كيف تقرأ إسرائيل نتائج الانتخابات النصفية وتأثيرها عليها
فيما تواصل إسرائيل ترقب تبعات نتائج الانتخابات النصفية فــي الـــولايـــات المـتـحـدة ويلتزم ساستها الصمت، ترجح دراسة استراتيجيةإسرائيليةإلا تؤثر هذه على الدعم الأمريكي الجارف للاحتلال. وتتناول رؤية أصدرها «معهد أبحاث الأمن القومي» في جامعة تـل أبـيـب، دلالات نتائج الانتخابات النصفية للكونغرس الأمـريـكـي الـتـي جــرت الثلاثاء الماضي وتأثيرها على إسرائيل. وأعدّ هذه الورقة السفير الأمريكي الــســابــق فـــي تـــل أبـــيـــب، دان شابيرو، والضابط السابق في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «أمان» ورئيس دائرة الأبحاث السابق في مكتب رئيس الحـكـومـة الإسـرائـيـلـيـة، إلـــداد شفيط، وكلاهما انضما إلى معهد الأبحاث هذا في العام الماضي.
وحسب الـرؤيـة هــذه، فإنه لا يتوقع حــدوث تغيير فـي الدعم الأمــريــكــي الـكـبـيـر لإســرائــيــل، وخاصة من جانب الرئيس دونالد تــرامــب، على ضــوء نتائج هذه الانتخابات، التي فاز فيها الحزب الديمقراطي بالأغلبية في مجلس النواب، بينما بقيت الأغلبية بأيدي الحـــزب الجـمـهـوري فـي مجلس الشيوخ. لكن الدراسة الإسرائيلية تشير إلى أن الحوار الاستراتيجي بـن الـدولـتـن بــات ينطوي على أهمية أكــبــر، بسبب الانقسام وأيضا بسبب التخوف من تأثير مواجهة بين الحزبين على سياسة ترامب.
وتـــــرى الــــدراســــة أن هــذه الانــتــخــابــات النصفية أبـــرزت الاستقطاب المتزايد في المجتمع الأمريكي والانقسام الواضح بين مؤيدي ترامب ومعارضيه. وتشدد على أن «سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب يتوقع أن تؤدي إلى شلل معظم إجـــراءات التشريع. ورغم ذلك، فإن الاحتمالات حاليا هي أن كلا الحزبين سيتوصلان إلــــى تــفــاهــمــات تـسـمـح بـدفـع تشريعات هامة صغيرة بسبب الخــصــومــة الـكـبـيـرة بينهما». وتتوقع المقاربة الإسرائيلية أن يبادر الديمقراطيون إلى تحريك عملية إطاحة ضد ترامب، خاصة فــي حــال تضمن تقرير المحقق الخاص مولر، حول علاقات حملة تـرامـب بــالــروس فـي انتخابات الرئاسة عام 2016، قرائن تجرمه. لكن الباحثين الإسرائيليين هنا يستبعدان أن يـصـادق مجلس الشيوخ على عملية إطاحة كهذه، بـسـبـب الأغـلـبـيـة الجـمـهـوريـة، وضــــرورة تـأيـيـد ثلثي مجلس الشيوخ. كما تستبعد هذه الرؤية أن تدل نتائج الانتخابات النصفية على نتيجة انتخابات الرئاسة في العام 2020. لكن ترامب قد يرى في نتائج الانتخابات النصفية على أنها تحذير من المـزاج العام. ولذلك فـإن ترامب قد يلجأ إلى توسيع الحوار بين الحزبين، لكن هذا لن يجعله يمتنع عن مواصلة دفع أجندة إدارته، من خلال زيادة استخدام أوامر رئاسية. وتتوقع الدراسة ان تلزم النتائج ترامب بالبدء، في الأشهر القريبة، في استثمار مـوارد لسباق الرئاسة. ولا تؤثر الانتخابات النصفية، عــادة، على السياسة الخارجية لـــإدارة الأمريكية، ويتوقع أن تواصل إدارة ترامب سياستها، بما في ذلك من خلال نشاط داخل الكونغرس من أجل تمرير قرارات تتعلق برصد ميزانيات أو بيع أسلحة.
وترى الدراسة الإسرائيلية انه في سياق الحديث عن تأثير نتائج الانتخابات على إسرائيل، لا تتوقع حـدوث تغيّر في الدعم الأمريكي الكبير والواضح من جانب الإدارة عامة وترامب خاصة. مرجحة ان «يبقى الدعم الكامل يشكل دعامة مركزية في المناعة الاستراتيجية الإسـرائـيـلـيـة». كما ركـــزت على أن العلاقات الوثيقة بين ترامب ورئـيـس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وكذلك الحوار المتواصل الجــاري بين الدولتين، «سيبقى عنصرا هاما في الحفاظ على أمـن إسرائيل فـي محيطها المـــلـــيء بــالــتــحــديــات». وفيما يتعلق بالتعامل مع الموضوعين الفلسطيني والإيـــرانـــي، حيث تتطابق مواقف ترامب ونتنياهو حيالهما، قالت إن إدارة ترامب ستواصل سياستها ضد إيـران ومخططاتها تجــاه حـل الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. ويعتبر تــرامــب، الـــذي فـــرض عقوبات جديدة على إيران، مطلع الأسبوع الماضي، واعترف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، في أيار/مايو المـاضـي، أن سياسته في هذين الاتجاهين تحقق إنجــازات. إلا أن الدراسة تشير إلى أن «الرغبة في تحقيق إنجـازات، خاصة في أوج حملة انتخابات 2020، قد تُنشئ أوضاعا تتطور فيها فجوات بين غايات الإدارة ومصالح إسرائيل». وأضافت أن أغلبية الديمقراطيين الذين سيتولون رئاسة اللجان في مجلس النواب معروفون كأصدقاء لإسرائيل.
إلا أن الدراسة ترى أن التغيرات الكبيرة في هذا المجلس تستوجب بـــذل جــهــود مــركــزة مــن جانب إسـرائـيـل فـي محاولة لترسيخ عـــاقـــات مـــع الـــنـــواب الجـــدد، «ومساعدتهم على التعرف بشكل عميق على المصالح الإسرائيلية». وتـدعـو الـدراسـة إسـرائـيـل إلى تعزيز علاقاتها مع إدارة ترامب ومعارضيه، لأنـه ليس بالإمكان حـالـيـا تنبؤ نـتـائـج انتخابات الرئاسة المقبلة. «ومـن دون هذا الـتـوازن في علاقة إسرائيل مع الحزبين، فإنه ثمة احتمال للمس بصورة الدعم التقليدي من جانب الحـزبـن لإسـرائـيـل، وبفاعلية الجهات المؤيدة لإسرائيل )اللوبي الصهيوني( في الولايات المتحدة». وفي رأيها ستخدم هذه الجهود المصالح الإسرائيلية في حال عودة الحـــزب الـديمـقـراطـي إلــى مركز المسرح السياسي الأمريكي. يشار انه لم يصدر عن حكومة الاحتلال خاصة نتنياهو، أي تعقيب على نتائج الانـتـخـابـات، وذلـــك في الوقت الــذي تنظر فيه بتوجس إلــى الحـــزب الـديمـقـراطـي وهي ما زالـت تناصب العداء للرئيس الــديمــقــراطــي الــســابــق، بـــاراك أوباما، بسبب موقفه من القضية الفلسطينية وتأييده لحل الصراع ورفض توسيع المستوطنات. وهذه المواقف تتناقض مع مواقف ترامب وإدارته، التي تتماهى بالكامل مع سياسة حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة.
غير ان مصادر إعلامية مقربة من حكومة الاحتلال بدت مطمئنة إزاء نتائج الانتخابات النصفية. ووصـــف المحـلـل السياسي في صحيفة «يسرائيل هيوم»، أمنون لورد، عددا من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين بأنهم «مشاغبون جـــديّـــون»، وبينهم آدم شيف ومكسين ووتــرس. وأضـاف رغم أنه يتوقع أن يتوليا رئاسة لجنتين في مجلس النواب، إلا أنه «يبدو أن قيادة الحزب الديمقراطي محافظة ومعتدلة أكثر»، وأن زعيمة الأغلبية الديمقراطية، نانسي بيلوسي، ألمحت إلى أنها «لن تتجاوز خطوطا حـمـراء ولــن تتجه نحو محاولة إطاحة ضد الرئيس. وعلى الأرجح أن بيلوسي ستحاول لجم نواب مشاغبين في الكونغرس، الذين ربما يفكرون بالمبادرة إلى مزيد من التحقيقات ضد الرئيس».
ويستذكر ان الحزب الديمقراطي هو الآخر داعم لإسرائيل، وأحيانا فـاق هـذا الدعم ذلـك الــذي قدمه الحـزب الجمهوري، مثلما حدث خلال ولاية أوباما، الذي زاد مبلغ المـسـاعـدات الأمريكية السنوية لإسرائيل وسلّحها بطائرات مقاتلة من طراز «اف 35» الأكثر تقدما في العالم. رغم ذلـك، اعتبر لـورد أنه «في هوامش الديمقراطيين يترسخ مـفـهـوم يــرفــض إســرائــيــل على أساس أخلاقي. وانتخب عدد من هذا النوع كأعضاء في الكونغرس. والبارزة بينهم هي أوكسين كورتز من نيويورك». لكنه رأى أنه في المقابل انتخب جمهوريان صديقان لإسرائيل، هما تيد كروز، ومرشح الرئاسة السابق، ميت رومني، وأنهما «سيمنحان إسرائيل دعما أكبر من الماضي».
ويرجح لورد أن ترامب سيضطر إلى إبرام صفقات مع الديمقراطيين «وهو قادر على ذلك». مرجحا انه لن تكون لهذه الصفقات أي تأثير على السياسة الخارجية الهامة في موضوع إسرائيل والعقوبات على إيران والموضوع الفلسطيني. معتبرا ان دعم مجلس الشيوخ أهم بكثير في السياسة الخارجية.