Al-Quds Al-Arabi

توابع اقتحام السفارة والانتقال من التطبيع إلى «الصهينة»

- ٪ ٭ كاتب من مصر

■ ما زالت توابع يوم اقتحام الســفارة الصهيونية في القاهرة تتوالى وتتكشف يوما بعد آخر؛ وقد حل في ذكرى «عيد الفلاح» وصــدور أول قانون إصلاح زراعي مصري؛ أعــاد توزيع الأراضي على الفلاحــن، ومنذ يوم الاقتحام زادت العلاقــة قوة بين تل أبيب والقاهــرة، وتطورت من «تطبيع» بارد إلى «صهينة» ســاخنة؛ مهيمنة ومعششــة فــي قطاعــات الدولة وبــن مكاتــب الرئاســة وإدارات الحكم، وهــذا نقل العلاقة مع تل أبيب من الســر والحرج إلى العلانية والســفور.. وجاءت ذكــرى الاقتحام فرصة للتأديــب والانتقام والتضييق المتجــدد والمعلن من ثورة يناير 2011 ومن ملايينها الملبية للنداء.

خلال الســاعات الأولى لتوافد المتظاهرين فر الســفير الصهيوني «اســحق ليفانون» فجر الســبت العاشر من أيلول/ســبتمبر 2011، في وقت تصاعدت فيه المواجهات خلال مســاء وليل ذلك اليــوم، واســتمرت حتى صباح اليوم التالي. وقدرت المصــادر الصهيونية أعداد المصابين بأربعمئة وخمســن جريحا.. ووفاة أحدهم بأزمة قلبية، نقلا عــن وزارة الصحــة المصرية.. واســتولى مقتحمو الســفارة علــى وثائــق «ســرية»؛ وجدوها فــي غرفة للمحفوظــا­ت )الأرشــيف(؛ اعلى المبنى، وألقــوا بها إلى الشــوارع المحيطة، فتلقفها المتظاهرون حسب ما صرحت «وكالة انباء الشرق الاوسط» الرسمية، وسُمِعت أصوات طلقات ناريــة كثيفة، وتعرضت ســيارات ومركبات قرب المبنى للحرق والتدمير.

ألقت قوات الأمن والشــرطة قنابل غاز مسيل للدموع، وأطلقت عيارات ناريــة لتفريق المتظاهريـ­ـن وإبعادهم، وأذاعت وسائل الاعلام الصهيونية ان السفارة أُخليت من العاملين فيها، ولم يصب اي منهم بأذى. وصرح مســؤول صهيونــي بــان المتظاهرين اقتحمــوا المبنــى؛ لكنهم لم يتمكنوا من تجاوز بهو المدخل، ولم يدخلوا الســفارة قط. وانتشــر مئات الجنود في المكان، الــذي أحيط بالمدرعات والمصفحات، وتم عزل المبنى بالكامل، وقطع الإضاءة عنه وعن الشوارع المحيطة به.

واللافت أنــه في منتصف ليل التاســع وفجــر اليوم العاشــر من أيلول/ســبتمبر 2011.. وأثناء خلود البعض للراحــة في منتصــف الليل؛ حول تمثــال «نهضة مصر ،» وفُوجِئوا بسيارات إسعاف كانت تنتظر بالقرب من المكان تندفع بقوة وتدور حول التمثال بشكل هستيري؛ متزامن مع ظهور مجموعة صبية وصغار سن؛ تُهلل وتُحدث جلبة وتحــذر من جماعــات متجهة لمديرية أمــن الجيزة ونحو السفارة الســعودية؛ القريبتين من السفارة الصهيونية.. ولم يُعرف من أين جاء هؤلاء وكيــف ظهروا، وتقرر عدم الانشــعال بهم، فقد يكونون مجرد تغطية لإحداث فوضى وبلبلة بين الحشود.

وانتشــرت حكايات عن متظاهرين بهدمون الحوائط الخرسانية المحيطة بالسفارة الصهيونية، وكانت بارتفاع مترين ونصــف المتر، وبُنِيت قبيل ايام ســبقت الاقتحام، كاحتــراز وتحوط وتحصين ضد مــا لا يحمد عقباه، وقيل كلام آخــر عن اســتخدام المطارق والقضبــان الحديدية في الاقتحام.. والمشــهد المؤكد هو تَمَكُّن شــاب من تسلق المبنى البالغ ارتفاعه عشــرين طابقا عن طريق الشرفات ووصولــه لأعلاه؛ منتزعا العلــم الصهيوني؛ ملقيا به في الشارع وسط تهليل المتظاهرين، وعلمنا من الشاب وعدد من أقرانه أنها المرة الثانية التــي يقوم فيها بإنتزاع العلم الصهيوني خلال اقل من شهر.

ولاحظنا أن المتظاهرين يتصرفون بمســؤولية عالية، وتابعنــا مداولاتهم عــن كيفيــة التعامل مــع الحوائط الخرســاني­ة الحصينة، وهي حوائط عملاقــة مركبة من ألواح ضخمة؛ تشــبه إلى حد كبير الأســوار العازلة بين المســتوطن­ات الصهيونية وجدران الفصل العنصري في الضفة الغربية، وعلمنا أنهم مجموعة مهندســن وطلاب معاهــد وكليات هندســية وفنيــة؛ نجحوا فــي التوصل لطريقــة تفكيك تلك الحوائط العملاقــة؛ مع حرصهم على قوات الحراسة وسلامة المتظاهرين وتوفير أقصى درجات الأمان لهم، وللمبنى..

وأُحْضِرت جنازير وسلاســل وحبــال قوية، وتم ربط كل حائط خرســاني على حدة، ثم شده وسحبه في اتجاه معاكــس للحائط الملاصــق، فتخلخلت وأمكــن تحريكها وإزاحتها جانبا بطريقة محســوبة؛ رياضيا وهندســيا.. وقتهــا تذكرت «خط بارليــف» المنيع أثنــاء حرب 1973، وكيف اســتُخْدِم في الحرب النفســية المعلنة من العدو.. انتشــرت مقولات عن تصميمه بطرق لا تؤثر فيها القنابل النووية، ولا تقوى على تدميره أي أسلحة غيرها.. وأثناء التدريب على العبور عاش مهندس عسكري شاب؛ تجربة تحويل مجرى النيل؛ في بداية المرحلة الأولى لإنشاء السد العالــي.. والاعتماد على مضخات مياه عملاقة ذات ضغط عالي، ويمكن توجيهها إلى «خط بارليف» فتقوضه، وهذا ما حــدث، ونجحت المضخات في فتح ثغــرات كبرى على طول «خط بارليــف» وعرضه، وعَبَر الجنود بســاحهم في قــوارب مطاطية، وعبــرت المدرعــات والمركبات على جسور وكباري بناها سلاح المهندسين لوصل ضفتي قناة السويس ببعضهما.

وعمل بمستوى اقتحام الســفارة الصهيونية المحصنة أضحت له توابــع؛ وصلت أعلى مراحلهــا حاليا، ونقلت «التطبيــع» إلى «الصهينــة»، التي يجــري تعميمها على الإدارات والمؤسســا­ت والهيئــات الحكوميــة، واعتــاد عليهــا «شــباب البرنامج الرئاســي»، الذي يعد لشــغل المناصب التنفيذية، وضمن هذا الســياق نشرت الصفحة الالكتروني­ــة للســفارة الصهيونية بالقاهــرة في يونيو الماضــي؛ خبر ضم شــركات جديــدة لاتفاقيــة المناطق الصناعيــة المؤهلــة؛ المعروفة باســم «الكويــز»؛ صيغة اقتصادية وتجارية وضعتها واشنطن؛ مع توقيع الاتفاقية عام 2005، وتقوم بإضافة نســبة من منتج صهيوني إلى المنتج المصري، فـ«تحل عليه البركة الأمريكية المقدســة،» ويســمح له بالدخول للسوق هناك.. وعدد هذه الشركات اثنتا عشــرة ضُمَّــت لـ980 شــركة، بلغت اســتثمارا­تها 9 مليــارات دولار خلال الفتــرة ما بــن 2005 إلى 2016، ونسبتها غالبة في مجال النســيج والملابس، وتبلغ 95 من إجمالي الصادرات المصرية لأمريكا.

ومنذ يوم الاقتحــام لا تتوقف محــاولات رد الاعتبار للدولة الصهيونية، وســمحت رئاســة الدولــة، ووافقت الحكومة علــى التصريــح بإقامة الاحتفــال الضخم في القاهرة؛ في الذكرى الســبعين لـ«استقلال» الدولة الصهيونية؛ المرادف العربــي للنكبة، ومرور 40 عاما على اتفاق كامب ديفيد عام 1978، وانتهاءا بتوقيع «معاهدة ســام» عام 1979؛ أنهى بهــا الطرفان الموقعان عليها حالة الحرب وأقاما علاقات طبيعية وودية بينهما.

وكان ذلــك أول حفل صهيوني بذلــك الحجم في أرقى الفنــادق وأفخمهــا بالقاهــرة، ويطــل على أهــم وأكبر ميادينها؛ ميــدان التحرير، وكانت العــادة قد جرت على إقامة هذه المناســبا­ت بمقر إقامة الســفير، وجاء الإصرار الصهيوني على إقامته، وتأكيــد رد الاعتبار على اقتحام الســفارة الصهيونية في أيلول/ســبتمبر 2011، وإنتزاع العلم الصهيوني من أعلاه؛ في مشــهد أحرج الســلطتين المصرية والصهيونية.

وعلقــت صحيفة «يديعــوت أحرونوت» ســاخرة من الغضب الشــعبي بالقول «إن معارضــن للتطبيع طالبوا إلغاء الحفل، كما حاول مســؤولون مصريون منعه بحجة الأســباب الأمنية، وباءت محاولاتهم بالفشــل».. وجاء ذلك لتأكيد تجاوز مرحلــة «التطبيع» المنصوص عليها في اتفاقيات موقعة من حكومــات مصرية متعاقبة منذ زيارة الســادات للقدس المحتلة فــي 1977، وإعلان دخول حقبة «صهينة» جارية على قدم وســاق بضغط صهيو أمريكي، وتضييق رئاســي مصري، ودعم صهاينة عرب ومسلمين؛ واضح وسافر.

ولــم ينــس الســفير الصهيونــي بالقاهــرة «دافيد غوفريــن»، في كلمته التــي ألقاها باللغــة العربية خلال الحفل، أن يشــير لمســاعدة الســلطات المصرية وأجهزة الأمن على «إتاحة الفرصة»!! لإقامة الحفل.. عندها «رفعت الأقلام وجفــت الصحف»، وســكتت الدولة والرئاســة والحكومة، و«السكوت علامة الرضى» وكأن هذه العربدة، وذلك الحفل العقيم، وكأنه أقيم على سطح كوكب آخر غير «الكوكب المصري».!!

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom