Al-Quds Al-Arabi

ريم قيس كبة: المشهد الشعري العراقي لا ينتصر للعمود مطلقا

لولا ثورة الاتصالات لاندثر المبدع تحت أنقاض غربته!

- حوار: منى حسن ■ مــا الذي يميز جيلكم الشــعري «جيــل الثمانينيا­ت» في العــراق، عــن غيره، وهل كان للشــعر في ظل الحــروب وقتها متنفس تخرج عبره تجارب شعرية متنوعة الأصوات؟

ترى الشــاعرة العراقية ريم قيس كبـّــة أننا كأمة فــي حاجة إلى حداثة حقيقية فــي كل مجالات الحياة، وإلى ثورة حداثية على كثير من المفاهيم التقليدية السائدة من أجل الخروج مما آلت إليه مجتمعاتنا اليوم!

وريم قيس كبّـــة.. شــاعرة ومترجمة عراقية مقيمة في المملكة المتحدة، ولدَتْ في مدينة بغداد عام 1967، وتخرجت في الجامعة المســتنصر­ية، كلية الآداب قسم الترجمة، عملت في الترجمة مع المنظمات الإنسانية في العراق، وتُرجمت العديد من قصائدها إلى أكثر من خمس لغات حية. شاركت في الكثير من المهرجانات والمؤتمرات العربية والعالمية، ونالت عدة جوائز في مســيرتها الأدبية، تميزت نصوصها بالجمع بين كثافة الصــور ورهافــة المعنى، وصدرت لها عدة مجموعات شــعرية أبرزها: «نوارس تقتــرف التحليق»، «احتفاء بالوقت الضائع»، «أغمض أجنحتي وأســترق الكتابة»، «متى ســتصدق أني فراشة»، «بيتنا»، «البحر يقرأ طالعي » و«مساء الفيروز .»

أدناه حوار يتناول تجربتها الشعرية وآراءها حول بعض قضايا المشهد الأدبي العراقي..

□ كان جيــل الثمانينيـ­ـات علامة مميــزة حقيقية بين الأجيال الشــعرية التي سبقته وتلته. ربما لأنه جاء نتاجا لجيل ولد في الســتينيا­ت ونشــأ في حقبة الســبعيني­ات العراقية الذهبية. فقد تميز مثلا بكثرة الأصوات النسائية الشــعرية الصافية نوعا، وليس كما وحسب. وكان لتنوع الجيل الشــكلي، إن جاز التعبير، علامة أخرى تميزه، فقد كان فينا من يكتب القصيــدة التقليدية مجيدا ومبدعا لها، ومن يكتب التفعيلة امتدادا لجيل الســبعيني­ات وتطويرا له، مثلما تبلورت قصيدة النثــر في تلك الأعوام، وبرز من الأصوات من يمثلها ويجيدها بشــكل جلــي. وقد امتازت قصيدة الثمانينيا­ت بجزالتها حتى في النثر.

وبما أن العــراق كان يرزح تحت وطأة حكم ديكتاتوري قــاس، وكانــت الحرب قــد فرضت علــى البــاد قانون الطوارئ، فقــد لجأ الثمانينيو­ن إلــى الترميز في الكتابة، تحايلا علــى الرقيب، حتى القصائد التي كانت تكتب تحت عنــوان قصائد المعركة كانت غالبا ما تضمر بين ســطورها تمــردا ورفضا للحرب والموت اليومــي، الذي كان يعصف بالبلاد. وكان الشعراء غالبا في جبهات القتال والشاعرات ينتظــرن إخوتهن وآباءهــن وأزواجهــن الغائبين. كانت الحرب الطويلة الدامية تظلل كل شــيء وتصبغ بسوادها حتى قصائد الحب.

■ مــاذا أضافت الغربة إلى تجربتك كشــاعرة عراقية، وما أبرز التحديات التي تواجهك كامرأة مبدعة في المهجر؟

□ الشــعر معاناة، وحســب نزار قباني فإن الشــاعر يحمل صليب المســامير علــى كتفيه وينــزف أينما حلّ أو ارتحــل. وفي العراق كنــت أواجه الموت اليومي لســنين، وكنت أكتــب ولا أكف، ولأنني ابنــة الرافدين فإنني أحمل نخيلي أينما حللت أو ارتحلت، مثلما أحمل صليب الشعر، وسأبقى أكتب ولن أكف. أما الغربة فهي موت آخر لا يشبه الموت في الحرب. إنــه موت بنكهة مختلفــة! أما أن تكون مبدعا عربيا وتعيش في بلد لا يتحدث لغتك ولا يشبه يومه تفاصيلك وتقاليدك، فإنك إزاء ضياع حقيقيّ. فإما أن تلجأ الــى مجتمع أصغر وأصغر بين أفــراد الجالية، أو تجمعات المهاجريــ­ن، وإما أن تحــاول الاندماج فــي المجتمع الذي أوصلتك إليه الأقدار. وستكون مضطرا ربما لأن تتقوقع في صدفة صغيرة لا تبرحها، أو ربما أن تقلع عن الشعر واللغة بأن تحاول البدء من الصفر، في عالم لا يمكن أن تنتمي اليه بين عشية وضحاها. ولذلك نجد أنفسنا إزاء معاناة أخرى قد لا تبدو شبيهة بما ألفناه عن الحرب لكنها حرب حقيقية! والحــروب تأخذ منــا الكثير، لكنها تضيــف الكثير أيضا، وهو ما ينعكس حتمــا في الكتابة وفي كل مجالات الإبداع. فهل ثمة تحديات أكبر من ذلك، ســواء أكنتُ شاعرة بالتاء المربوطــة أو شــاعرا؟ ولكن لابد من القــول إنه لولا ثورة الاتصالات لاندثر المبدع تحت أنقاض غربته.

■ المتابع للمشهد الشعري العراقي لا يخفى عليه انتصاره الكبيــر لعمــود الشــعر، رغم أن أول خــروج علــى العمود كان عراقيا، لماذا في نظرك؟

□ المشهد الشعري العراقي لا ينتصر للعمود مطلقا، على العكس من ذلك تماما، فقد كان العراق ومازال بيئة شعرية خصبة لكل الأشــكال الشــعرية، ولكل أشــكال التجريب والتحديث، بيد أن الفارق الأهم هو تحيز الشاعر العراقي لجزالــة اللغة وعمق معانيها، بعيدا عن معطيات الشــكل. وحسب علمي فإن مهرجان المربد السنوي خلا من القصيدة العمودية في الســنوات الأخيرة، للحــد الذي بات يحس شعراء العمود والتفعيلة أيضا بأن ثمة حربا تشن ضدهم! فمن أين جاءتك فكرة انحياز العراقيين للعمود دون سواه؟

■ ما ســبب انحســار الحضور النســائي الشــعري مقابل الرجالي في المشــهد الشــعري الحالي في العراق؟

□ قبــل أن أجيبــك اتســاءل كيف لنا أن نحســم شــكل المشــهد الشعري العراقي اليوم؟ هل لنا أن نقيّم شــعراء الداخــل على حــدة وشــعراء الخارج الذين تقاســموا الأصقــاع والبلاد على حــدة؟ هل لنا أن ننظر إلى المشــهد عبر صفحات التواصــل الاجتماعي ونقيمه عبر إنستغرام وفيســبوك وتويتر؟ أم هل لنــا أن نعتبر ما يقــام من مؤتمرات ومهرجانات تعززهــا العلاقات العامة معيارا يعكس حقيقة المشهد وتفاصيله؟ هل ثمة من يوثق ويقيّم ويفرز الغث من الثمين؟ وعودٌ على ســؤالك فإنني وفقا لكل هــذا لا أجد انحســارا في الحضور النســائي، لا فــي المشــهد العراقي ولا العربي علــى الإطلاق، بل أجد كما هائلا من الشعراء والشاعرات ومن أنصافهم وأنصافهن، أجد عددا لم يصل إليه ربما الشــعر العربي منذ عصــر الجاهلية.. فالمنبر الحر واستسهال الكتابة والنشر والانتشــا­ر لم يعد يميز بين شــاعر ومتشــاعر، فكيف لنا أن نقيــم؟ وما هو المعيــار طالما أن النقد مــازال عاجزا عن استيعاب ما يجري وعن فرزه وتقييمه.

■ ألا تريــن أننا فــي حاجة إلى تجديد مفاهيم نقد الشــعر بحيــث تتحــرر مــن المفاهيــم النقدية الكلاســيك­ية للشــعرية العربية، التي ما زالت مسيطرة على الذهنية النقدية العربية؟

□ ربما ســبقتك بالإجابة على هذا الســؤال بطريقة ما، فأنا أجد النقد قاصرا فعــا، ماخلا بعض الأقلام الحقيقية الجادة.. وهذا لا ينسحب على أصحاب الذهنية التقليدية، بل علــى النقد العربــي عمومــا.. وأنا هنا لا أتهــم النقاد بالقصــور، بل أجد أننــا كأمة بحاجة إلــى حداثة حقيقية فــي كل مجالات الحياة، وإلى ثــورة حداثية على كثير من المفاهيم التقليدية الســائدة، من أجل الخروج مما آلت إليه مجتمعاتنا اليــوم.. وحينئذ ربما نســتطيع الحديث ملء أفواهنا عن النقد الأدبي بشكل متوازن.

■ يقول الشــاعر وليــد الصــراف واصفا ترجمة الشــعر: «الشــعر نار تنطفئ فــي الطريق بين لغتــن، وترجمته مقصلة يدخــل منهــا النــص حيّــا ويخرج منهــا جثــة»، فبــم تعلقين كمترجمة للنصوص الشعرية؟

□ هي عبــارة تذكرنــي بمقولة لأحد المترجمين المستشــرق­ين، حين وصــف ترجمة الشــعر بأنهــا نقل لسائل من إناء الى آخر، وفي خضم النقل نخسر الســائل! لكنني أجدها مبالغة كبيرة.. ولــولا ذلك ما وصل إرثنا للعالم، وما وصلنا إرث العالم الشعري بكل لغاته. ربما يفقد الشعر الكثير من جماليات اللغة وتعابيرها فعلا في عمليــة الترجمــة، لكنه لا يموت، وعلــى وجه الخصوص حين يكون المترجم مخلصا حقيقيا.. ولي في ذلك أكثر مــن بحث اقترحت فيه أن تتم ترجمة الشــعر على يد فريق عمــل من مترجم وشــاعر ومتذوق، وهو حديث طويل جدا لا تتســع له إجابة في حوار.

■ هــل أنــت مــع ضــرورة التفــرغ الأدبــي الــذي تمنحــه بعــض الــدول للمبــدع، حيــث تؤمــن لــه معيشــته، خاصة أن أغلــب المبدعين تكون مهنهم خارج الإطار الثقافي؟

□ أنــا مــع هــذا الامــر واؤيّده وأطالب بــه بكل جوارحي.. وأخص جدا الشــعراء.. عباد اللــه الفقراء فــي الأرض الذيــن ما زالــوا حتى يومنا هــذا يدفعون المــال من أجل طباعــة كتبهم بدلا عــن التربح مما يبدعــون. الأدب في عالمنا تجارة خاســرة، على الرغم من أن مكانة الأديب والشاعر كبيرة في القلوب.. لكنها لا تعمر الجيوب.. فــي الغرب ثمة اهتمام كبيــر بالمبدعين لا نجده قد تبلور في عالمنــا العربي بعد. فللمبدع في الغرب مكانته الاجتماعيـ­ـة والمادية المحترمة وهو يجــد دائما من يدعمه ويســانده. لكننا في عالمنا العربي مازلنا ننظر الى الإبداع على أنه هواية لا تســتلزم الالتزام والتفرغ. وهو أمر جدير جدا بالاهتمام والبحث.

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom