Al-Quds Al-Arabi

إيران: تعزيز جبهة الداخل أو نتائج الانتخابات الأمريكية

- نجاح محمد علي

تأمل إيران أن تدفع نتائج الانتخابات النصفية في الـولايـات المتحدة الرئيس الأمـريـكـ­ي دونــالــد تـرامـب إلــى العدول عن سياساته العدائية الحــادة تجاهها خصوصاً بعد سلسلة العقوبات التي وصفها ترامب بغير المسبوقة، والتي قلل المرشد الإيـرانـي سيد علي خامنئي من شأنها، وقال قبل تنفيذها الإثنين الماضي، إن «هذا الرئيس الأمريكي الجديد ألحق العار بما تبقى من هيبة أمريكا والليبرالي­ة الديمقراطي­ة. وقـوة أمريكا الخشنة، أي الاقتصادية والعسكرية، تتراجع كذلك.»

وبـالـرغـم مـن أنـهـا قـــررت فـي الفترة الأخيرة عدم ربط سياساتها في مواجهة العقوبات الأمريكية على الخــارج ومنه بالطبع نتائج الانتخابات وحتى على وعود الاتحـــاد الأوروبـــ­ي خصوصاً الترويكا )بريطانيا وفرنسا وألمانيا( بعد انسحاب ترامب عن الاتفاق النووي، إلا أن إيران راهنت بالفعل )بالآمال على الأقل( على نجاح الديمقراطي­ين في تحقيق خرق كبير في انتخابات مجلس الشيوخ والنواب )الكونغرس الأمريكي( خصوصاً وأن الديمقراطي­ين الذين أبرموا معها الاتفاق النووي، مستاؤون كثيراً من أداء ترامب سواء في الداخل أو في الخارج حيث ألغى اتفاقاً كان يُفترض من وجهة نظر الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أن يفضي إلــى تحقيق انـفـراج كبير فـي العلاقات الإيرانية الأمريكية المقطوعة منذ نيسان/ أبريل 1980 بعد شهور من احتلال السفارة الأمريكية من قبل الطلاب الثوريين في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 1979.

وكــان لافتاً أن يرتفع مـجـدداً صوت المتشددين في إيــران الذين كـان أوباما يأمل أن يجري تهميشهم بالاتفاق النووي، وتعود مرة أخرى وبقوة أكبر الشعارات الثورية، إذ ردد المتظاهرون الإيرانيون هتاف «المــوت لأمريكا» خـال تجمعات حاشدة شهدتها العاصمة ومدن أخرى. وصرح آية الله علي خامنئي أن واشنطن تستخدم الحـرب الاقتصادية والنفسية ضد بــاده كملاذ أخير، واعــداً بالنصر كما حصل في التغلب على عقوبات أقسى وأشد طوال الأربعين عاماً الماضية.

وأحـــرق عـشـرات الآلاف مـن الطلاب الأعــــام الأمـريـكـ­يـة )والإســرائ­ــيــلــيـ­ـة( ومجسماً للعم ســام ولافـتـات ساخرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وراحوا يدوسون ويحرقون دولارات مزيفة والعلم الأمريكي خارج المجمع الذي كان يضم ذات يوم السفارة الأمريكية.

وتزامن كل ذلك مع رفض مجلس صيانة الـدسـتـور الــذي يمسك بـه المـتـشـدد­ون، مشروع قانون انضمام إيران إلى اتفاقية مكافحةتموي­لالإرهاب« »ورأىفي توقيت لافت مع العقوبات، أنه يتعارض مع أحكام الشرع والدستور وغير واضح، ولـــم يــؤيــده. ويـتـألـف مجلس صيانة الدستور من ســتة رجـــال دين يعــيـــنه­م المـرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وستة محامين يعينهم القضاء الذي يسيطر عليه المتشددون.

وكـــان مجلس الــشــورى الإســامــ­ي )البرلمان الإيراني( الذي حصل المعتدلون والإصلاحيو­ن فيه على نفوذ كبير في الانتخابات بعد إبرام الاتفاق النووي، قد صوت في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي عـلـى انـضـمـام الجـمـهـور­يـة الإسـامـيـ­ة الإيرانية إلىالاتفاق­ية الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب والتي تعد ضرورية للحفاظ على روابـط طهران التجارية والمصرفية مع العالم. وقد صوت 143 نائباً لصالح مشروع القانون من مجموع 271 حاضراً في البرلمان، مقابل 120 معارضاً وخمسة ممتنعين على انضمام إيران إلى الاتفاقية.

ويتضمن مشروع القانون مقدمة و28 مادة وملحقاً واحداً، والتي بموجبها قبلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بشروط، الانضمام إلىالاتفاق­ية الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب.

ويعتبر العديد من المسؤولين المتشددين أن القانون يحد من قدرة إيران على دعم «مجموعات المـقـاومـ­ة» مثل حــزب الله اللبناني وحـركـة حماس الفلسطينية بسبب معايير الشفافية الواسعة التي يفرضها على حساباتها.

لكن حكومة روحاني المعتدلة ترى أن هذا القانون أمر حيوي خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران عام 2015 وفرضها العقوبات مجدداً، ومن شأنه تشجيع الدول المتبقية من 1+5 التي أبرمت الاتفاق النووي مع إيران، على البقاء فيه.

وسـعـت بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي إلى إنقاذه والحفاظ على الـتـجـارة مـع إيـــران، لكنها طالبت بانضمامها إلى مجموعة العمل المالي.

وتدرج المجموعة إيران وكوريا الشمالية فقط على لائحتها السوداء، على الرغم من أن المنظمة التي تتخذ من باريس مقراً لها قد علّقت الإجراءات ضد إيران منذ حزيران/ يونيو 2017 بينما تعمل الأخـيـرة على الإصلاحات المطلوبة.

والشهر الماضي مددت مجموعة العمل المالي المهلة التي أعطتها لإيران لتحديث قوانينها حتى نهاية شهر شباط/فبراير. وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال مناقشة القانون في البرلمان الشهر الماضي «لا أنا ولا الرئيس يمكن أن يضمن أن كل المشاكل سوف تختفي في حـال انضمامنا )إلــى اتفاقية الأمم المتحدة(، لكني أضمن بأن عدم الانضمام سوف يزوّد الولايات المتحدة بأعذار أكثر لزيادة مشاكلنا».

وتم اقــرار مشروع قانون آخـر حول آليات مراقبة ومنع تمويل الإرهاب في آب/ أغسطس، لكن اثنين آخرين يتعلقان بغسل الأموال والجريمة المنظمة تم تأخيرهما من قبل سلطات أعلى بعد المصادقة عليهما في البرلمان، ما يشير إلى أن الصوت المتشدد سيرتفع أكثر فأكثر فيما لو استمر ترامب في سياساته العدائية ورغبته في أن تخلق العقوبات الجديدة أزمة اقتصادية حادة في إيران لا سيما أن من شأنها كما يريد هو، أن تحاصر صادرات النفط الإيرانية إلــى الخـــارج إلــى جـانـب قطع تواصل المصارف الإيرانية مع شبكة المصارف في الخـارج عبر نظام سويفت، وهي جمعية اتصالات مالية عالمية تعرف اختصارا بـ»سويفت» تأسست عام 1973 بمبادرة من مؤسسات مصرفية عالمية، من أجل توفير شبكة عالمية موحدة للاتصالات المالية الآمنة بين المؤسسات المصرفية، في العام نفسه الـذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي آنذاك ريتشارد نيكسون إلغاء التزام الولايات المتّحدة بتحويل الدولارات الأمريكية إلى ذهـب، وعُــرف ذلك لاحقًا باسم صدمة نيكسون.

وأعلنت «سويفت» للمراسلات المالية ومقرها بلجيكا، قطع خدمتها عن بعض المـصـارف الإيـرانـي­ـة، امتثالاً للعقوبات الأمريكية على إيـران، لكن إيران ما تزال تأمل أن يدفع انتصار الديمقراطي­ين في مجلس النواب، وثبات الموقف الأوروبي الباحث عن نظام بديل للالتفاف على العقوبات، ترامب إلى تغيير سياساته ولو بعد ستة شهور، وهي المهلة التي منحها لـلـدول الثماني التي استثناها )مكرهٌ أخاك لا بطل( للبحث عن بدائل عن النفط الإيراني.

وإذ تــؤكــد الـتـصـريـ­حـات الإيـرانـي­ـة الرسمية أن الانتخابات الأمريكية شأن داخلي يخص الولايات المتحدة نفسها، ورفـض المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي ما وصفها بمزاعم أجـهـزة الأمـــن والـقـضـاء فـي الحكومة الأمريكية بشأن تدخل إيران في انتخابات الكونغرس، مبيناً أن السياسة المبدئية التي تنتهجها إيران ترتكز على عدم التدخل في شؤون سائر الدول، فقد عكست التقارير التي بثتها وسائل الإعــام الرسمية أو القريبة من صانعي القرار، تشفياً كبيراً مما وصفته تلك التقارير بهزيمة ترامب، وما ذهب بعض المعلقين إلى القول «إن ترامب تلقى صفعة قوية» وقـد تدفعه النتائج إلى التهدئة مع إيـران خصوصاً وأن المعلومات تؤكد أنه ما يزال يحتفظ بقنوات فعلية سرية تجري اتصالات غير مباشرة مع إيــران لدفعها إلـى الجلوس معه على طاولة واحدة للمحادثات وبدون أي شروط مسبقة وضعها وزير خارجيته مايك بومبيو.

عموماً يـرى الكثيرون في طهران أن نتائج الانتخابات صفعة لأجندة ترامب التشريعية، وبات بإمكان الديمقراطي­ين الـذيـن أبــرمــوا الاتــفــا­ق الــنــووي معهم، استخدام السيطرة على مجلس النواب لفتح تحقيقات مع الرئيس تشمل الاتفاق النووي.

ويفترض الكثير من الإيرانيين أن هيمنة الديمقراطي­ين على الأقل على أحد مجلسي الكونغرس، فسوف يكون من الصعب على الرئيس ترامب أن يواصل اسلوبه السابق نفسه؛ وعندئذ سيواجه صعوبة كبيرة في تمرير الميزانيات والقوانين والقرارات، وسيقيد ذلك إجراءات ترامب ضد إيران.

والأهـــم هـو أن فـي طـهـران مـن يأمل أيضاً أن يشرع الديمقراطي­ون في اتخاذ إجراءات لتنحية الرئيس ترامب حتى وإن كانت التنحية لن تتحقق بسبب سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ، مما سيقلل من حظوظه في الترشح لانتخابات عـام 2020 للحصول على فترة رئاسية ثانية، فهم يعتقدون أن عليهم توقع قيود يضعها الديمقراطي­ون على أي إجـراءات جـديـدة قـد يتخذها تـرامـب ضـدهـم، ما يعني أنهم سيضطرون للصمود أمـام العقوبات لمدة عامين فقط. وبعد ذلك، ربما سيتم انتخاب رئيس ديمقراطي للولايات المتحدة، فيغير تماماً أسلوب التعامل مع إيــران، ليصبح مشابهاً للأسلوب الذي كان مُتبعاً في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما.

لكنْ حساب الحقل لا ينطبق على حساب البيدر، فالتأثير النفسي على الداخل في إيـران يفاقمه إطلاق واشنطن وتل أبيب ودول عربية حليفة لهما كالسعودية عددا كبيرا من الفضائيات والإذاعـات الناطقة بالفارسية وبلغات محلية للقوميات الست الرئيسية التي تتكون منها إيران )الفارسية والآذريــة والعربية والكردية والبلوشية والتركماني­ة( باتت تؤثر على الداخل وتحرضه على القيام ضد قيادته ونظام الجمهورية الإسلامية، مستغلة المطالب الاجتماعية والإخفاقات في حل الأزمة الاقتصادية، ما يصعب على طهران فكرة انتظار رئيس ديمقراطي جديد في الولايات المتحدة، وأن تعمد إلـى تعزيز جبهتها الداخلية واقتصادها المقاوم محلياً... بعيداً عن أي ارتباط بعائدات النفط، وما يمكن أن تقدمه أوروبـــا للالتفاف على العقوبات!

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom