أنها مهمة فاشــلة، فتبييض الوجوه المســودة، يكون بالتصرفــا­ت على الأرض، وليس بالدعاية، وفي الانحياز للديمقراطي­ة وحقوق الانسان واحترام إرادة هذه الشــعوب، وهو أمر يراه صاحب القرار في واشنطن، لا يحقق المصالح الأمريكية في المنطقة، ويمكن أن يضر بأمن اسرائيل، وعليه فلا يرى القوم «أمانهم العاطفي» إلا في حكم العسكر وفي أنظمة الاستبداد!

ومن قامــوا بغزو العراق، وانتهــاك أعراض الرجال في ســجونهم، وأفزعوا الناس بما ارتكبوا، لا يمكن لأي قناة تلفزيونية مهما كانت امكانياتها أن تزيح هذا الغبار، ولو على قاعدة «لبس البوصة تصير عروسة»!

لقــد أُطلقت «الحرة» في البداية، ومصر تشــهد أول حراك سياســي ضد نظام مبارك، لذا فقــد اعتبرتها رمية بغير رام، وأنها يمكــن أن تخدم القضية المصرية، ولأن قــرار النخبة المعارضة لمبارك هو مقاطعتها، للهــدف المعلن «تبييض الوجه الأمريكي»، وقد دعــوت إلى الغاء المقاطعــة، فالقناة ستفشــل حتماً في تحقيق أهدافها، وقيمتها في أن نظام مبــارك لا يمكنه أن يفرض عليها قيوداً، أو أن يدخل معها في أزمة؛ فالعين لا تعلو على الحاجب، ولم تنجح هذه الدعوة، لا ســيما وأن المقاطعــة كانت تعد نضالاً مجانيــاً، فالمقاطعون عندهم حالة تشــبع من الظهور التلفزيوني، فهم ضيوف بشــكل يومي على «الجزيرة» القناة الأوســع انتشاراً، فما لهم وقناة حديثة الولادة، وليس مؤكداً من نجاحها وانتشارها، ولن يخسروا بالمقاطعة، بل على العكس فذلك سيسحســب في رصيدهــم الثوري، باعتبارهم أصحاب مواقف مبدئية، ولديهم مواقف من الهيمنة الأمريكية، وكانت عملية غزو العراق حية في النفوس، ليصبح هذا الموقف مقدراً وطنياً!

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom