Al-Quds Al-Arabi

«إندبندنت»: كيف تلِّمع السعودية صورتها بالرياضة؟

-

في آب )أغســطس( كانت حافلة مدرسية في رحلة في إقليم صعدة شــمال اليمن، في طريــق العودة من نزهة. وعندما اقتربت من بلدة الضحيان توقفت حتى يحصل الســائق على ماء للشــرب. وعند هذه النقطة ضربت الحافلة المدرســية بقنبلة موجهة بالليزر «جي بي يو -12 باثــوي11» رمتها مقاتلة ســعودية. ومن بين القتلى الـ 51 كان هناك 40 طفلاً تشــوهت أجســاد الكثيرين منهم لدرجة لم يتم التعرف عليها. وحســب مشــروع بيانات اليمن فقــد كان اســتهداف الحافلة المدرسية جزءاً من حملة لاســتهداف المركبات المدنية. ووصف متحدث باسم التحالف الذي تقوده السعودية العملية بأنها «هدف عســكري شرعي». وبعد شهر كان لاعبا التنس نوفــاك جوكوفوبيتش ورفائيل نادال في مؤتمر صحافي بباريــس يدافعان عن قرارهما الموافقة على المشــاركة في مبــاراة تنس في جدة ســتعقد في شــهر كانون الأول )ديسمبر( وذلك وسط دعوات لهما بإعادة النظر في المبارة بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشــقجي، في تركيا. وقال نــادال: «أعرف أن شــيئاً قد حدث»، وقــال جوكوفوبيتش «فــي الوقت الحالي ليســت لدينا معلومات كافية» و»نحن بحاجة للنظر إليها أكثر .»

وفي ذلك الوقت يتساءل جوناثان ليو، في مقال في صحيفة «إندبندنت»: يتعجب الواحد ما هي المعلومات التي يريد لاعــب التنس الصربي الحصول عليها ولكي يحكــم على بلد تحــرم فيه المــرأة من أبســط حقوق الإنسان ويتم انتهاك العمال المهاجرين بشكل روتيني بــدون أي إجــراءات قانونية ويتم ضــرب وتعذيب المثليــن وتقوم حســب الكثير من الخبــراء بارتكاب جرائم حــرب في اليمن وتحت ذريعــة قتال الحوثيين الذين تدعمهم إيــران. وقــال جوكوفوبيتش «لا أريد الدخول في حوار سياســي أو أوضــاع» وهو أمر كان الضحايــا اليمنيون يريدون تجنبه. وبعد أســبوعين حصـلنا على الـجواب.

ففي يوم الجمعــة تم إلغاء مبــاراة جوكوفوبيتش ضد نــادال بدون مقدمات، حيث قيــل إن نادال أصيب بكاحلــه. ويعلق ليو إن إلغاء المبــاراة أو تأجيلها لأن بيان جوكوفوبيتـ­ـش أكد أنها «لن تجــري هذا العام» تقدم رؤية عن الإستراتيج­ية الســعودية التي جعلت الرياضــة ونجومها يقومون بجهــود العلاقات العامة نيابة عنها. وقبل أسابيع عدة لعب الفريقان البرازيلي والأرجنتين­ي مبارة ودية في جدة والتي لم تكن مباراة مهمة لاي منهما سوى الشــيكات التي دخلت حسابات اتحاد الكرة فــي كل من البلدين وفائدة الســعوديي­ن الذين كانوا قادرين على نشر صور نيمار وباولو ديبالا وفيليب كونتينو على الأرض الســعودية ولمشاهدين عالميين. واســتقبلت جــدة، ثاني مدن الســعودية في أيلول )ســبتمبر( مباريات الملاكمــة العالمية حيث هزم كالوم ســميث جورج غروف وحصــل على لقب اتحاد الملاكمة العالمي للوزن المتوسط.

وهناك المزيد ففي كانون الأول/ديسمبر ستستضيف الرياض موسم مباريات السيارات «فورمولا إي». وفي كانــون الثاني )يناير( ســيلعب فريقا يوفنتوس وإي ســي ميلان اللذان لعبا في قطر والصين وليبيا - معمر القذافي «وهمــا بحاجة لكوريا الشــمالية والجنوبية حتى يكملا مشاهدة عام من عظام المعارضين» المنشورة. وبالطبع فالسؤال هو ما يحصل عليه النجوم لقاء هذا. فحيــاة الرياضي عادة ما تكون قصيــرة في مهنته ولا أحد يحســده إن حاول الحصول على ما يكفي من المدة المحدودة. والســؤال المهم هو ماذا سيحدث في الجانب الآخر من الصفقة. فقبل عامين بدأت السعودية وبجدية إنفاق الأمــوال النفطية علــى النشــاطات الرياضية وأنشأت الهيئة العامة للتنمية الرياضية حيث وجهت أموالاً ضخمة لإنشــاء بنى تحتيــة وميادين نخبوية والترويج للمناســبا­ت الرياضية العالمية واستقبالها. فقد ظلــت المملكة المحافظة مترددة فــي تطوير القطاع الرياضي حيث تعاملت مع المناســبا­ت الرياضية على أنها في الحد الأدنى غير مهمة مثل بقية أشــكال الترفيه أو تمثل تهديداً ثقافياً.

وعكس موقفها هــذا تعاملها مع بقيــة العالم وأنها تستطيع في أية مرحلة أن توقف «حنفية» النفط بشكل توجه الاقتصاد العالمي في هبوط لولبي. ولكن النفط، بالطبع سينضب يوماً ما. ومن أجل فطم اقتصادها عنه على الســعودية التنويع وهي بحاجة للإســتثما­رات الخارجية. وحتى تحصل عليها فهي بحاجة لأن يحبها الناس.

ومثل الولد الغني الذي يكرهه كل من في المدرســة فأي طريقة لجعــل الناس يحبونه غيــر تنظيم حفلة كبيرة. لكن هذه رؤية تبسيطية للأمور. لأن الاستثمار السعودي اتخذ أشــكالاً عدة، فالمملكة أكبر مستثمر في أوبــر ولديها اســتثمار مهم في تويتــر وهناك مواطن ســعودي اســمه محمد أبو الجدايل يملــك حصة في صحيفة «إندبندنت». لكــن الرياضة خدمت دوراً مهماً آخر فهي ليســت وســيلة للســياحة التي تريد المملكة التنويع فيها ولكن لسهولة الحصول عليها وجاذبيتها العالميــة. وكما اكتشــفت قطر وأبو ظبي وروســيا من قبل فعندما تدخل نفســك عميقاً في المؤسسة الرياضية العالمية الواســعة ســتجد أعداءك الالداء يدعمونك. فالحاجة لتغيير صورة الســعودية القاسية والمحافظة والقمعية - رغم وجودهــا حتى الآن - أدت إلى تقديم الرياضة كمفتاح للأيام الســعيدة. ورغــم بقاء المرأة في ظل نظــام وصاية الرجل إلا أنها تســتطيع حضور مباريــات كرة القدم. وفــي الوقت الــذي تواصل فيه المقاتلات السعودية دك اليمن يقوم رئيس الفيفا جيانو إنفانتيني بجولات عالمية للترويج إلى منافسات كأس النادي العالمي الــذي تموله الســعودية. وفي الوقت الذي تواصل فيه السعودية اعتقال الناقدين وسجنهم دونما محاكمة تحضر «يوروبيــان تور» للغولف لأول مبارياتها في السعودية ومن بين المشاركين باتريك ريد وداستن جونسون.

ويقول ليو إن الرياضة هي وســيلة في السياســة الخارجيــة منــذ الملــك هنــري الثامن وملك فرنســا فرنســيس الأول في ساحة الملابس الذهبية عام 1520. ولكن في عصر تطفــح فيه رائحة المال بطريقة واضحة وعالمية فمن المســتحيل تجنب الحديــث علانية، فمن يأخذون المــال عليهم واجب قــول الحقيقة. وكما كتب جمال خاشــقجي «الفشــل في انتقاد انتهاكات حقوق الإنســان» «يخلق مناخاً يقوي الحكام الديكتاتور­يين لحرمان شعوبهم من حقوقها المدنية».

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom