Al-Quds Al-Arabi

إيران... رفاهية المعارضة

- *كاتب لبناني

لم يكن من باب الرفاهية أن يتحدث أحد أبرز المســؤولي­ن الإيرانيين المنتمين إلــى الدائــرة الضيقة المعنيــة بالقرار الإيرانــي الداخلــي والخارجــي، عن وجود انقســام داخل التيار المحافظ فــي البرلمان الإيراني، وعلــى الرغم مــن أن هــذا التيــار لا يشــكل الأغلبية بين المحافظين، إلا أن صوته بــات مرتفعا، إلى الحد الذي أصبح فيه قادرا على التأثير في آراء النواب الآخرين، وجرهم إلى دائرة الأهداف التي يخطط لها لفرضها على قرارات حكومة الرئيس حسن روحاني.

هذا القيادي أو المســؤول البارز، عبّر عن انزعاج واضح لدى رئاســة البرلمان من الشــعبوية التي يمارســها هؤلاء النــواب، الذين لا يتجاوز عددهم 70 شــخصا، إن كان أمام زملائهــم، أو امام الجمهــور الإيراني، والتــي أدت وتؤدي إلى عرقلة وإفشــال توجهات حكومة روحاني السياســية والدبلوماس­ية والاقتصادي­ة، خصوصا إن هذه التوجهات لا تتعارض أو تبتعد عن توجهات قيادة النظام.

ويضيف أن مســاعي كثيرة بذلت في المرحلة الســابقة، تلت انتخاب روحاني رئيسا للجمهورية في ولايته الثانية، إلا أن الإصرار الــذي أبدته هذه الجماعة النيابية والمدعومة من جهات خــارج البرلمان على عرقلة الجهــود الاقتصادية والسياســي­ة – الدوليــة للحكومة، اســتطاعت أن تفرض إرادتها على الرئيس روحاني وفريقه.

اليســار الإصلاحي الايراني يعتقد أن هذه الجماعة التي يمكن وصفها بالجناح المتشــدد داخل التيار المحافظ، تمكنت من إجبار الرئيس الايراني على إدخال تغييرات على فريقه الاقتصادي، شــمل رئيس البنك المركــزي ووزراء الاقتصاد والتجــارة والعمــل والصناعة والنقــل.. وإن ذروة تحرك هذا الجناح جاءت بعد فشــل الضغوط التي مورســت على روحاني لإجباره على الاســتقال­ة منــذ بداية العام الحالي، عبــر افتعال ازمــة اقتصادية على خلفية مؤسســات مالية وإســكانية اعلنت إفلاســها انطلاقا من مدينة مشهد )شرق إيران( ثم امتدت إلى نحو مئة مدينة في كل إيران، ووضعت النظام وليــس الحكومة فقــط أمام تحدي انفــات الامور وتطورهــا إلى انتفاضة ضــد النظام، قد تنتهــي بالانهيار والســقوط، لذا لم يكن أمام النظام إلا فرض تسوية قاسية باتجاهين:

الأول: التصدي بقســوة للحركــة الاعتراضية ـ المحقة ـ للمتضررين بعد أن اتســعت دائرة الاعتراض ودخلت فيها قوى سياسية معارضة، تستهدف الاطاحة بالنظام.

الثاني: فــرض تغيير فــي تركيبة الفريــق الاقتصادي للرئيــس روحاني وحكومتــه، تحت وطأة انهيــار العملة الإيرانيــ­ة امام الدولار الأمريكي وملامســته لســقف 6500 تومان للدولار الواحد في المرحلة الاولى، واستتبعها بتغيير ثانٍ بعد ملامسة الدولار لسعر 18 الف تومان.

والتغييرات التي قام بها روحاني بضغط الشارع والازمة الاقتصاديـ­ـة كانت خطوة لاســتيعاب الهجــوم الذي يقوم به هؤلاء، ويســتهدف النيل من وجوده على رأس السلطة التنفيذية، أو حســب تعبيــره «المثير للتعجب أن تســتمر الحملــة الانتخابية لرئاســة الجمهورية لســنتين ونصف السنة من بعد انتهائها.»

روحاني من جهته، وفي اعتراف مباشــر بتأثير الوضع الداخلــي الإيرانــي على الخطــوات التصعيديــ­ة للادارة الامريكية، اتهم هذا الجناح بلعب دور ســلبي وأنه أرســل إشــارات سلبية لواشــنطن لإعلان انســحابها من الاتفاق النــووي، الأمر الــذي أدخل إيــران في مــأزق العقوبات الجديــدة. وذلك من خــال دعمهم وتنظيمهــم للمظاهرات والاعتراضا­ت التي انطلقت من مدينة مشــهد في ديســمبر/ كانــون الأول 2017 واســتمرت لعدة أيام بتأييــد من إمام جمعة مدينة مشهد آية الله أحمد علم الهدى، ورئيس العتبة الرضوية السيد إبراهيم رئيسي )المرشح المنافس لروحاني في الانتخابات الرئاســية(، وقد دافــع روحاني في اجتماع مع مديــري وموظفي القطاعــات الاقتصاديـ­ـة والمالية في الوزارات والمؤسســا­ت الرسمية عن السياسات التي اتبعها رئيس البنك المركزي المقال )ولي الله ســيف( الذي تصدى للمؤسســة المالية التي يديرها إبراهيم رئيسي ووضع حدا للأزمــة الاقتصادية التي تســببت بها، كاشــفا عن وجود «لوبي» سياســي داخل النظام مارس التهديد اليومي على رئيس البنك المركزي الســابق، لإجباره علــى التراجع عن الاجراءات التي اتخذها بحق المؤسسات المالية التابعة لهذه الجماعات، وســاهمت في خلق هذه الأزمة الاقتصادية إلى جانب العقوبات، وكانت عاملا مساعدا لها، وحسب تعبيره «ندرك أن الظروف ليست ظروفا ســهلة، فهناك قوة عظمى مثــل أمريكا، وعملا مثــل الصهاينة وبعــض أنظمة المنطقة يعملون جنبا إلــى جنب ضدنا، لكننا شــعب عظيم ونملك إرادة قوية ويمكننا العبور.»

ولا يخفــي التيار المحافــظ ارتياحــه للتعديل الحكومي الذي فــرض على روحاني، الذي يدفع الحكومة اكثر باتجاه المحافظين، ويضرب ما يدعو لــه الرئيس من ضرورة تعزيز الوحدة والتضامن الوطنيين بين كل اطياف ومكونات الشعب والقوى السياسية، وهذا التيار يغتنم اي فرصة متاحة لمزيد من فرض سيطرته على مفاصل السلطة التنفيذية، خصوصا في القطاع الاقتصادي، إلى جانب القطاعات الاخرى خاصة الأمنية والعسكرية، وإبعاد واســتبعاد اي مشاركة للقوى الاخرى، خصوصا الاصلاحيين، مــن لعب أي دور في إدارة البلاد. معتبرا أن روحاني ســيكون أكثر انسجاما مع التيار المحافظ، وقادرا على إدارة البلاد اكثر معهم، بعيدا عن التيار الاصلاحي، حتى إن كان هــذا التيار على رأس الداعمين له، انطلاقا من قــراءة لموقع روحاني تقــول إن «ذاته محافظة ومعدنــه محافــظ، صعد للســماء أو نزل إلــى الارض هو محافظ .»

ويحــاول هــذا التيار أن يلقــي بالمســؤول­ية على عاتق روحاني في التعديل الحكومي الذي طال الفريق الاقتصادي، من خلال الإيحاء بأن الإجراءات التي اتخذها تنطلق من:

قلة إنتاجيــة حكومتــه وفعاليتها، وبالتالــي فإنه لجأ للتعديل من أجل الاتيان بأشــخاص أكثر شجاعة وإنتاجية وفعاليــة لقطع الطريق على اســتمرار التراجــع إلى نهاية رئاسته.

ان روحاني انتبه إلى تراجع شــعبيته، وإن الجمهور بدأ يبتعد عنه، وإنه من أجل الاحتفاظ بالتأييد الشــعبي يريد أن يلقي اللوم في فشــل إنتاجية الحكومة على كاهل بعض الوزراء.

إن روحانــي ينوي التعويض عن فشــل الحكومة، وإنه يعلــم أن التاريخ كشــف عدم وفاء الإصلاحيــ­ن، حتى مع الذيــن ينتمون إلــى صفوفهم، وهو ما دفعــه للاقتراب من التيار المحافظ من خلال الاختيارات الاخيرة للوزراء الجدد.

علــى الجهة الأخرى، يبدو أن التيــار الإصلاحي، يعيش حالــة من القلق على الوضع الإيراني أكثــر واكبر من التيار المحافظ، فــإزاء الجهود التي يبذلها المحافظون لاســتعادة السيطرة على الســلطة التنفيذية، يعرب الاصلاحيون عن موقفهم الصريح الداعي لتعزيز الوحدة الوطنية والصفوف الداخليــة لمواجهة التحديات التي تواجه النظام وأســاس الثورة، ويؤكدون على لسان الرئيس الاسبق محمد خاتمي أن معارضتهم لا تستهدف اصل النظام، إنما الممارسات التي تجري باســم النظام والثورة، خصوصا أنهم يعتبرون أنهم من اســس هذا النظام، وأن الاصلاح الذي يعملون من اجله لا يمكن أن يكون الا من داخل هذا النظام وليس من خارجه، بما يحفظ استمراره وبقاءه ويصبح اكثر قدرة على مواجهة التحديات.

مقابل هذا الشعور بالمســؤول­ية لدى الاصلاحيين، يبدو أن التيار المحافظ اكثر تشددا في مسار الاستيلاء والتمكين، وقد عبر عن هذا المسار عضو لجنة الامن القومي والسياسية الخارجية في البرلمان رجل الدين المحافظ مجتبى ذو النوري الذي بشّر بـ »ثورة التوابين » في البرلمان، بين اعضاء مجلس الشــورى )النواب( على خلفية رفض البرلمــان التصويت على مشــروع الانضمام على معاهدة CFT المالية، المتعلقة بتمويــل الارهاب، على الرغم مما فيها من مخاطر على إيران ونظامها، خصوصا في هذه المرحلة الدقيقة التي اعادت فيها الادارة الامريكية فرض العقوبات.

يبدو أن التيار الإصلاحي، يعيش حالة من القلق على الوضع الإيراني أكثر وأكبر من التيار المحافظ

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom