Al-Quds Al-Arabi

عون يتحضّر لتوجيه رسالة إلى البرلمان تفتح الباب أمام توصية أو تسمية رئيس حكومة جديد!

الحريري ممتعض ويرفض النيل من صلاحياته وتوزيع الهدايا المجانية ويتحفّظ على توزير علوي عجز عن فرضه الأسد

- بيروت - « القدس العربي» من سعد الياس:

بعد تراجــع الاهتمام بأحداث الجاهلية التي كان محورها رئيس حــزب التوحيد العربي الوزير الســابق وئام وهّاب ، عاد ملف تشــكيل الحكومة إلى صــدارة الاهتمام مع بروز موقف لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون حمل عتباً على الرئيس المكلف سعد الحريري الذي لم يتجاوب مع اقتراحات لتســهيل تأليف الحكومة ومن بينها توســيع الحكومة إلى 32 وزيراً . وحســب ما نقل زوار رئيس الجمهورية عنه «انّ الوضع شــديد الســوء، ولا يقبل أن تتأخــر المعالجة ، وهو يحرص على تحقيق اختراق في جــدار التأليف خلال الايام القليلة المقبلــة، مُبدياً عدم رضىاه على ســفر الحريري إلى فرنسا في 9 الجاري، ومفضّلاً له البقاء في لبنان للتركيز بكل الطاقات على توليد الحكومة «، وسائلاً « كيف يمكن للرئيس المكلف ان يسافر بلا حكومة؟».

أما عــن كيفية مواجهة رئيــس الجمهوريــ­ة التأخير في التأليف فتتمثّل بتوجيه رســالة إلى مجلــس النواب تفتح النقاش حول اسباب التأخير في تأليف الحكومة والتعقيدات التــي تعترض هذا التأليف بما يفتح البــاب امام أمرين : إما صــدور توصية عن المجلــس النيابي للرئيس المكلف ســعد الحريري بالاسراع في تشكيل الحكومة وفق معايير محددة ، وإما الدعوة إلى إجراء استشــارات نيابية جديدة لتسمية رئيس حكومة جديد أو إعادة تسمية الرئيس الحريري نفسه الاكثر تمثيلاً للطائفة الســنية في لبنان، مع العلم أن لا شيء في الدستور ينص على سحب التكليف من الرئيس المكلف.

وجاء موقف رئيس الجمهوريــ­ة الجديد بعدما كان أبدى دعمه لموقف الرئيس الحريري لجهة رفض توزير سنّة 8 آذار وعــدم اعتبارهم كتلة واحدة. لكن بعــد زيارة رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باســيل إلى الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تبدّل الموقف وأطلق الوزير باسيل مبادرة للحلحلة تقوم على عدم فرض توزير أحد وعلى عدم رفض توزير أحد. إلا أن أوساطاً قريبة من الرئيس الحريري تعتبر أن كل الاقتراحات حول توسيع الحكومة ليست بحل ، مشيرة إلى «أن الرئيس المكلف لن يقبل بتوزير النواب السنّة لأنه يعتبر ان فــي توزيرهم خرقاً من «حــزب الله» وايران للبيئة السنّية ونقطة على السطر.»

ومن المعروف أن زيادة وزيريــن إلى الحكومة الثلاثينية يقضي بتوزيــر وزير مســيحي من الاقليات ووزير مســلم مــن العلويين على أن يُعطــى هذان الوزيــران إلى الرئيس الحريــري ويؤخــذ من حصته وزير ســنّي يُعطى لســنّة 8 آذار. لكن حســب المعطيات يرفض الحريــري هذا الاقتراح، خصوصــاً أنــه لا يطمئن إلــى الوزير العلــوي ويعتبر أنه ســيكون أقرب إلى الثنائي الشــيعي. ويذهــب البعض إلى القول إن الحريري يتحفّظ عن رســم معادلة جديدة وهي أن يعطي النظام الســوري وزيراً علوياً في الواقع الحالي اليوم بعدما فشل الرئيسان حافظ وبشار الاسد في فرض مثل هذا الوزير سابقاً.

ولكن مع الحديث عن إرسال رســالة رئاسية إلى المجلس النيابي ، قد لا تســنح الظروف بعقد هذه الجلسة أو قد تُعقد بمقاطعة من كتل المســتقبل والقــوات اللبنانية وربما اللقاء الديمقراطي. وهناك صعوبة في تســمية رئيس حكومة غير الرئيــس الحريريي لاعتبارات سياســية عديــدة ، وحتى إن تمّت تسمية شــخصية أخرى فسيجد نفســه عاجزاً عن التأليف وعاجزاً عن الحكم وســيكون مصيره عاجلاً أم آجلاً كمصير الرئيس عمر كرامي الذي اســتقال تحت قبّة البرلمان تحت ضغط الشــارع. أضف إلى ذلك أن المجتمع الدولي الذي يؤمن إلــى حد ما مظلة حماية للبنان قد يســحب دعمه ولن تكون مشاريع « سيدر « بتصرّف الاقتصاد في لبنان.

هذا التوجّه الجديد لدى رئيس الجمهورية تســّبب بنوع من الامتعاض في بيت الوســط ولاســيما أن البعض تحدث عن نيّة لــدى عون لعزل الحريري أو للطلب منه الاعتذار عن التأليف وهو ما سارعت أوساط قريبة من رئيس الجمهورية إلــى نفيه بقولها « لا تهديد ولا عزل بل عودة إلى المربّع الأول وهــذا حق لرئيس الجمهورية بتوجيه رســالة إلى المجلس، وبأن يشــدّد على اولوية تأليــف الحكومة في وقت يبدو من الرحلات العديدة للرئيس الحريري إلى الخارج أن موضوع تشكيل الحكومة ليس من أولوياته».

بيان رئاسة الجمهورية

وصدر عــن مكتب الإعلام في رئاســة الجمهورية، البيان الآتي « تناقلت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، كلاماً منســوباً إلى فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشــال عون حــول الوضع الحكومي .ان مكتب الإعــام يؤكد ان ما نســب إلى فخامة الرئيس لم يكن دقيقــاً وبعض ما جاء فيه أتى خارج الســياق واعطي تفسيرات متناقضة لا تنطبق مع مواقف فخامته المعلنة في اكثر من مناســبة، لا ســيما في ما خــص العودة إلى مجلس النواب لمقاربــة الأزمة الحكومية. والصحيح ان فخامــة الرئيس يعتبر ان حق تســمية دولة الرئيس المكلف تشــكيل الحكومة منحه الدستور إلى النواب من خلال الاستشــار­ات النيابية الملزمــة ) المادة 53- الفقرة 2(. وبالتالي فاذا ما اســتمر تعثر تشكيل هذه الحكومة، فمن الطبيعــي ان يضع فخامة الرئيس هذا الامر في عهدة مجلس النواب ليبنى على الشيء مقتضاه.»

موقف الحريري

أما موقف الرئيــس الحريري فعبّر عنه مصدر رفيع مقرّب منه بقوله:

اولاً - إن الرئيــس المكلف ســعد الحريــري يتحمّل ، في نطاق صلاحياته الدســتوري­ة ونتائج الاستشارات النيابية ، مســؤوليات­ه الكاملة في تأليف الحكومــة ، وقد بذل اقصى الجهود للوصول إلى تشــكيلة ائتلاف وطني تمثّل المكونات الاساســية في البلاد ، وهي التشــكيلة التي حظيت بموافقة فخامة رئيس الجمهورية ومعظم القوى المعنية بالمشــارك­ة ، ثم جرى تعطيل اعلانها بدعوى المطالبة بوجوب توزير كتلة نيابية ، جرى اعدادها وتركيبها في الربع الأخير من شــوط التأليف الحكومي.

ولعله من المفيد التذكير في هذا السياق ان الرئيس المكلف ، إتجــه للاعلان عــن تأليف الحكومة بمن حضــر ، في حال رفضت القوات اللبنانية المشاركة ، وان تعليق عملية التأليف تتحمل مســؤوليته الجهة المســؤولة عن التعليق ، وان كل محاولة لرمي المسؤولية على الرئيس المكلف هي محاولة لذر الرماد في العيون والتعمية على اساس الخلل.

ثانيــاً - إن موقــف الرئيــس الحريري مــن توزير هذه المجموعة النيابية لم يعد سراً ، واذا كانت مشاورات الاسابيع الأخيــرة قد تركزت على ايجاد مخــرج مقبول ، يتجاوب مع الصلاحيات المنوطــة بالرئيس المكلف ومكانته التمثيلية في الحكومة ، فان المســار الذي اتخذته تلك المشاورات لم يصل إلى النتائج المرجوة بســبب الاصرار على الاخلال بالتوازن وتقليــص التمثيل السياســي للرئيس المكلــف ، الأمر الذي يضفي على الحكومة العتيدة شكلاً من أشكال الغلبة يرفض الرئيس الحريري تغطيته بأي شكل من الاشكال.

ثالثاً - إن الرئيس المكلــف كان صريحاً منذ الأيام الأولى للتكليــف بأنه يفضل العمل على حكومــة ائتلاف وطني من ثلاثين وزيــراً ، وان الاقتراح الذي يطالــب بحكومة من ٣٢ وزيراً ، هــو اقتراح من خارج الســياق المتعــارف عليه في تشــكيل الحكومات .وان إعادة اســتحضار هــذا الاقتراح لتبرير توزير مجموعة النواب الســتة ، وإنشاء عرف جديد في تأليف الحكومــات أمر غير مقبول ، أكــد الرئيس المكلف رفضه القاطع السير فيه.

رابعــاً - إن أحداً لا يناقــش الحق الدســتوري لفخامة رئيــس الجمهورية بتوجيه رســالة إلى المجلــس النيابي ، فهذه صلاحيــة لا ينازعه عليهــا أحد ، ولا يصــحّ ان تكون موضع جدل او نقاش ، بمثل مــا لا يصح ان يتخذها البعض وســيلة للنيل من صلاحيات الرئيس المكلف وفرض أعراف دســتورية جديدة تخالف نصوص الدســتور ومقتضيات الوفاق الوطني.

خامســاً - إن مســيرة التعــاون بــن فخامــة رئيــس الجمهورية وبين الرئيس ســعد الحريري هي التي شــكّلت جسر العبور من مرحلة تعطيل المؤسسات إلى مرحلة اعادة الاعتبار للمؤسسات الدســتوري­ة ودورها .واذا كان البعض يجد في تكرار التعطيل وســيلة لفرض الشروط السياسية ، وتحجيم موقع رئاســة الحكومة في النظام السياسي ، فإن الرئيس الحريري لن يتخلى عن تمســكه بقواعد التســوية السياسية التي انطلقت مع انتخاب فخامة الرئيس ، فحرصه على موقع رئاســة الجمهورية واجب وطني لن يتهاون فيه ، ونجاح العهد هو نجاح لكل اللبنانيين ، وحماية هذا النجاح تكــون اولاً وأخيراً بتأليف حكومة قــادرة على جبه المخاطر والتحديــا­ت وتعزيز مســاحات الوحــدة الوطنية وليس تحجيم هذه المساحات وبعثرتها.

سادســاً - ان الرئيــس المكلــف أول المتضررين من هدر الوقت ، ومــن تأخير تأليف الحكومــة ، لمعرفته بأن حكومة تصريف الأعمال ليســت الجهة المخولة ، ولــن تكون الجهة القــادرة ، علــى معالجة المشــكلات الاقتصاديـ­ـة والادارية والانمائيـ­ـة المســتعصي­ة، وان المخاطر الماثلــة على الحدود الجنوبيــة تتطلب حكومة كاملة الصلاحيــا­ت ، انما حكومة تكون محل ثقــة المحلس النيابي والمواطنين والمجتمع الدولي والعربــي ، لا حكومة تقدم الهدايا المجانية للمتربصين شــراً بلبنان واستقراره .وان بعض المصطادين بالماء العكر ، الذين يأخذون على الرئيس المكلف تعدد جولاته الخارجية يفوتهم ان الرئيس الحريري جعل من الوقت الضائع الذي استنزفوه في تأخير التأليف وســيلة لحماية المشــروع الاســتثما­ري والاقتصــا­دي الذي يراهن اللبنانيون علــى انطلاقته .ولقد نجح الرئيس سعد الحريري في حشــد الاصدقاء والاشقاء على المشــاركة في مؤتمر ســيدر، وهو مؤتمــن على حماية النتائج التي انتهى اليها ، ســواء مــن موقعه كرئيس أصيل للحكومة أو من موقعه كرئيس لحكومة تصريف الأعمال.»

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom