Al-Quds Al-Arabi

فرنسا: «السترات الصفراء» في الشارع مجدداً اليوم وسط تأهب أمني كبير وتكهنات حول مصير رئيس الحكومة

- باريس ـ «القدس العربي» ـ من آدم جابر:

بعد تجاهل أغلبيتهم لقرار الرئاسة الفرنسية، القاضي بإلغاء الزيادات الضريبية على ســعر المحروقات بشــكل نهائي، ولدعــوات الحكومة المتكررة إلــى التهدئة، يعود أصحاب «الســترات الصفــراء» مجدداً، اليوم الســبت إلى الشــارع، حاملين معهم حزمة مطالب، تصاعدت، مع مرور الوقت، إلى رفع القدرة الشــرائية للمواطنين قبل أن تتحول إلى حراك شــعبي ضد سياسة الرئيس إيمانويل ماكرون الاقتصادية والاجتماعي­ة برمّتها.

وقد وضعت الســلطات الفرنســية نفســها في حالة تأهب قصــوى لمواجهة أعمال العنف والشــغب المحتملة من قبل بعــض المحتجين، الذين وصفهــم وزير الداخلية بـ «المتطرفين الساعين فقط إلى التخريب ونشر الفوضى .»

وأعلــن كلٌ من رئيــس الحكومــة إدوار فيليب ووزير الداخلية كريســتوف كاســتانير عن «تعبئة على نطاق واسع» تجنباً لتكرار ســيناريو يومي السبت24 نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت والسبت الأول من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، الذي تحولت خلالهما العاصمة باريس إلى ساحة معركة وتخريب.

ومن أجل ذلك، تمت تعبئة 89 ألف شرطي، ثمانية آلاف منهم في باريس لوحدها. كما ستســتخدم عربات مدرعة تابعــة لقوات الدرك، لأول مرة منذ نحو ثلاثة عشــرعاماً ـ أي منذ اســتخدامه­ا خلال أعمال الشــغب التي اندلعت فــي أحياء ضواحي باريس عــام 2005 ـ عندما كان جاك شيراك رئيساً للبلاد ونيكولا ساركوزي وزيراً لداخليتها.

وفِــي خطــوة احترازيــة أخــرى، اســتجاب جميع أصحاب المحــات والمطاعم والمقاهــي الواقعة على جادة الشــانزلي­ريه التــي أصبحت محور عمليــات التخريب؛ استجابوا لدعوات الحكومة بإغلاقها.

وحذا حذوهم عــدد من أصحاب المحــات الكبرى في قلب باريس والمدن الفرنســية الكبرى كليون ومارسيليا بوردو.

وكذلك فعــل القيمون على برج إيفيــل وكافة المتاحف والمراكز الثقافية الشــهيرة. وهو ما يشكل ضربة جديدة للسياحة والاقتصاد في فرنســا، مع اقتراب أعياد الميلاد التي يتوافد خلالها عادة ملايين السياح من أنحاء العالم إلى باريس. وأيضا، تم تأجيل مباريات للدوري الفرنسي لكرة القــدم، بما في ذلــك مباراة لباريس ســان جرمان وأخرى لموناكو.

في مــوازاة، الاحتقــان الاجتماعي الناجــم عن أزمة «السترات الصفراء» ضد رفع أســعار المحروقات وتدني القــدرة الشــرائية للمواطــن؛ بــات الرئيــس ماكرون وحكومته يخشــيان اليوم كذلك من اتساع نطاق الغضب والاحتجاجا­ت إلــى قطاعات أخرى، فــي مقدمتها قطاع التعليم الذي يشــهد منذ أيام اتســاع رقعــة المظاهرات الطلابية، احتجاجاً على غلاء المعيشــة وارتفاع أســعار الإيجار ورفضًا منهم لقــرارات الحكومة الأخيرة المتعلقة بفرض رسوم على الطلبة الجامعيين غير الأوروبيين. وقد زاد انتشار مقطع فيديو لعناصر من الشرطة وهم يقومون

بـ «تركيــع» مجموعة من الطلبة فــي ثانوية في إحدى ضواحي باريس؛ زاد الطين بلة، حيث وُوجه هذا التصرف بموجة غضب واســتنكار عارمين من قبل الطلبة وبعض السياسيين، باعتباره تصرفاً مهينا. وتجمع مئات الطلبة الجمعة في قلــب باريس للتنديد به. ويأتــي ذلك، بينما دعت نقابتان للنقل البري إلى الإضراب اعتبارا من مساء الأحد لفترة غير محددة. وكذلك فعلت النقابة الرئيســية للعاملين فــي القطاع الزّراعي التي دعــت إلى الاحتجاج طيلة الأسبوع المقبل.

وفِي ظــل تزايد دعــوات بعض المتظاهريـ­ـن وأحزاب المعارضة المطالبة بتحدث الرئيس إيمانويل ماكرون أمام الفرنســيي­ن؛ أكد رئيس البرلمان ريشار فيران ـ وهو أحد المقربين من ماكرون ـ على أن رئيس الدولة سيلقي خطابا مطلع الأســبوع المقبل؛ وذلك في وقت بدأت فيه التكهنات حول مصير رئيــس الحكومة إدوار فيليــب؛ الذي اعتبر محللون سياســيون فرنســيون أنه من المحتمل أن يكون «كبش فداء» حراك «السترات الصفراء».

ورأى هــؤلاء المحللــون أن إعلان قصــر الاليزيه يوم الأربعــاء المنصرم عن الإلغــاء النهائــي للضريبة على الوقود، التي كانت وراء اندلاع حراك الســترات الصفراء قبــل أربعة أســابيع، في الوقــت الــذي كان فيه رئيس الحكومة يدافع من أعلى منبر البرلمان عن القرار الذي أعلن عنه قبل ذلك بيوم والقاضي بتجميد زيادة هذه الضريبة لمدة ستة أشهر؛ يوضح أن هناك اختلافاً في وجهات النظر بين الرئيس ماكرون ورئيس حكومته.

وعليــه، فإن الأمــور تتجه ـ حســبهم ـ إلــى إقالة رئيس الوزراء، لأنه ســيكون هناك تغيير على مســتوى الخط السياســي العــام للرئيس ماكــرون، خاصة على صعيد السياسة الاقتصادية الليبرالية التي قادها رئيس الحكومــة ووزيــرا الاقتصــاد والحســابا­ت، وهم ثلاث شــخصيات بارزة قادمة من حزب «الجمهوريين» اليميني الليبرالي: إدوار فيليب ـ برينو لومير وجيرار دارمانان. ويرى هــؤلاء المحللون أن الوضع ســيتجه إلــى انتهاج سياسية تركز على مســألة تعزيز القدرة الشرائية، وهو ما ســيحتم على الرئيس ماكرون إيجاد شخصية تجسد هذا الخــط الاجتماعــ­ي الجديد. لكن البعــض الآخر من الصحافيين والمحللين السياسيين اختلفوا مع هذا الطرح، باســتبعاد­هم لفرضية إقالة رئيس الحكومة إدوار فيليب من رئاســة الحكومة في هذا التوقيــت؛ معتبرين أن ذلك من شــأنه أن يضعف أكثر الرئيــس ماكرون الذي هبطت شعبيته إلى مستوى قياســي جديد هذا الأسبوع بسبب حراك «السترات الصفراء».

كما أشــار متابعون إلى أن فرنســا لطالما عرفت إقالة رئيــس الحكومة بعد الانتخابــ­ات ـ أوروبيــة كانت أم محليــة ـ مثلما حصل مع رئيس الحكومة الســابق جان مارك ايروليت الذي أقاله الرئيس السابق فرانسوا أولاند بعد الانتخابات المحلية. وعليه، يعتقد مراقبون أن رئيس الحكومــة إدوار فيليب ســيبقى في منصبــه إلى ما بعد الانتخابات الأوروبية في مايو/أيار 2019.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom