Al-Quds Al-Arabi

الحرب العالمية الثالثة..!

- ٭ كاتب سوداني

يُقال، منذ عام 1500، حدثت في العالم 15 حالة إحتكاك، 11 منها تحولت إلــى حروب كبيرة. وكلنا يتذكر أن شــرارة الحرب العالميــة الأولى، إندلعت بســبب الأزمة الدبلوماسـ­ـية بين النمســا وصربيا على خلفية مقتل ولي العهد النمساوى على أيدي طالب صربي في سراييفو. لا أحد كان يتصور أن يقود ذلك الحدث الصغير، البعيد عن العواصم الغربية، إلى تلك المجزرة التي راح ضحيتها الملايين، لكنه لعب السياسة القذر، وغياب المسؤولية عند القادة. واليوم، تتزايد احتمالات اندلاع الحرب العالمية الثالثة، أيضا بسبب حدث صغير. هكذا يصرخ البعض، ومنهم قادة دول وزعماء سياسيون، محذرين بأن الأجواء السائدة في عالمنا اليوم، تشبه تلك التي سبقت اندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية.

وآخرون يؤكدون بأن الحرب الباردة ســتتجدد. احتكاك بسيط بين روسيا والصين من ناحية وحلف «الناتو» والولايــا­ت المتحدة من ناحية أخرى، يمكن أن يطلق شــرارة الحرب العالمية الثالثة. وقد ينشأ الاحتكاك مع قاذفات القنابل الروســية قرب حــدود الناتو البحريــة، أو في أجواء ســوريا وتركيا، أو ربما احتكاك بحري بين الســفن الأمريكية واليابانية من ناحية والســفن الصينية والروســية من ناحية أخرى، أو بين كوريا الشــمالية وأمريكا واليابان...إلخ. القوة العســكرية الروســية، بأقصى قدراتها، تعزز مواقعها مــن أوكرانيا إلى دول البلطيق، ومن ســوريا إلى الشرق الأوسط بأكمله. المجال الجوي السوري المشبع بطائرات لدول مختلفة تشن غارات على تنظيم )داعش( الإرهابي، فيثير المخاوف من إمكانية احتكاك تلك الطائرات ووقوع حوادث تؤدى مباشــرة إلى اندلاع حــرب عالمية جديدة. أما الخبراء العســكريو­ن، فيؤكدون اقتراب بارود إشــعال فتيل الحرب العالمية الثالثة، بسبب حالة الفوضى التي يعيشها الشرق الأوســط، وتضارب المصالح فيه بين روســيا وأمريكا، إضافة إلى دخول الصين ودول أخرى على خط الأزمة، وبســبب الأزمة الأوكرانية، وتفاقم أزمة اللاجئين والمهاجرين وما أحدثته من توترات في أوروبا، خاصة في دول شــرق ووســط القــارة. وهناك من يضيف حيثيات أخرى لفرضية قــرب اندلاع الحرب العالمية الثالثة، منها: الإرهاب والحرب عليه، واللذان تسللا أيضا إلى أوروبا وأمريكا. اشــتداد التأزم بين أمريكا وإيران، وتهديد إيران بقفل الخليج ومضيق هرمز أمام الملاحة الدولية، إذا اســتخدمت أمريكا القوة العسكرية لمنع صادرات إيران النفطية.

الأزمــة الاقتصادية العالمية، وحروب العملات والحروب التجارية بين الدول الكبرى، والتنافس على استحواذ الاراضي الخصبة في افريقيا لصالح شركات الغذاء والطاقة في البلدان الرأســمال­ية.... كل هذا يشــبه ما حدث في الاعوام السابقة للحرب العالمية الثانية.

ومثل الأجواء التي حدثت عشــية الحرب العالمية الأولى، التردد هو المسيطر الأكبر على الدبلوماسـ­ـية العالمية حالياً، إضافة إلى إنعــدام التضامن بين دول القارة الواحدة، والتســرع لاتخاذ خطوات غير محســوبة، وكذلك التهديدات المتبادلة بين الدول.

يقول الرئيس الفرنســي، ماكــرون، أن أوروبا «تواجه اليــوم خطر التفكك بســبب آفة القومية، وأن تثير قوى خارجية البلبلة فيها، وأن تخســر بالتالي ســيادتها، أي أن يتوقف أمنها على الخيارات الأمريكيــ­ة وتبدلاتها، وأن يكون للصين حضور متزايد في البنى التحتية الأساســية، وأن تميل روســيا أحيانا إلى التدخل، وأن تتخطى المصالح المالية ومصالح الأسواق الكبرى أحيانا مكانة الدول...، وكل هذا يشبه الأجواء السابقة لاندلاع الحرب العالمية الثانية»..

وجود قادة مشــكوك في حكمتهم، أمثال دونالد ترامب، والرئيس البرازيلي المنتخب جايير بولســونار­و، يجهــرون بدعاوى العنصريــة والكراهية تجاه الآخر، وكذلك الصعود المتسارع لتيارات الشعبوية اليمينية والنازية الجديدة، خاصة في أوروبا.

تزايد الطغيان والاســتبد­اد، ومحاولات طمس وتجــاوز ما اتفق عليه عالميا حول حقوق الانسان، خدمة للمصالح الأمريكية والأوروبية.

لكن، هل انــدلاع حرب عالمية جديدة، تهدد الســام العالمي، بل وتهدد بفناء البشــرية في ظل إمكانية اســتخدام الســاح النووي، وفي ظل تواجد قادة لا يتمتعون بأدنى قدر من الإحســاس بالمســؤول­ية، هل هو مصير محتوم نساق إليه نحن، الشــعوب المغلوب على أمرها؟ ألا توجــد إمكانية لمقاومة ورفض هذا الواقع الذي لم نصنعه نحن؟. لا أعتقد بحتمية المصير، وأرى أن إمكانية المقاومة والانتصار موجودة.

في الســابق، وفي ســياق الحرب الباردة، كنا نتحدث عن التحالف العالمي الذي يضم منظومة المعســكر الاشــتراك­ي، وحركات التحرر الوطني في البلدان النامية، والحــركات المقاومة، من داخل البلدان الرأســمال­ية، لسياســات هذه البلدان المعادية للشعوب والمهددة للســام العالمي. لكن، اليوم إنفرط عقد هذا الحلف، بعد إنهيار المعسكر الإشتراكي، وبعد بروز عدد من المستجدات المعاصرة ســواء، في البلدان النامية أو البلدان الرأســمال­ية. نحن اليــوم نعيش اليوم عصــر العولمة والتي هي بالأســاس ظاهرة موضوعية تعبر عــن إتجاه العالم نحو التكامل والتوحد، لكن جوهرها يعاني تناقضا حادا مع هذا الإتجاه حينما تســعى الرأســمال­ية إلى أن يكون تكامل وتوحد العالم تحت قيادتها وبإسلوب القســر والإكراه، وبهدف جنــي المزيد من الأرباح لصالحها غيــر عابئة بالدمار الذي تلحقه بالشعوب الأخرى، وبما تبذره من بذور إندلاع حرب كونية جديدة. نحن في حاجة إلى تحالف عالمي جديد، تؤسســه كتلة عالمية أوســع من حيث التكوين، وأشــمل من حيث القضايا التي تطرحها. هذه الكتلة الجديدة تعبر عن أوسع تحالف ممكن من كل الطبقات والفئات والقوميات والشرائح الاجتماعية، خاصة الشباب، في العالم، غض النظر عن منطلقاتهم الفكرية والايديولو­جية، الرافضين للعولمة المتوحشــة، والمناضلين من أجل الديمقراطي­ة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والسلام العالمي وحماية البشرية من الفناء.

وتضــم هذه الكتلــة التاريخية الجديــدة: الحركة المناهضــة للعولمة تحت قيادة القطب الواحد وحلفائه، الحــركات والتنظيمات والأحزاب المتواجدة في قلب النظام الرأســمال­ي ومعادية له أو لأحد أوجهه، حركة الشــعوب المناضلة من أجل استكمال مهام اســتقلاله­ا الوطني والاجتماعي، الحركات والتنظيمات والأحــزاب، بما في ذلــك المجموعات الدينيــة، المناضلة من أجــل الديمقراطي­ة والعدالة والتقدم الاجتماعي، منظمات المجتمع المدني النشــطة في نشر ترسيخ ثقافة السلام وحقوق الإنسان......الخ.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom