Al-Quds Al-Arabi

مدن وآثـــار

- عبد السلام صبحي طه

ان جوهر فكرة الاهتمام بالحفاظ على الإرث لا يتعلق بتمجيد الماضي أو إقحامه قسراً على مسرح الحـاضـر، وانمــا تقديمه للناس كـي يتمكنوا من التعرف على حاضرهم بشكل أفضل، كون التراث أحد منابعه الأصيلة، بما قد يضعه بموضع حجر أساس لبناء المستقبل. إذا الأمر ليس متعلقاً بتقديس الأثر في حد ذاته وإنما احترامه وفهمه جيدا ضمن سياقاته، واعتباره محطة للتعريف بأحد العناصر المؤسسة للذات الوطنية. والتي هي من مقومات بناء الأمة.

وفــي قــول مـأثـور لعالم السومريات الشهير صموئيل نوح كريمر )1897-1990( ان «التاريخ ابتدأ من سومر» وهذه شهادة ولا أصدق من عارف أفنى عمره ما بين ألواح سومر، ستكون مدخلنا لهذا المقال.

عُــرف عن أهـل الـعـراق القديم اهتمامهم بإرث الأســـاف، فهم أدركـــوا جيدا ومنذ فجر التاريخ انهم ورثة بلد عريق ذو تاريخ مجيد. سنحاول في هذا المقال تفصيل شواهد تركوها لنا من الأرشيف الآثاري الغني الذي ورثناه، وهو غيض من فيض. طقوس صيانة البنايات القديمة

في أحد النصوص العراقية القديمة، والتي ترقى إلى الفترة السلوقية 312) إلى 238 ق.م( والتي خلفت حُقبة الاسكندر المقدوني المتوفى في بابل في العام )323 ق.م(، يرد تفصيل لطقوس تتعلق بالبناء والعمارة وكيفية التعامل مع المنشآت القديمة الدينية منها كالمعابد والقصور الحكومية، ويبدو ان هذه الطقوس قد تناقلتها الأجيال وسنجد جذورا لها ترقى إلى العصور السومرية في مطلع الألف الثالث ق.م. ينص الطقس على ان يقوم كاهن التعزيم الخــاص المدعو «الكالو- » برفع طابوقة من المعبد القديم ووضعها في مذبح المعبد الجديد وخلال تلك العملية تتم تلاوة تراتيل قديمة لآلهة البناءوالت­شييد«كولا «أوإلى)بنّاءأنليل العظيم ويُلفظ موش دام مو؛

) وبعضها كانت بلغة المعابد المقدسة السومرية. الفكرة كانت بالإبقاء على المنشآت القديمة المكشوف عنها ومعاملتها بحذر شديد عن طريق حفظ ما تبقى ومـن ثم البناء من حوله أو عليه، وفي هذا دلالة على قدسية الُمنشأ القديم. هكذا طقوس كانت تسبقها في العادة عملية مسح دقيقة للموقع بعد إجراء الكشف من قبل الكاهن الخبير المختص «البارو» كي يتم تفادي الدمار والضرر ما أمكن.

كان سكان البلد ينتبهون باستمرار لهذا الأمر بدليل كميات النصوص التي عُثر عليها وتفصّل الأمر بشكل صريح. ان التراكم التاريخي الكبير الحاصل في بلاد النهرين آنذاك، أورث الشعب بيئة ثقافية غنية دفعت أبناءه إلى الاهتمام بما توارثوه فوضعوا نصوص الفأل - الشومّا ألو )إذا(

وردتـنـا قائمة طويلة مـن النصوص الخاصة بطقوس الأدعية المتعلقة بالترميم من العصر البابلي القديمة «الأمــوري» والتي استمر العمل فيها حتى العصر السلوقي، ترد فيها تعاليم معروفة بالشوما آلو )وترجمة مجموعة تلك التعاليم: إذا مدينة في الأعالي( وتشمل الأبنية الخاصة بالسلطات الدينية والسياسية وحتى بيوت العامة من الناس. إذا رمم شخص معبداً، فسيحالفه الحظ الجيد. إذا هدم شخص معبداً، فسيبتلعه النهر )طقس عـراقـي قــديم، يُستخدم للحكم على الـسـيء من الناس(.

إذا نقل أحدهم هيكلاً، فسينتهي هذا الشخص حطاماً. إذا رمم أحدهم مُنشأً قديماُ، فأن إلهه سيكافئه. هذا النص مثال لقائمة طويلة من نصوص كانت تتلى كجزء من طقس حماية منشآت وتماثيل لآلهة وملوك وبها تعليمات واضحة وصريحة باتباع منهجية محددة لئلا تقلق الآلهة وتنزعج.

هكذا وصايا يحيط بتفاصيلها كهنة مختصون يـدعـون «بـــارو» ولديهم خـبـرات بعلوم المساحة والتخمين الانشائي، وهـم يقومون كذلك بمهمة التدقيق بشأن اللقى والعاديات التي يتم العثور عليها في طبقة الأسس القديمة من أحجار وشواهد أسس وآجر، فهذه جميعها تعتبر عرفاُ ذاكرة المكان المقدسة، والاهتمام بالحفاظ عليها سيجلب رضا الآلهة وقبولها والمكافئة بالحظ السعيد للأرض ومن سيسكنها. ملوك وآثار ومتاحف عراقية قديمة تُخبرنا الرقم الطينية أن العاهل البابلي الكلدي

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom