Al-Quds Al-Arabi

رسائل عسكرية إيرانية - روسية إلى أنقرة والمعارضة السورية

- دمشق- «القدس العربي» من هبة محمد:

يُثيــر التصعيــد الذي تشــهده جبهات الشــمال السوري تســاؤلات عن مواقف الفاعلين من استمرار سير اتفاق خفض التصعيد والمنطقة منزوعة السلاح، اذ جــاء بعد انقضاء مدة ليســت طويلــة من الهدوء النسبي الذي ساد في المدن والبلدات المشمولة بإتفاق «سوتشــي» المنبثق عن قمة بوتــن اروغان حول إدلب، ثم تعاظمت وتيرة الخروقات العسكرية خلال الأسبوعين الأخيرين بشــكل ملحوظ، وكانت الحدث الملفت في آخر الهجمات التي استهدفت مواقع «جيش العزة» في ريــف حماة قبل أيام، بمشــاركة الحرس الثوري الإيراني والميليشــ­يات التابعة له، والمراقبة الجوية الروسية، وفق ما أكدته مصادر المعارضة.

موقف روسيا حسب مراقبين يكمن وراء مصالحها في الســير قدمــاً بالاتفــاق للحفاظ على مكاســبها ونفوذهــا، وبعــدم التخلي المطلق عــن الاتفاق لأنه قد يفقدها ثقة الشــراكة والعلاقة مــع تركيا التي تم بناؤها، إلّا أن روسيا لا تريد غالباً الإبقاء على الاتفاق بشــكلّه الحالي، لأنه لم يلبِّ أصــًا جميع مصالحها الاستراتيج­ية، وبالتالي فإنها قد تذهب للضغط على تركيــا ودفعها لتقديم تنازلات مقابــل تجديد الاتفاق بعد صياغته بشكل آخر.

حذر روسي

وطالما أن العلاقة والشــراكة بين تركيا وروســيا مــا تزال قائمة على عامل بناء الثقــة المتبادلة، يرجح مركز جسور للدراســات أن موسكو تنظر بعين الحذر إلى عــودة العلاقــات الأمريكية التركية لســياقها الطبيعــي وما يترتــب عليها من توجّه مشــترك بين البلديــن في شــرقي الفرات، خصوصــاً إذا كان ذلك لا يأخذ بالحســبان المصالح والمكاســب الروسية في غرب الفرات. ومن المفيد القول إن موسكو لا تنظر إلى الاتفاق في الشمال السوري بمعزل عن بقية الملفات في سوريا، وهي غالباً ما تريد جعله وسيلة للتفاوض مع الولايات المتحدة من أجل الوصول إلى تسوية نهائية تشــمل حلّاً لقضايا عدّة منها تــوزع القوات الأجنبية والقواعد العسكرية والمسار السياسي وتواجد إيران ودورها في سوريا.

ما ســبق يعطي فهمــاً أوليــاً لســياق التصعيد والخروقات التي تشــهدها جبهات الشمال السوري، حيث أن روسيا تريد الضغط على تركيا من أجل تقديم مزيد من التنازلات إلى جانب تنفيذ التزاماتها بأسرع وقت، وأن إيــران تريد معرفة مســافة المناورة التي يُمكن أن تتحــرك ضمنها، خصوصــاً وأنها اضطرت للقبول بالاتفاق.

ميدانياً، تبنت تحرير الشــام هجومــاً ضد مواقع للنظام الســوري يوم الســبت، في منطقة حلفايا في ريف حماة الشــمالي الغربي عند الأطراف الخارجية للمنطقــة المنزوعة الســاح» التي حددهــا الاتفاق الروســي التركي فــي محافظة إدلــب ومحيطها، وأعلنت الهيئة مقتل 18 عنصراً من قوات النظام بينهم أربعة ضباط، بالإضافة إلى ســبعة جنود من القوات الروسية قتلوا في الهجوم ذاته.

ونقلت وكالــة «إباء» عن القيادي العســكري في الهيئة «عمر المحمود» قوله: العملية نفذتها «العصائب الحمراء» التابعة لتحرير الشام، وأن العملية جاءت رداً علــى «المجزرة الإيرانية» التي قُتل فيها 20 عنصراً من مقاتلي «جيش العزة» التابع للمعارضة السورية المسلحة.

كما نوه القيادي إلــى أن العملية «رد مبدئي» على هجمــات النظام الســوري في منطقــة «الزلاقيات»، وبأنها اســتهدفت غرفة عمليــات ذات تحصين عالي، مشــيراً إلى أن هذه الغرفة العســكرية الوحيدة في المنطقــة، وبأنهم يرصدون العديد مــن الأهداف التي سيتم استهدافها في الوقت والطريقة المناسبتين، وفق قوله.

وحمل الأســبوعا­ن الأخيران توتراً متصاعداً في منطقة خفض التصعيد، كانت أولى حلقاته، آخر شهر تشرين الأول/أكتوبر الفائت، إذ اتهمت وزارة الدفاع الروســية فصائل المعارضة السورية بنقل 20 حاوية بحجــم 10 ليترات تحتــوي على مــادة الكلور بزعم القيام باســتفزاز­ات في الشمال الســوري وإلصاق التهمة بالنظام.

رسائل للضامن التركي

وعقب ذلك بيومين، ارتكتب قوات النظام السوري مجزرة ذهــب ضحيتهــا عشــرة مدنيين فــي بلدة «جرجناز» جنوب شــرق إدلب، اوجب ذلك رد قوات المعارضة حيــث قتلت أربعة عناصــر للنظام، وفي 9 تشــرين الثاني- نوفمبر الحالي، تســللت مجموعة تابعة للحــرس الثوري الإيراني إلــى جانب عناصر من النظام السوري إلى حاجز الزلاقيات شمال حماة ونفذت عملية أدّت لمقتــل أكثر من 20 مقاتلاً من جيش العزة، وفي العاشــر من الشــهر ذاتــه أعلنت هيئة تحرير الشام تنفيذ عملية أمنية خلف خطوط التماس التابعة لقوات النظام، وقتلت فيها 7 جنود روس و18 عنصراً لقوات النظام بينهم أربعة ضباط.

واعتبر القيادي في الجيش السوري الحر، العقيد فاتح حســون تكرار الهجمات التي يقــوم بها النظام وداعموه فــي الآونة الأخيــرة في المنطقــة منزوعة السلاح ومناطق التماس شــمال البلاد، بأنها رسائل ترســلها الدول المعنية للضامن التركي، لا للمعارضة الســورية فقط، فالعمليات المحــدودة المنفذة أخيراً من قبل قوات النظــام والحرس الثوري الإيراني براً، بمشاركة طيران الاستطلاع الروسي جواً هي عمليات منســقة من قبل مقر قيادة التحالف الثلاثي المشترك للــروس والإيرانيي­ن والنظــام، وقــد كان لكل منهم رسالته الخاصة التي يود إرسالها.

رســالة إيران العســكرية جاءت وفــق القيادي، لشــعورها بالإقصــاء، بعــد «القمــة الرباعية» في اســطنبول التي ضمت - إلى تركيا وروسيا - فرنسا وألمانيا، وتجاهل انها احد اضلاع مثلث «أستانة»، أما الروس فقد ســبب التقارب «التركي الأمريكي» الذي يمضي بخطوات سريعة تبدو ثابتة، لهم الارباك، وإن كانت تصريحاتهم العلنية لا توحي بذلك، فهم أرادوا أن يلفتــوا انتباه انقرة لإمكانية تخريب ما تم الاتفاق عليه، في حال جنحت أنقرة باتجاه واشنطن، وعلى صعيــد قوات النظام فلا حول ولا قــوة لها لا بالقرار، ولا بالعمل، ولكنها تحتاج لإرضاء داعميها وأن تثبت وجودهــا علــى الأرض بعد ظهور ضعفهــا وعجزها وبالتالي فإن رسالتها لا تتخطى حاضنة النظام.

ولم يســتبعد في تصريحه لـ «القــدس العربي» تكــرار الهجمات ضمــن أطر «الفعــل ورد الفعل»، إلا أن إنجاح اتفاق «سوتشــي» يكمن في السيطرة على القــوى المنفذة لهــذه العمليات مــن الطرفين - وهنا بيت القصيد - فمن يســعى لهذا النــوع من التكتيك يســعى لنســف الاتفاق بمجمله، ويراهن على قدرة الضامن التركي على التحكم «بردة الفعل»، لا ســيما أنه لا يتحكم «بالفعل»، مما قد يجعله مضطراً لاتخاذ خطوات تصعيدية سياســياً وميدانياً، وهذا ما فشل الــروس والإيرانيـ­ـون به، حيــث كان تصريح وزير الدفــاع التركي سياســياً بيّن فيه أنه ســيتم المضي بالاتفاق وتجاوز المعوقات.

ويحتاج الضامن التركي بــكل الأحوال لأن يلتزم الــروس والإيرانيـ­ـون والنظــام بالاتفــاق، وليس هؤلاء فحسب، بل كذلك التزام قوى الثورة السورية المتناغمــ­ة مع الرؤيــة التركية بالاتفــاق، إلى جانب القوى المصنفة ذات التيارات المتعددة وهذا بحد ذاته تحدٍ كبير يحتاج لحنكة فــي معالجته، وحتى إنجاح الاتفاق يحتاج إلى تطمين وتهدئة الحاضن الشــعبي للثورة وملايين من المدنيين في إدلب.

السياسي السوري درويش خليفة، أكد أن تركيا لا تتوجه بخطاباتها السياســية وتحذيراتها الإعلامية إلى النظام الســوري، فهي لديها شــريك في صياغة الاتفاق، وهو المعنــي بإيقاف ما يحصل لتبقى المنطقة في حالة استقرار عسكري، وللانتقال للمرحلة التالية وهي اللجنة الدستورية.

ونــوه إلى وجــود تياريــن داخل قــوات النظام السوري أحدهم موالٍ لروســيا والآخر مؤيد لإيران، والجميع يعلم بأن إيران ليست راضية عن نتائج لقاء سوتشي الأخير بين الرئيسين اردوغان وبوتين. ومن هنا يمكننا أن نستخلص وجود خلطة لا تطبب الجرح إنما تســكنه لفترة وجيزة، فالخروقات التي حصلت في الاتفــاق مؤخراً، لــم تأخذ زخمــاً اعلامياً يؤدي بالمتفقين للعودة إلى الطاولة لردع القوى العســكرية في المنطقة، وفق ما قاله خليفة.

وتوصلت روســيا وتركيا قبل نحو شــهرين إلى اتفاق على إقامــة منطقة منزوعة الســاح في إدلب ومحيطها بعمــق يتراوح بين 15 و20 كيلومتراً، بعدما لوحت دمشق على مدى أسابيع بشنّ عملية عسكرية واســعة في المنطقة، التــي تُعد آخر معقــل للفصائل المعارضة والجهادية في سوريا.

وتقع المنطقة المنزوعة السلاح على خطوط التماس بين قوات النظــام والفصائل المعارضــة والجهادية، وتشــمل جزءاً من محافظة إدلب مع مناطق في ريف حلــب الغربي وريف حماة الشــمالي وريف اللاذقية الشمالي الشــرقي، ورغم الاتّفاق، تشهد المنطقة بين الحين والآخر مناوشــات وقصفاً متبــادلاً بين قوات النظام والفصائل المعارضة والجهادية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom