Al-Quds Al-Arabi

الانتخابات النصفية تؤجل نهاية «النموذج الأمريكي» على يد ترامب

حرب أهلية باردة في الولايات المتحدة

- واشنطن ـ «القدس العربي»: رائد صالحة

إلى البلاد.

صراع بين أمتين داخل أمة واحدة

الحملة الانتخابية الرئاسية لترامب في عام 2016 كانت الأكثر إثارة للانقسامات العرقية في التاريخ الحديث، ووصلت هذه الانقسامات إلى حد القول بظهور نوع من «الحرب الأهلية الباردة» على حد وصف الصحافة الأمريكية، وكان انتصار ترامب علامة على ان الجزء الأصغر والأكثر محافظة في البلاد من الناحية العرقية لن يقبل التغيير الاجتماعي دون قتال.

وتوضح بيانات الانتخابات النصفية النمط العنصري والعرقي والثقافي الواضح في التصويت، إذ حصل الحزب الديمقراطي على 90 في المئة من أصوات السود و69 من أصوات اللاتينيين و77 في المئة من أصوات الآسيويين وأصوات المتعلمين، خاصة النساء.

والسبب الذي يدعو العديد من المراقبين إلى التحدث عن حرب أهلية باردة، هو أن النزاع السياسي بين المعسكرين لهما رؤى مختلفة جوهريا عن طبيعة البلد، مع وجود مساحة صغيرة للتسوية، أنها ليست معركة بالرصاص بل مسابقات سياسية مريرة.

وينظر الجمهوريون والديمقراط­يون على نحو متزايد إلى أنفسهم باعتبارهم جزءا من مجموعات ثقافية متميزة بشكل أساسي، وهم يتابعون وسائل إعلام مختلفة ويذهبون لكنائس مختلفة ويعيشون في أماكن مختلفة، ونادرا ما يتفاعلون مع أشخاص يختلفون عنهم.

وكشفت الانتخابات النصفية ان الانتماء للحزب الجمهوري أو الديمقراطي ليس مجرد انتماء سياسي، بل هوية جامدة تتوافق مع الهوية المميزة لكل طرف، والانقساما­ت السياسية أصبحت قوية وذاتية التعزيز، ولا يميل الأشخاص إلى التنازل عندما تظهر هويتهم الأساسية في ورقة الاقتراع، ولهذا السبب فأن الأمر يشبه حرباً أهلية، صراع بين أمتين داخل أمة واحدة دون أي مجال للتسوية الواضحة.

وكتبت ليلينا ماسون، من جامعة ماريلاند في كتابها «اتفاقية غير حضارية»: «كلما أصبحنا أكثر تنوعا، كلما تفاعلنا بشكل أكثر عاطفية مع الأحداث السياسية العادية وكلما ازداد الغضب وقلت القدرة على إيجاد أرضية مشتركة على السياسات».

وتوضح نتائج انتخابات التجديد النصفي أنه بغض النظر عن تفضيل الأحزاب، فإن «تأثير ترامب» حقيقي على غرار انتخابات 2016 إذ وصلت نسبة إقبال الناخبين إلى مستويات قياسية، لا سيما بين سكان الريف، وفي ولايـات ترامب مثل أنديانا وميسوري ونوث داكوتا وفلوريدا، ومن ناحية أخرى، كان رد الفعل العكسي ضد ترامب واضحا في أحياء الضواحي مثل فيرفاكس وفيرجينيا ودالاس، وهي معاقل نموذجية للجمهوريين، وسواء كان الناس معه أو ضده، فمن الواضح أن الناخبين في جميع أنحاء أمريكا يمتلكون مشاعر قوية للغاية تجاه ترامب، ولديهم حرص على ابراز صوتهم مما قد يؤدي إلى حالة من التوازن المؤقت في واشنطن وتأجيل مشروع انهاء «النموذج الأمريكي».

راقب العالم عن كثب الانتخابات النصفية الأمريكية في محاولة لالتقاط مستقبل المسار الديمقراطي بسبب قلق حلفاء الولايات المتحدة من قرب نهاية «النموذج الأمريكي» ومسارعة الصين للترويج لنموذج «رأسمالية الدولة» كبديل قابل للتطبيق في البلدان النامية والمتقدمة على حد سواء، والأهم من ذلك، جلس الجميع في انتظار ما ستقدمه الانتخابات بشأن إدارة ترامب وسياساتها الخارجية.

ويعلم الأمريكيون جيدا تصاعد هذا القلق، إذ قال العديد من المحللين الأمريكيين إن الولايات المتحدة تملك الكثير من الأدوات لإدارة سياسة خارجية ناجحة في مصلحة واشنطن، ويمكن ان توفر الرخاء والأمن للشعب الأمريكي ولكن «علامتها التجارية» لن تقدم أداء جيداً على المستوى الدولي، وهناك أسباب تدعو الناس لأخذ اقتراحات الصين على محمل الجد وتجاهل الاقتراحات الأمريكية التي لا تبدو جيدة لهم.

وقال محللون أمريكيون ان المسؤولين في الاتحاد السوفييتي فشلوا خلال الحرب الباردة في تقديم حجة ذات مصداقية بأن نظامهم الشيوعي يمكن أن يحقق تقدما اجتماعيا واقتصاديا، وبالنسبة للولايات المتحدة اليوم، فقد ازداد غموض وتشويش السياسة الأمريكية الخارجية إلى حد عدم القدرة على الفاعلية والاستقطاب أو القدرة على مواجهة المشكلات الأساسية، وهكذا ستظهر النماذج الاستبدادي­ة أكثر جاذبية.

ولم يكن التصويت فقط عبارة عن استفتاء على أول عامين لترامب في المنصب ولكن، أيضا، كان حكماً على التوجهات الشعبوية التي يمثلها، وحسب ما قاله ستيفن هادلي، مستشار الأمن القومي للرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، فالاقتصاد ما زال يحقق نمواً مستداماً وشاملاً ولكن السياسة ممزقة، وهناك قائمة طويلة من المشاكل الاجتماعية والميزانيا­ت ومدفوعات الاحقاق وقضايا الهجرة.

وتوقع العديد من المحللين أن يقوم أصدقاء وخصوم الولايات المتحدة بقياس ما تقوله نتائج الانتخابات النصفية بشأن قدرة ترامب على أنهاء ولايته الأولى ومدى امكانية فوزه لمدة أربع سنوات أخرى، وسيحفز أي قرار نابع من هذه الاستنتاجا­ت على مدى المشاركة في القضايا المثيرة للجدل بدلا من «الانتظار»، بما في ذلك قضية المواجهة الأمريكية المتصاعدة مع إيران والمفاوضات الجارية مع كوريا الشمالية ومستقبل العقوبات الروسية وخدعة محادثات السلام في الشرق الأوسط إضافة إلى مجموعة من الصراعات التجارية مع الصين وأوروبا.

ويمكن أن توثر انتخابات منتصف المدة على السياسة الانتخابية حول العالم، والقضية تتجاوز ترامب، إذ يمتد تأثير البيئة السياسية والاجتماعي­ة الأمريكية على العالم، بما في ذلك حركة « أنا ايضا» التي جاءت كرد عنيف ضد التحرش الجنسي وسوء السلوك إضافة إلى مسيرات النساء والعلوم التي بدأت في الولايات المتحدة وتكررت في أوروبا. ومكّن خطاب «أمريكا أولا» وخطابات ترامب القادة ذوي التفكير المماثل في أوروبــا، إذ احتشدوا حول السياسات المناهضة للهجرة في حين ركز القادة في أمريكا اللاتينية على حملات مكافحة الفساد، ولكن في كل من القارتين، فقد تحدث القادة كثيرا عن الهام ترامب، وقد استفاد هولاء القادة من عجز السياسيين عن معالجة المخاوف المتزايدة لمجتمعاتهم من تأثير العولمة السريعة والتغيير التكنولوجي، وأمور أخرى غذت شكوك الناخبين.

وقال فريديريك كيمبي من المجلس الأطلسي للسياسات الخارجية إن أمريكا تراقب التأثير الذي ستتركه الانتخابات النصفية على الفترة المتبقية من ولاية ترامب وإمكانية إعادة انتخابه ولكن في الوقت نفسه، فإن المخاطر العالمية ربما تكون أكبر من أي انتخابات نصفية في ظل المنافسة العالمية للنماذج المختلفة وتصاعد تأثير رئاسة ترامب على قادة العالم والتأثير المتنامي على المستوى العالمي للسياسات الشعبوية.

وبالنسبة للمجتمع الأمريكي، فقد كشفت انتخابات التجديد النصفي عن «حرب أهلية باردة» في الولايات المتحدة بين سكان يكرهون ترامب وسكان يعشقونه، إذ بينت النتائج عن فجوة كبيرة بين الناخبين، حيث حقق الجمهوريون نتائج جيدة مع الناخبين في المناطق الريفية والناخبين البيض في الجنوب والناخبين من ذوي التعليم المتدني، في حين فاز الديمقراطي­ون بين سكان المدن والأقليات وضواحي المدن وأصحاب التعليم العالي، وقد أدت قوة هذه الانقسامات إلى بعض النتائج المربكة مثل فوز الجمهوريين الساحق في انتخابات مجلس الشيوخ في ولاية ميسوري.

وتوضح النتائج أن السياسة الأمريكية مستقطبة، كما قال زاك بيوشامب في منصة «فكس»، ليس على أساس الطبقة أو الأيديولوج­يا ولكن على الهوية، فالولايات المتحدة تنقسم الآن إلى معسكرين، أحدهما مفتوح أمام الهجرة الجماعية والتغييرات في التسلسل الهرمي العنصري التقليدي في البلاد، والآخر معادي له بشدة، وقد استغل الجمهوريون وترامب هذه الفجوة بشكل كبير من خلال الحديث المتواصل عن قوافل المهاجرين التي ستجلب القتلة وتجار المخدرات و«الحيوانات المفترسة»

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom