Al-Quds Al-Arabi

لبنان: الدين العام يتخطّى عتبة 150 في المئة من الناتج المحلي وفق تقرير البنك الدولي

- بيروت ـ «القدس العربي»: ناديا الياس

كثرت التحذيرات الدولية حيال ما آلت إليه الأوضـاع في البلاد التي تقترب من المأزق المالي والاقتصادي بسبب التدهور السريع الــذي يطال سائر النشاطات والأعمال، ويؤّدي إلى استنزاف ما تبقى مـن طـاقـات وامـكـانـا­ت بشكل عــام في ظلّ عرقلة تشكيل الحكومة والخطوات الإصلاحية واستمرار الأزمــة السورية وتداعياتها على الاقتصاد، الأمر الذي ينذر بمستقبل قاتم للاقتصاد وهذا ما حذّر منه مؤّخراً البنك الدولي.

وعلى ضوء الانذارات التي وجّهها البنك الدولي والسياسات الاقتصادية والنقدية في لبنان، التقت «القدس العربي» الدكتورة سهام رزق الله الاستاذة المحاضرة في جامعة القديس يوسف كلية الاقتصاد، والمــســت­ــشــارة فــي الـسـيـاسـ­ة النقدية والاقتصاد الاجتماعي التي قدّمت رؤيتها الاقتصادية الشاملة، وطالبت بتشكيل الحكومة سريعاً للحؤول دون التدهور الأخطر للوضع الاقتصادي للبلاد وتفويت فرصة الاستفادة من الصدمة الإيجابية التي وعـد لبنان بها من مؤتمر «سيدر» كما حذّرت من خطورة التمادي في تأجيل الإصلاح الاقتصادي المنشود .

واســتــعـ­ـرضــت رزق الــلــه «الــوضــع الاقتصادي الذي يشهد تراجعاً متزايداً منذ اندلاع الأزمة في سوريا، وقد تراجع معدّل نمّــوه الاقتصادي من نحو 8 في المئة قبل الأزمة السورية إلى حدود 1 في المئة اليوم والمعروف أنّ التأثير الأساسي لأحداث سوريا على اقتصاد لبنان يكمن من ناحية في كون سوريا البوابة البرية الوحيدة للبنان نحو مختلف البلدان العربية إن كــان لانتقال البضائع أو الأشخاص )أيّ للتجارة كما للسياحة وهما ركيزتا الاقتصاد اللبناني(.

ومــن ناحية أخـــرى نـظـراً للتكاليف المباشرة وغير المباشرة لأعداد النازحين السوريين إلى لبنان. إلا أنه لا يمكن تحميل الأزمة السورية المسؤولية الكاملة، وعلى الرغم من أهمية تأثيرها، إذ ثمة تعثّرات كبرى للاقتصاد اللبناني لاسيما بسبب أوضاع المالية العامة التي تلقي بأعبائها على النظام المصرفي ككل )مصرف لبنان والمــصــا­رف التجارية( وتـزيـد الترابط بينها من خلال عمليات الهندسات المالية المتلاحقة والناجحة حتى الآن في إدارة الأزمــة والـدفـاع المستمر عن الاستقرار النقدي».

وأكدّت رزق الله أنه «لا يمكن الاستمرار إلى ما لا نهاية في إدارة أزمة المالية العامة وفي تسجيل العجز المالي المتزايد والذي يزيد الدين العام أكثر من 7 في المئة سنوّياً في حين لا يزيد نمّو الاقتصاد أكثر من 1 في المئة سنوياً. لاسيما مع تزايد مستوى الفوائد وبالتالي خدمة الدين التي باتت تمتص أكثر من ثلث الناتج المحلي السنوي ويتخطى الدين العام عتبة 150 في المئة من الناتج المحلي وفق التقارير المحلية والدولية وآخرها نشرة تشرين الأول/اكتوبر 2018 للبنك الدولي».

ورأت انه «لا يمكن الاستمرار في نقل الضغط من المالية العامة على الجهاز المـصـرفـي المــســؤو­ل عــن تمـويـل كامل الاقتصاد بما فيه القطاع الخاص وليس القطاع الـعـام وحـــده، وبالتالي عندما تـتـوجّـه حصة مـتـزايـدة مـن توظيفات المصارف بالليرة وبالدولار نحو تمويل الدولة وترتفع معدلات الفوائد على النحو الـذي أصبحت عليه اليوم يصعب أكثر فأكثر حصول القطاعات الاقتصادية على التمويل الضروري للاستثمار الخاص» مشيرة فـي الـوقـت عينه إلــى «أنّ هذا الاستثمار لا يتوقّف فقط على تأثير الأزمة السورية أو معدّل الفوائد المتزايد أيضاً من جراء المخاطر بل يتطلّب مناخاً استثمارياً إيجابياً يستلزم أولاً وسريعاً تشكيل حكومة اليوم قبل الغد».

واعتبرت الـدكـتـور­ة سهام رزق الله «أنّ تشكيل الحكومة اليوم لم يعد مطلباً سياسياً فقط لانتظام عمل المؤسسات إنما مطلباً اقتصادياً ملحّاً أيضاً للحؤول دون التدهور الأخطر للوضع الاقتصادي للبلاد وتفويت فرصة الاسـتـفـا­دة من الصدمة الإيجابية التي وعـد لبنان بها مـن مؤتمر سـيـدر، والـــذي الـتـزم خلاله بجملة إصلاحات فعلية تتطلّب تكاتف سهام رزق الله وتضامن لضبط الهدر وتحسين المالية العامة وتحريك العجلة الاقتصادية وخلق فرص العمل وكسر الحلقة المفرغة لتنامي المديونية العامة».

وأكدّت في السياق عينه «أن الأوضاع الاجتماعيّة والمعيشية التي يشهدها لبنان لم تعد تحتمل تأجيل الملفات وإدارة الأزمات عبر تأخير انفجارها، بل تتطلّب معالجة جذرية لها على جميع المستويات خاصة وقد ارتفعت نسبة البطالة، لتتجاوز الـ25 في المئة وأكثر، وكذلك معدّلات الفقر وتراجع مؤشرات التنمية المستدامة في جميع الميادين».

وتطرقت إلى تحذيرات البنك الدولي الأخــيــر­ة فـقـالـت «يـكـفـي الـنـظـر لمجـرى تـطـوّر المــؤشّــرات الاقتصادية الـــواردة في منشورات البنك الدولي الأخيرة في الجدول لتبيان خطورة التمادي في تأجيل الإصـــاح الاقـتـصـا­دي المنشود والمـلـحّ، والــذي لا يمكن حصوله إلا مع تشكيل حكومة سريعاً والتضامن في معالجة الملفات الأساسية».

وأكـدت «أن تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية إلى الــدولار الأمريكي والدفاع عن استقراره الـدائـم بـات عنصر الثقة الأســاســ­ي، كــي لا نـقـول الـوحـيـد، في الاقتصاد اللبناني، وقـد نجح المصرف المــركــز­ي فـي المحافظة عليه فـي أحلك التجارب التي مرّ بها لبنان في السنوات الأخيرة ولا يـزال، إلاّ أنّ المشهد الكامل لـاقـتـصـا­د يـتـطـلّـب الـنـظـر إلـــى جملة المؤشرات في المالية العامة كما في حركة القطاعات الاقتصادية التي تحتاج لمناخ استثماري إيجابي وإصــاح اقتصادي فعليّ لتخفيف الضغط عن النقد والجهاز المصرفي ليلعب دوره الكامل كعمود فقري للاقتصاد ككل وليس كداعم اضطراري دائم لضعف المالية العامة للدولة».

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom