Al-Quds Al-Arabi

هاخر بيترز: «مالفا»

-

ترجمة: لمياء المقدم لأنّ التفاصيل تخصّ جانباً مأساوياً في حياة شاعر تشيلي الكبير بابلو نيرودا، أي حكاية ابنته مالفا التي ولدت مصابة بالاستسقاء الدماغي فانتبذها على نحو بالغ القسوة والجحود والغموض معاً؛ فقد كان خيراً أن تنصف الحكاية امرأة شاعرة )هذا هو العمل الروائي الأول للشاعرة الهولندية هاخر بيترز، التي وقّعت «ثمة اليوم ما يكفي من القصائد عن الحبّ،» و«حقائب سفر ملأى بهواء البحر،» و«عدّاء الضياء»؛)... واكتمل الخير بترجمة إلى العربية أنجزتها امرأة شاعرة أيضاً )المقدّم شاعرة تونسية تقيم في هولندا، ولها «بطعم الفاكهة الشتوية»، و«انتهت هذه القصيدة.. انتهى هذا الحبّ.)»

ثمة، إذن، الكثير من الشعر في هذا العمل، ابتداءً من استحضار شعراء كمنوا كشخوص، وشهود، ثانويين في قلب الدوامة الشعورية والجسدية الرهيبة التي عصفت بالصبية المعاقة، وهي تجاهد لإثبات وجـود افتراضي لاحق بعد الرحيل )لوركا، شيمبورسكا، فنسنت ألكسندر...(؛ مروراً بالجرعات الشعرية، الرهيفة تارة والجارفة طوراً، التي أفلحت بيترز في ضخّها داخل جملة سردية مشدودة وعالية التوتر بحكم ضرورات الحكاية؛ وليس انتهاء، غنيّ عن القول، بفصحى بهية، لا تقلّ شعراً وشاعرية، برعت المقدم في اقتراحها، وتسخيرها، لملاءمة نثر شاقّ وسرد متعدد السطوح والأصوات. هذا الامتياز الشعري للرواية لا يتوجب أن يُخفي سمة اخرى كبيرة اقترنت بها، أي مقدار البحث الأرشيفي الهائل الذي عكفت عليه بيترز وأحسنت تشذيبه وتوظيفه، ضمن نواس شاقّ بين الوثيقة والمخيلة، وبين إنصاف قامة شعرية كبيرة وإماطة اللثام عن بواطنها الإنسانية السوداء. هنا فقرة الختام في الرواية: «سيداتي سادتي، ربما يكون الأمر قد تأخر كثيراً، لكن ها إن اللحظة حانت في النهاية، أنتم لا تعرفون سبب دعوتكم لهذا الحفل، تعتقدون أنكم جئتم لتوديعي قبل مغادرتي مدينة مكسيكو الرائعة )ثمّ يقول بعض العبارات بحقّ مكسيكو(، لكنني في الواقع ضللتكم ودعوتكم لسبب مختلف تماماً، بدافع الرغبة في مفاجأتكم. في الحقيقة أنا أرغب في أن أعرفكم على أهمّ شخص في حياتي، شخص أخفيت وجوده سنوات طويلة لتختمر المفاجأة وتتعتق. أيها السيدات والسادة: ها هي أخيراً، تلك التي رأيتموها منذ قليل ترقص على الطاولة، إنها ابنتي الرائعة مالفا مارينا .» الساقي، بيروت 2018

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom