Al-Quds Al-Arabi

طارق إمام: «مدينة الحوائط اللانهائية»

-

هــذا هـو العمل الـعـاشـر للروائي والـقـاص المصري طــارق إمــام، الذي كـان قد أصــدر في الـروايـة: «شريعة القطة»، «هدوء القتلة»، «الأرملة تكتب الخـطـابـا­ت ســــرّاً»، «الحــيــاة الثانية لقسطنطين كــفــافــ­يــس»، «ضــريــح أبــي»؛ وفـي القصة القصيرة: «طيور جديدة لم يفسدها الـهـواء»، «شـارع آخـر لكائن»، «ملك البحار الخمسة» للأطفال، و«حكاية رجل عجوز كلما حلم بمدينة مات فيها»، وأخيراً «مدينة الحوائط اللانهائية»؛ التي تتوزع على ثلاثة أقسام: نساء مدينة الحوائط (10 حكايات(، رجال مدينة الحوائط 14( حكاية(، وغرباء مدينة الحوائط (12 حكاية(. وقد تولى صلاح المر رفد الكتاب بسلسلة رســوم أسهمت في صناعة تشابك نصّي وتشكيلي ينشّط أوجُه التأويل.

يسخّر إمـام، ببراعة لافتة، مزيجاً من ثلاثة عناصر تبدو للوهلة الأولى متنافرة من حيث ما تسعى إلى إيصاله من رسائل فنية إلى قارئها: 1( صيغة القصة القصيرة، التي تحكي بالفعل عن شخوص وحوادث )امرأة ذات عين واحـدة، فتاة لا تنظر إلى أعلى، زوجة صائغ تكره الذهب، رجل لم يحلم أبداً، إسكافي مجنّح وحذاء يتكلم، سقّاء في قرية مليئة بالدموع، بائع معجزات..(؛ و2( منظومة ســـرد تـتـوالـد ذاتــيــاً، وبانتظام ذكي هنا أيضاً، على شاكلة لا تحيل إلى ألف ليلة وليلة فقط؛ و3( لغة تمزج المعجم الخـام بالمجاز الشعري، والــدلالـ­ـة المتقشفة فـي قلب التعبير المنسرح، تحت حصيلة قصدية مركزية تتوخى الفانتازي والعجائبي، في مدينة لا يقتصر إعجازها على حوائط لا تبدأ مكاناً ولا تنتهي زماناً.

هنا فقرات من مستهل المجموعة:

«ذات يوم كانت هناك مدينة، قرر أهلها أن تصير بيتاً، لأنهم أرادوا أن يصبحوا أخـــوة رغــم خـصـام الـــدم.. فحطموا حوائط بيوتهم وصنعوا أربعة حوائط هائلة لتصير المدينة كلها، بينها، بيتهم. صــاروا جميعاً أسـرة واحـدة، أو هكذا اعتقدوا، لكنهم كانوا مع كل صباح يفقدون واحـــداً منهم، يغادر جثمانه البيت تاركاً مكانه بقعة من الدماء. لم يُعرف أبــداً أي من سكان البيت الكبير كان القاتل، حتى تبقى إثنان، رجل وامرأة.

لم يكن أحدهما بحاجة ليفكر أنه سيكون ضحية الآخر، لأنّ كليهما كان يعرف، أنه هو القاتل.

هـكـذا نـشـأت سـالـة جـديـدة على أنقاض مدينة بائدة. ورغم أنهم كانوا هـذه المـرة إخـوة حقيقيين، إلا أنّ كلاً منهم أراد أن تكون له حوائطه: فقط حوائط، لا أبواب أو أسقف، فقد فطنوا أن البيوت تُخلق ليُقتل الناس فيها. الطرقات الرفيعة بين الحوائط صارت تشكّل متاهة حتى أصبحت حوائط المدينة اللانهائية أكثر من طرقاتها، ومن عدد سكانها». الدار المصرية اللبنانية،

القاهرة 2018

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom