Al-Quds Al-Arabi

مع اشتداد الصراع السعودي الإيراني إسرائيل تحدق في لبنان

تهديد تل أبيب لبيروت من شأنه أن يعزز تواجد طهران في المنطقة

- تسفي برئيل

■ «يــا محمد بن ســلمان، يــا خنزير، أنت تقتــل الأطفال الأبرياء فــي اليمن. خنزير مثلك يعتقد أنه يســتطيع العيش بين عرب أحرار. الشــعب العربي سينتقم من كل فترة حكمك. يا محمد بن سلمان، أيها الخنزير، استضفت صحافياً من أجل قتله وتسمي نفســك بطلاً؟ لا، أنت خنزير، ليس فيك أي دلالة على البطولــة. لا نريد ممثلك هنا، نائب الســفير. يجب عليه الرحيل لأننا لا نريد ممثلاً للشيطان في بيروت.»

هذا المقال غير الموقع الذي نشــر نهاية الشــهر الماضي في الصحيفــة اللبنانية «الديــار»، المقربة من حــزب الله حظي بوابل من الانتقــاد­ات تقريباً من كل الفصائل السياســية في لبنان، وحظي بطلب من وزير العدل ســليم جريساتي بتقديم دعوى قانونية ضد الصحيفة حســب القانون الجنائي الذي يمنع المس بــدول أخرى. رد رئيس الحكومة ســعد الحريري كان أيضاً وفق الصورة العلنيــة المطلوبة منه: «المقال لا يمثل الأخلاق اللبنانية ولا الصحافة اللبنانية. هذه محاولة فاشلة لتخريب العلاقة بين لبنان والسعودية وخرق فاضح للقوانين التي تحمي حرية الصحافة». هذه الصيغة لافتة للنظر، حيث ألغــى فيها صفة الممتــازة من مفهوم «العلاقــات» وامتنع عن إغداق المديح لعمل نائب السفير السعودي أو الدفاع عن ولي العهد السعودي.

ربمــا يعرف الحريــري أن وضعه قبل ســنة بالضبط كان يشبه وضع الصحافي السعودي جمال الخاشقجي، ولم يحم فوق رأسه منشار، ولكن خلال بضعة أيام في الإقامة الجبرية فــي فيلا في الرياض محاذية لفنــدق «ريتس كارلتون » الذي كان يعتقل فيه بضع عشــرات من أصحاب المليارات والملايين السعوديين بتعليمات من ابن سلمان. أجبر الحريري في حينه على إصدار بيان استقالة من رئاسة الحكومة. لقد أهين عندما فرض عليه الانضمام للجولة التي قام بها محمد بن سلمان في عدد من دول الخليج للإثبات بأنه غير معتقل. خلافاً لتعهد ابن سلمان للرئيس المصري السيســي الذي ـ حسبه الحريري ـ يمكنه العودة إلى بيروت بعد الزيــارة المفروضة عليه لمصر، فقد أجبــر الحريري على الهبــوط قبل ذلك فــي قبرص قبل الوصول إلى بيروت. ولم تنجح تلك المحاولة غير اللطيفة لابن ســلمان لتنفيذ انقلاب في لبنان وتعيين الشقيق البكر لسعد الحريري، بهاء الدين، رئيســاً للحكومة، لأن عائلة الحريري أوضحت بأنها تقف موقفاً موحداً من وراء سعد رغم العلاقات الوطيدة التي كانت للعائلة مع العائلة المالكة في السعودية.

إن سلوك ابن سلمان في هذه القضية كان يجب أن يوضح لأمريــكا )التي كان لهــا دور في إطلاق الحريــري من الإقامة الجبرية( بأن ولي العهد الســعودي هو عبوة ناسفة تمشي. ولكن إدارة ترامب، أســيرة الاســتحوا­ذ المناهــض لإيران، اعتبرت الخطوة الســعودية في حينه قناة مناسبة للمس من خلالها بالنفــوذ الإيراني في لبنان، عــن طريق إبعاد رئيس حكومة نجح في الحفاظ على نوع من الاســتقرا­ر السياســي بفضــل الحوار الــذي يجريه مع حــزب الله. فشــل محاولة الانقلاب الســعودية لم يســئ فقط إلى وضــع الحريري في الانتخابات البرلمانية التي أجريت فــي أيار الماضي، التي فقد فيها حوالي ثلث مقاعــد البرلمان لصالح خصومه، بما في ذلك حزب اللــه؛ فمنذ الانتخابــ­ات والموافقة علــى أن تلقى عليه مهمة تشــكيل الحكومة، يحاول الحريري بدون نجاح تشكيل الحكومــة. ويبدو أن حزب اللــه لن يكون شــريكاً مهماً فيها فحسب، بل من شأنه أيضاً أن يمسك القوة بيديه لصد كل قرار لا يروقه.

انتحار سياسي

حسب الدستور اللبناني، فإن كل قرار أساسي مثل المصادقة على الميزانية أو شــن حرب، يحتاج إلى تأييــد ثلثي أعضاء الحكومة التي تضــم 30 وزيراً. وبناء على ذلك، يكفي لحكومة واحدة أو تحالف من عدة حــركات تملك الثلث زائد واحد من مجمل أعضــاء الحكومة من أجل إحباط كل قرار. لذلك، يتطلع حزب الله الذي إضافــة إلى الثلاثة وزراء من قبله، يســعى إلى تعيين وزير آخر من أوســاط المنتخبين الســنة المستقلين الذين يؤيدونه، وبهذا يوســع قوته إلى أربعة وزراء. إضافة إلى الوزراء الذين بإمكان الرئيس ميشــيل عــون تعيينهم، يســتطيع حزب الله أن يضمن الثلث زائــد واحد المطلوبة له. أوضح الحريري للرئيس عون بأن «تعيين وزير سني آخر من قبل حزب الله معناه انتحار سياســي له، وأنه لن يوافق على ذلك بأي شكل من الأشــكال»، كما أن هذا التعيين سيأتي على حساب الوزراء المخصصين لقائمة المستقبل التابعة للحريري. في هذه الأثنــاء يؤيد الرئيس موقف الحريــري، ولكن عون سبق وأثبت في الســابق قدرته على المراوغة التي تم التعبير عنها في تغيير الولاءات. في نهاية المطاف، فإن الجنرال الذي حارب الاحتلال السوري وذهب إلى المنفى في باريس لمدة 15 سنة عاد إلى بيروت وتحول إلى حليف لسوريا وإلى الشريك السياسي المسيحي لحزب الله. الصعوبة الأخرى هي أن حزب الله يطالب بأن يحصل على وزارة حكومية للخدمات العامة، وبالتحديد وزارة الصحــة ذات الميزانية الكبيرة، الأمر الذي يمكن أن يضع لبنان في مســار التصادم مع مؤسسات دولية، التي سترفض التعاون مع وزارة يقف على رأسها ممثل لحزب الله، على ضوء العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على حزب الله وإيران.

إلا أن حزب الله لا ينوي في هذه الأثناء التنازل. إن تعزيز قوته السياســية في لبنان مهم الآن أكثر من أجل الحفاظ على قوة إيران في لبنان، وضمان استمرار تعاون لبنان مع سوريا ووقف التأثير الأمريكي على لبنان. الموقف الرســمي للقيادة اللبنانية هو أن الدولــة لن تتأثر من العقوبات المفروضة على إيران، حيث أن حجم التجارة بــن الدولتين ضئيل. والجهاز البنكي للبنان أيضاً يخضع لتعليمات العقوبات، ســواء التي فرضت على إيران أو التي فرضــت على حزب الله. حزب الله من ناحيتــه أوضح بأنه لا يســتخدم مطلقاً الجهــاز البنكي اللبناني. وحســب تقارير غربية، فهو يعمل بواسطة شركات وهمية ورجــال أعمال ينقلــون الأموال لمصلحته. ونشــرت الإدارة الأمريكيــ­ة هذا الأســبوع بأن إيران تمنــح حزب الله حوالي 700 مليون دولار في السنة، وهي أموال نقدية وسلاح ووســائل قتالية. ولكن حسب التقديرات في لبنان، فإن المبلغ الحقيقي أقل من نصف هذا المبلغ.

حزب الله الــذي يدفع رواتــب 70 ألف عامــل، من بينهم مقاتلــون ورجال صيانة وموظفون وعاملون في مؤسســات الشــؤون الاجتماعية، هــو قوة اقتصادية هامــة في الدولة. والتمويل الــذي يحصل عليه من إيران يزيت دواليب اقتصاد لبنان. هكــذا، إذا اضطرت إيران إلى تقليص مبلغ المســاعدة فســيكون لذلك تأثير على قوة الاقتصاد اللبناني، وليس فقط على قدرة حزب الله على تمويل تسلحه العسكري. في الوقت نفســه، يفحص الكونغرس الأمريكي إمكانية تجميد أو إلغاء المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، التي بلغت في السنة الماضية 120 مليون دولار.

مطالب أمريكية

مطلب أعضاء الكونغرس هــو أن يقوم الرئيس الأمريكي بتزويدهــم بتقارير ليــس فقط عن التعاون العســكري مع الجيش اللبناني، بل أيضاً بشــأن تطبيق قرار الأمم المتحدة 1701 من العــام 2006، الذي تم اتخاذه كجزء من إنهاء حرب لبنان الثانية.

وحســب هذا القرار، فعلى الجيش اللبناني الانتشار في جنوب لبنــان ومنع حزب الله من الســيطرة والتمركز في جنوب الليطاني ومساعدة قوات الأمم المتحدة على تطبيق بنود القرار، التي تتضمن نزع سلاح حزب الله. صحيح أن الجيــش اللبناني حارب للمرة الأولــى مع القوات الخاصة الأمريكية ضد قواعد تنظيم الدولة الإسلامية )داعش( على الحدود بين ســوريا ولبنان، ولكنه أيضــاً تعاون مع حزب الله للهدف نفسه، ونزع سلاح حزب الله لا يخطر ببال أحد في لبنان.

إســرائيل التي تحتج منذ أكثر من عقد من أن حزب الله لا يطبــق القرار 1701 فحســب، بل يواصل أيضاً تســلحه بعشــرات آلاف الصواريخ منذ تلك الحرب، وتهدد بشــكل علنــي بأنــه إذا واصلت حكومــة لبنان بالســماح لحزب الله باقامة مصانع لتحســن دقة صواريخه فإنها بنفســها ســتصبح هدفاً. أي أن لبنان ســيحل محل ســوريا كهدف للهجوم.

ربمــا وفي أعقــاب القطيعــة الجزئية التــي وقعت بين إسرائيل وروسيا بعد إســقاط الطائرة الروسية والخشية من العمل بصورة كثيفة أكثر في الأراضي الســورية بسبب ذلك، فإن إســرائيل تفضل التركيز على لبنان. بالطبع هذا قرار إشــكالي، حيث إنه طوال مهاجمة إسرائيل في سوريا فهي لم تتعرض للنيران السورية. يمكن للهجمات في لبنان أن تفتــح مجدداً الجبهة الشــمالية، وإلــى جانب الأضرار بالممتلكات والأرواح فإن هــذه الهجمات يمكن أن تعزز قوة حزب الله، وبصورة تلقائية قوة إيران.

في حين أن سيناريوهات تأثير العقوبات على الاقتصاد اللبناني وعلى مكانة حــزب الله فيه، ما زالت بانتظار قرار الحكومة الإيرانية، ويواصل حزب الله استثمار الجهود في توسيع وجوده في جنوب سوريا. وحسب تقارير من لبنان ومن مصادر اســتخباري­ة غربية، يحاول حزب الله تجنيد مقاتلي مليشــيات اعتمدت حتى الآن على الدعم الأمريكي والإسرائيل­ي.

«وول ستريت جورنال» كتبت في بداية الشهر أن إيران تعرض علــى كل مقاتل جديد 200 دولار شــهرياً، وأن عدد المقاتلين يتوقــع أن يصل إلى 2000 مقاتــل. وليس معروفاً ما هو عدد المقاتلين الجدد الذين نجــح حزب الله في نقلهم إلى صفوفه. ولكن خطوة كهذه تســتهدف استبدال وجود مقاتلي مليشــيات مؤيــدة لإيران الذين جــاؤوا من إيران وأفغانستان، ومنهم عدد أرسل إلى مناطق في شرق سوريا.

الأهداف المعلنة لفــرض العقوبات علــى إيران هو صد تدخلها في دول المنطقة مثلما في اليمن وســوريا والعراق، ولكن الاستراتيج­ية الإيرانية التي تستند إلى قوات محلية مثل المتمرديــ­ن الحوثيين في اليمن وحــزب الله في لبنان وسوريا، ستواصل مساعدة طهران في تثبيت وجودها في هذه المناطق دون أن تتأثر من العقوبات. هآرتس 2018/11/9

 ??  ?? ولي العهد السعودي محمد بن سلمان
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom