Al-Quds Al-Arabi

عايدة صبرا تنكش من جديد في زوايا بيروت وهموم الناس المتراكمة

- بيروت – «القدس العربي» من زهرة مرعي:

«طقس بيروت» عرض مســرحي أطلقته الكاتبة والمخرجة والممثلة عايدة صبرا على مســرح «مونو»، بدءاً من 5 وإلى 16 الشــهر الجاري. اختــارت عنوان عملها الجديد من تعبير يبدو أنه بات شــغلاً شــاغلاً ومتداولاً بين ناس هذا الوطن.

هم يبحثون في هموم الطقس الذي غالباً ما تخيب التوقعات بشأنه، بعد أن ملّوا من همومهم التي تتراكــم وتتضاعف. من «طقس بيروت» دلفــت عايدة صبرا مع بطلين أســندت إليهما المهمــة إلى طقس الوطن وتعبير «تعودت» الذي يحمل مفاعيل التنويم المغناطيسي على البشر.

مباشــرة تضع «طقس بيــروت» المتلقي وجهاً لوجه مع شــخصية مقهورة، مبهمــة وانطوائية، يجلس على مقع في حديقة عامة، وتصدر منه حركات تُظهر كم هو حُطام من لحم ودم، وكم هو مأزوم من الداخل. يظهر رجل آخــر داخلاً إلى مســاحة الحديقة بخفة وحركة معاكســة للشــخصية الأول. الأول في ثياب داكنة، والثاني ملابســه فاتحة. لا يتكلمان. الثاني يتحرك باندفاع وحيوية، والأول يتكوم على نفســه، مهزوم الكتفين، وعيناه جاحظتان. تمر لحظات ترقب ثقيلة، حتى تكاد فكرة أننا حيال مسرحية إيمائية تتسلل إلينا.

«الطقس حلــو اليوم» جملة رددها الممثل إيلي نجيم تصل بينه وبين زميله رودريغ ســليمان. وهذا «الطقس الحلو» يفرّخ شجرة، وشمساً، وعصافيــراً وغيوماً وحواراً يفضي بنا لمزيد مــن التعارف، مع الطبيب البيطري الإنطوائي، الذي يخشــى الأماكن الضيقة والمغلقة وزوجته التي تتجســس عليه. ومع المصور الفوتوغراف­ــي الذي دفن الكثير من أحلامه وتطلعاته في مســار مدينته المضطرب والمتفجر. والإثنان معاً يخوضان في حركة جسد لها مقولتها المعبرة بالتلازم والتساوي مع ما ينطقان به من جمل مبعثرة في أغلب الأحيان.

«طقس بيــروت» يختصر أزمة حيــاة ومدينة فــي طبيب بيطري. ولكثرة الأقفاص التي تســجن الحيوانات التي ارتــادت عيادته، بات يرى العالم قفصاً كبيراً. أما المصور الفوتوغراف­ي، فلا يتوانى عن النطق بجمل فلســفية متقطعة. كفشــله في تركيب الروايات التي يقرأها على نفسه. أو اعترافه بجدبنته المستمرة. أو تفضيله التعامل مع «مفهوم أو فكرة» بعد فشله في التعامل مع الناس.

في سياق العرض نعرف أن الطبيب البيطري يُدعى سعيد، والمصور الفوتوغراف­ي يُدعى حازم. وهما معاً شخصيتان كسرتهما حروب المدينة وأزماتهــا، وأقلها «مجاريرها الطايفة». إنها كذبة اســمها مدينة «نحنا عايشــن بجورة خرا»، يقول أحدهما. بلحظة يخرج الطبيب البيطري من إنطوائيته ليبتسم للطقس قائلاً «حلو حلو الطقس.. خلينا نتمتع.» لكنه يسارع إلى وضعيته السابقة، وكأنه يخشى أن يغادر قفصه. لغة الحوار بين شــخصيتي «طقس بيروت» لها صفة التقطيع. فلا تتواصل عبر أفكار لهــا بدايات ونهايات. هي قطع مركبة مــن هنا وهناك، ولكل قطعة مغزى ومعنى ومضمون. ربما تشبه لغة التخاطب المختصرة عبر وسائط التواصل الإجتماعي التي غزت عصرنا الحالي. تطرح في جمل مبعثرة ومقصودة مأســاة حياتنا على كافة مســتوياته­ا. تلك المأساة تبلغ قمتها عندما نعترف بأننا اعتدنا، أو «تعودنا». وكما هو الحوار في جزء منه غير ملموس وغير مترابط منطقياً، فأن تزرع الكاتبة والمخرجة بطليها في حديقة عامة، هو جزء مكمل للمأســاة. فأين ناس هذا الوطن من هذه الخدمة التي قد تكون ترفاً لا يصدق لو تحققت لهم.

على مدى ساعة وعشر دقائق تواصل عايدة صبرا سردية مسرحية تطال أمــور الناس كل النــاس، من المواطــن المغلوب علــى أمره إلى السياســي والأكاديمي والكاتب ربما. وهي لا تغفل عن مقارنة ناســنا بناس كندا، حيث «للست نجاح» هناك صولات وجولات في غاية الدقة والتصويب عبر لغة كوميدية ســوداء. وحيث باتت كندا جزءاً لصيقاً من حياتها العائلية.

ومن بيروت تتابع الكاتبة والمخرجة الحفــر في زوايا مدينة تعيش على النوستالجي­ا، كما جاء في سياق الحوار.

وإذ صاغت عايــدة صبرا نصاً وحواراً مســرحياً صعباً وســهلاً، عميقاً ومبسطاً في آن، فهي تمكنت من تظهيره جيداً مع خيارين لممثلين يحكيــان في الصمت ولغة الجســد، أكثر مما يحكيانــه نطقاً. رودريغ سليمان وأيلي نجيم ركنان في هذا العرض الذي أحتضنه مسرح مونو، ووصل إلى الجمهور متمتعاً بقدر عالٍ من اللغة المســرحية التي تتقنها «الست نجاح .»

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom