Al-Quds Al-Arabi

ما لا يريد المجتمع الدولي أن يسمعه عن أحوال العراق

- د. نصيف الجبوري ٭ كاتب عراقي

إن مرور أكثر من خمسة عشر عاما على احتلال العراق حيث فرض المحتل وأذنابه عملية سياســية ودســتور طائفي عرقي جعل العراق بلدا لا يمكن أن يحكمه شخص أو حزب منتخب أو غير منتخب.

إملاءات دستورية

إن مــا يجري نتيجة هذه الإملاءات الدســتوري­ة وما نتج عنها مــن محاصصــات طائفية وعرقيــة انعكس بمرور الأيام من ممارســات ظلم ممنهج غير مرئي داخل العراق ضد مكون عراقي أصيل. هذا ما سيقود العراقيين إلى مزيد من التمزق الــذي ينذر بعواقب وخيمة لا يعلم نتائجها إلا الله أهونها التقســيم أو حتى عودة الحرب الأهلية المشفوعة بالثأر والانتقام.

إن انهيــار مفهوم المواطنة وظهــور الهويات الفرعية كالطائفيــ­ة والميليشــ­يات والأحــزاب وترســخها في أعماق البلاد أضحت اشــكاليات يوميــة تنخر مفردات عمق الدولة العراقيــة اجتماعيا واقتصاديــ­ا. لقد بات المتنفذون من العراقيين من أقطاب المحور الثلاثي سابق الذكر يمارســون اليوم مــع مواطنيهم المهمشــن أصلا من العراقيين العرب الســنة سياســة الكفيل أو الضامن التجــاري. أي مثلما تفعل دول الخليــج مع الأجانب من الدول العربية والإسلامية في سياســاتها الاقتصادية. تمارس فــي العراق ايضا هذه العبودية الاقتصادية لكن مع أبناء الوطــن الواحد وليس مع الأجانب من إيرانيين وغيرهم.

إن من الحقائق التي لا تريد أمريكا والدول الأوروبية وســائر دول العالم معرفتها ماهية الأوضاع الاجتماعية والاقتصادي­ة والأمنية في العراق بعد مرور أكثر من عقد ونصف على كارثة احتــال العراق. لقد تجذرت حقائق مرة وصعبة تعيشــها وتتعايش معها طبقات اجتماعية عريضة مــن أهل الســنة بعضهم من ميســوري الحال كالضباط القدامى والتجار وأرباب الحرف المهنية إضافة إلى الموظفين والفلاحــن والحرفيين وجيوش العاطلين من الشباب. بطبيعة الحال هناك أيضا الكثير من المظالم ضد أهلنا الشــيعة أيضا خصوصا في البصرة والنجف وسائر المحافظات الجنوبية سنعرج عليها لاحقا.

معاناة العراقي

إن الهيمنــة الحكومية التي ترســم سياســة العراق الجديد والقاضية برضوخ الآخر لسياســة الأمر الواقع. فقد مورســت وتمارس ضغوطات على الوزراء والنواب الســنة على جميع الأصعدة. فالوزير أو النائب السني الذي جاء بالمحاصصة أو التزوير لا يمكنه أن يقرر قرارا ســياديا دون أن يأخذ موافقة نائبه الشيعي الذي يأخذ التعليمات من حزبه وسياسة مكونه. في حين أن الوزير او النائــب لا يمتلك أي اســتراتيج­ية لخدمة مكونه لأن المكون الســني نفسه استســلم تماما للأمر الواقع وهو مشتت المشارب بين الســلفية والصوفية والإخوانجي­ة. لم يبق أمام أغلب أهل الســنة العرب فــي داخل العراق إلا الصراع مع الحياة ومقدراتهــ­ا اليومية أمام التهجير والخطف والاعتقــا­ل الكيدي والاغتيــا­لات والتفجير. ينبغي إذن على أهل الســنة أن يتعايشــوا مع الظروف الجديدة وفق رغبات وتوازنات المحاور المهيمنة الجديدة الطائفية الميليشيات الأحزاب.

هناك بعــض الأمثلة التي تكشــف معانــاة العراقي السني العربي وانتشــار هيمنة المد الطائفي ففي بعض مدن محافظات صلاح الدين ونينــوى والأنبار وديالى وكركوك لا يتمكن ذلــك المواطن أن يفتح متجرا أو معملا أو حتى دكان بيع خضار من دون أن يشــاركه شيعي من أحد الميليشيات المتنفذة كبدر أو العصائب. هذا الشخص الشــيعي في تلك المنطقة الذي صنف نفسه كمواطن من الدرجــة الأولى أضحــى لا يعمل شــيئا وتأتيه الأرباح نهاية كل شهر دون أي مجهود. والويل والثبور وعظائم الأمور لمن يرفض هذا العرض اذ ستكون نتيجته ومصير رافضه القتل او التهجير أو تفجير المتجر أو البيت.

فــي بلد لم يتعــاف بعد مــن البعد العشــائري أيام النظــام البائــد اذ كانت العشــائري­ة تلعــب دورا مهما آنذاك تحت خيمة حزب البعث والولاء المطلق له. تحول ولاء العشــيرة اليوم مــن الحزب الواحد إلــى الطائفة والمذهب الواحد. فباتــت القبائل تحتمي وتتحرك تحت خيمة المذهب وقوة ميليشــيات­ه المســلحة. فكم من بيت من بيوت أهل الســنة كتب عليه مطلوب دم لا يؤجر ولا يباع. ولإمعان تغفيل الشــعب العراقــي في تلك المناطق ومجاراة رفض عمــوم العراقيين للطائفية المقيتة. يكتب المجرمــون على الجــدار أحيانا مطلوب عشــائريا. لكن الحقيقة أن الميليشيات الطائفية هي التي تقف وراء هذه الأعمال لأنها الوحيدة التي تفرض قوانينها على الدولة والمجتمع.

ضمن هذه السياســة المهيمنة والمتجبــر­ة نرى كيف أن الحشد الشــعبي هدم بيوت ومساجد في قرى صلاح الدين والانبــار وديالى وأحرق بســاتين الفلاحين بعد هروب تنظيم الدولة عام 2015. فعلى سبيل المثال هدمت جميع القصور الرئاسية للنظام السابق في مدينة تكريت بل حتــى المحكمة القضائية وعشــرات البيوت للضباط الســابقين ولا يتجرأ أحد على إصلاحها أو التقرب منها. فالكلمة الفصل للحشــد وليس للمواطن وعلى مواطني تلك المناطق الاستســام والخنوع القسري تحت تهديد التهجير والقتل وتهمة 4 إرهاب.

إن هيمنة الميليشــي­ات على مدن وقــرى العراق فتح الحبل على غاربه لتأجيــج الطائفية مرة أخرى اعتقادا منها بفرض الأمر الواقع علــى الأرض. فجنبا إلى جنب التطهير الطائفي ترتفع الكثير من الشــعارات التكفيرية في الطرقات الرئيســية وعلى جــدران المباني العامة، التي تنتقص بل تســب الصحابة الكبار ورموز الإسلام كأبو بكر الصديق وعمر الفــاروق رضي الله عنهما. كما أن مناهج الدراســة في المدارس والمعاهد والكليات بدأت تتغير بسلاســة وعناية باتجاه تكريــس مقولة عراق المذهب الواحد

الدفاع عن المظلومين

إنني لا أدعي فــي هذه المقالة امتــاك الحقيقة كاملة ولا أدعي الدفــاع ظلما وعدوانا عن أهل الســنة العرب العراقيــن. إن كل مــا أبتغيه هو نقــل الحقيقة والدفاع عن المظلومين في بــاد الرافدين أيا كان دينهم ومذهبهم وقوميتهم. فعلى ســبيل المثال لم يمنعني ديني ومذهبي وقوميتــي أن أقف مع حقــوق أهلنا الشــيعة والأكراد العراقيين ضد بطش النظام السابق ضدهم في منتصف ســبعينيات القرن الماضي. لقد اجبرتنــي تلك المواقف المبدئية فيما بعد لطلب اللجوء السياســي من فرنسا في مطلع أيلول/سبتمبر 1980 ولم أعد لوطني الا بعد سقوط النظام. لســت الوحيد بطبيعة الحال من السنة العرب العراقيين الذين وقفوا ضد النظام في عز جبروته لنصرة المظلومين في العراق. إذ أن هناك الكثير من اهل الســنة العرب ممن استشهدوا لهذه الغايات النبيلة .

أتوقع اليوم بعــد نقل هذه المشــاهدا­ت على الأرض العراقية من أهلنا الشيعة والأكراد أن ينصفوا أهل السنة العرب ويدافعوا عن وجودهم برفض الدستور الطائفي الذي اســتأصلهم. من المفترض أيضا أن يطالبوا بإعادة المهجريــن إلى مدنهــم وقراهم ورفع الضيم السياســي والاقتصادي المســلط عليهم من قبل أنصار الميليشيات الطائفية، تلك التي تشاركهم بدون وجه حق في أرزاقهم وتفرض عليهــم الأتاوات لأســباب طائفيــة وترميهم بالســجون تحت تهــم الإرهــاب الكيدية. كمــا أتمنى المخلصين من الشــيعة والأكــراد أن يطلبوا من الحكومة والمرجعيات الدينية منــع وحظر رفع اللافتات الطائفية المحرضة على الفتنة المذهبية المرفوعة حتى هذه اللحظة في بغداد ومحافظــات ديالى وصــاح الدين ونينوى وكركــوك. من المهــم كذلــك أن يلتزم الإعــام العراقي الرســمي والخاص قواعد المهنية والوطنية والحيادية دون تفضيــل مذهب على آخر ودون ســب وقدح لرموز الإسلام والمسلمين.

أما ممثلو أهل الســنة العرب فــي الحكومة والبرلمان فلا يرتجى منهم أي خير لأن شــغلهم الشــاغل كســب رضى السلطة التنفيذية الحاكمة وربح الأموال والبحث عن الجاه والموافقة باســتلام أي وزارة أو منصب. إنهم بالنتيجة بيــادق تحركهم أمريكا وإيران والســعودي­ة لصالح دولهم. تلك المصالح لتلك الدول غالبا ما تتعارض وتتقاطع مع المصلحة العراقية العليا.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom