Al-Quds Al-Arabi

ليلة الحكم على بوعشرين: أمل فصدمة وشعارات تهز المحكمة

استقبل الحكم مبتسما

- الرباط ـ «القدس العربي»: سعيدة الكامل لندن ـ «القدس العربي»:

بعد ثمانية أشهر ونصف من جلسات تعقد وترفع ومداد يسيل على الصحف وتصريحات متباينة لهيئات الدفاع عن الطرفين، أسدلت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء الستار عن الفصل الأول من محاكمة الصحافي توفيق بوعشرين، مالك جريدة «أخبار اليوم» بحكم أثار صدمة في الوسط الصحافي: 12 عاما سجنا نافذة وغرامة قدرها مئتا ألـف درهــم. حكم اهتزت له أركان محكمة الاستئناف فتعالت الــشــعــ­ارات المــنــدد­ة بــه فــي قلب المحكمة، العشرات من الصحافيين وأفــــراد عـائـلـة المعتقل وذويـــه وأصدقائه ومتابعين لإصــدارات جـريـدتـه انـتـفـضـو­ا لحـظـة نطق القاضي بالحكم يرددون: «يسقط الظلم». إغـمـاءات وحالة هيجان كبير في المحكمة وصحافيون ممن يغطون الجلسة خلف الكاميرات و«المـيـكـرو­فـون» اختلطت المهنة بملح دمـع العين، منهم من غالبه الدمع وهو يأخذ تصريحات تعليقا على الحكم ومن لم يتمالك نفسه بالتعبير عن الغضب احتجاجا، فقد اختلفت المواقع والتهم والمصاب كــان واحـــدا، الجسم الصحافي المـــغـــ­ربـــي «أصـــيـــب فـــي أنجــب صحافييه وأشهر كاتب افتتاحيات نقدية»، كما ورد على لسان العديد منهم من التالي؟

وبعد ست ساعات من انتظار انتهاء مــداولات هيئة الحكم في حكمها، وقــف بوعشرين أمـام المحكمة وهو يسمع ومعه القاعة أن المحكمة تدينه بــ»الاتجـار في البشر» و«الاغتصاب» و«محاولة الاغــتــص­ــاب» وتحــكــم عـلـيـه 12 سنة سجنا ولصالح المشتكيات تعويضات مالية وصل مجموعها 2 مليون درهم. رفع بوعشرين شارة نصر ملوحا بها لمسانديه في القاعة وابتسم وهو يغادرها نحو سجنه «عين البرجة» في الـدار البيضاء. فقد قـال كلمته الأخـيـرة قبل أن تنطق المحكمة حكمها وكانت طويلة حسب دفاعه ورافع فيها بالقانون وعلم السياسة وحس الصحافي حسب محاميه الذين أجمعوا أنها كانت أفضل مرافعة فـي تاريخ جـلـسـاتـه، فـكـك فيها الأشـرطـة المنسوبة إلـيـه وحيثيات ملفه وعلاقة الصحافة بالسلطة ومما جاء فيها «محاكمتي اليوم لا صلة لها بما يراج الآن داخل المحكمة، أنا أحاكم بسبب مواقفي وكتاباتي الصحافية، وسعيي الـدائـم لأن أكــون حــرا غير خـاضـع» مضيفا «القاضي إذا حكم بـالـبـراء­ة لن يخسر شيئا، لكن إذا حكم بالإدانة سيخسر الكثير، وخصوصا ونحن في عصر استقلال القضاء المغربي عن أي سلطة سياسية، وحكمه سيكون بمثابة مرجعية سيأخذ بها في باقي ملفات الصحافيين، والحــكــم بـــالإدان­ـــة هــو إخـــراس للجميع».

زوجــــة بــوعــشــ­ريــن، أســمــاء الموساوي علقت على الحكم قائلة «تـوفـيـق ضـحـك وأنـــا ابتسمت

أثـار السجال الحـاد الـذي اندلع على مـرآى ومسمع العالم بأكمله بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبين مراسل شبكة «سي ان ان» الأمريكية جون أكوستا، جدلاً واسعاً في العالم العربي وتحول إلى مادة للسجال على شبكات التواصل الاجتماعي بين النشطاء العرب، كما فتح الباب أمام الكثير من الأسئلة حول الدور الذي يتوجب على الصحافيين أن يلعبوه من خلال مهنتهم.

ونشب الجدال بين ترامب وأكوستا خلال مؤتمر صحافي عقد في البيت الأبيض، حيث وصف ترامب المراسل بأنه «وقح وكذاب» واتهم شبكة «سي ان ان» بأنها تبث الأكاذيب وإنها لذلك «عدو الشعب» فيما سارع موظفو البيت الأبيض ومساعدو الرئيس لمحاولة أخذ المايكروفو­ن من يد المراسل الصحافي وإسكاته، وهو ما رفضه المراسل مواصلا الحديث وطرح الأسئلة التي تستفز الرئيس.

ولاحقاً لذلك، أوقف البيت الأبيض التصريح الصحافي لمراسل شبكة «سي ان ان» ما يعني أنه أصبح ممنوعا من حضور المؤتمرات الصحافية التي تعقد داخل البيت الأبيض، سواء التي يعقدها الرئيس أو أي من مساعديه أو حتى المتحدث باسم البيت الأبيض.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز «البيت الأبيض علّق والذين يشربون نخب انتصارهم الحقير مثلهم، أقول لهم، سنلتقي في محكمة أخـرى وأنتم غافلون عنها، الحمد لله وحسبي الله ونعم الوكيل .»

«الحـــكـــ­م مــتــوقــ­ع لــيــس لأن بوعشرين حقيقة مــذنــب. لدي قناعة أن الرجل غير مذنب وإنما يــؤدي ضريبة أفـكـاره، قد تكون له أخطاء ولكن هذا لا يعني أنها ترتقي لجناية أو حتى جنح» يقول عبد الرحيم العلام، أستاذ جامعي مختص في القانون في تصريح لـ«القدس العربي» موضحا: «لقد كان متوقعا، لأن الذين حضروا للملف لم يحضروه لتبرئة توفيق بل لإدانـتـه، سجنه كـان محضرا له قبل اعتقاله، الرجل حتى وإن وجده القاضي بريئا من الصعب عليه تبـــرئته فالطـــريق­ة الــتي طبخ بها هذا الملف لا يمكن إلا أن تجعلنا نتوقع هذا الحكم أو ربما أكثر منه .»

واعـتـبـر المحـامـي عبد الصمد الإدريسي الحكم الـذي قضت به المحكمة «حكما مجانبا للصواب في منطوقه الـذي أعلنته المحكمة في الساعات الأولى في هذا اليوم» مضيفا لـ«القدس العربي»: «في انتظار ظهور التعليل الـذي تبنته المحكمة يمكن أن أقول أيضا أن المدة المحكوم بها قاسية جدا ولم تكن منتظرة بالنسبة لنا كدفاع. كما أن الإدانة تمت وفق نفس صك المتابعة الذي سطرته النيابة العامة رغم ما قدمناه أمام المحكمة من دفوعات فندت كل ما بنت عليه متابعتها» مؤكدا أن المحكمة ردت بالرفض لكل طلبات دفاع بوعشرين خاتما قوله بــأن «المسطرة التي أحيل وفـقـهـا تـوفـيـق بـوعـشـريـ­ن على المحكمة عرفت خـروقـات كبيرة للقانون تصل إلى درجة الجسامة. ولو طبق القانون تطبيقا سليما لما تم اعتقال بوعشرين منذ 23 فبراير الماضي».

وكــتــب الــقــيــ­ادي فــي جماعة «الـعـدل والإحــســ­ان» الإسلامية المعارضة وعضو «لجنة الحقيقة والـــعـــ­دالـــة فـــي قـضـيـة توفيق بوعشرين» قائلا «أن الحكم الذي صـدر في حق الصحافي توفيق بوعشرين هو حكم قاسي وبأن محاكمته حضر فيها كل شيء إلا أبسط شروط العدالة والحقيقة، حكم يثبت أن الـغـرض أكبر من الانتقام من بوعشرين» مضيفا «كــان يكفي للانتقام والتعذيب ما قضاه حتى الآن في السجن، لكن المبتغى كــان أبـعـد مـن ذلك وهو الإعدام المهني لصحافي كان ما يـزال يحتفظ لنفسه بمساحة من حرية الـرأي، ومن خلاله بعث رسالة تحدد وظيفة الصحافة في المغرب يــراد بـأن تغمض عينيها وتصم أذنيها وتردد فقط ما يحلو للمتسلطين» خاتما تدوينته بالقول أنـه «حكم خــارج القانون ..حكم خارج المنطق ..يخرج العقل. حكم سياسي ..حكم انتقائي ..حكم انتقامي».

وعـــلـــى شــبــكــا­ت الــتــواص­ــل الاجتماعي انتشر الحكم سريعا رغـم صــدوره فجرا، ولـم تستطع التهم أن تحجب عن المعلقين عنه حضور البعد الصحافي فيه وربطه بمنسوب الحرية المتراجع والذي رصدته عدة منظمات غير حكومية محلية ودولــيــة، فربط المعلقون بـن كتابات بوعشرين وتغطية جريدته لحراك الريف والأحـداث الاجتماعية المتتالية وانـزعـاج جــهــات نـــافـــذ­ة ممـــا يـكـتـب في افتتاحياته بين صفحات الجريدة. وأصـــدرت «أخـبـار الـيـوم» ملحقا استثنائيا خاصا بالمحاكمة وفرته بالمجان لقرائها بالأكشاك عنونته بـــ»ورطــة الــقــرن ..بـعـد معتقلي الريف وجرادة والمهداوي القضاء يحكم على بوعشرين بعشرين سنة سجنا .»

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom