Al-Quds Al-Arabi

الفيلم المصري «ورد مسموم» في صحة الفقراء والمقهورين وأبناء السبيل

-

لا نود المقارنة بين الفيلم والرواية، ولا يجب أيضاً بما أن كل منهما هو وسيط مختلف، ولكن إذا كانت الفكرة الأساسية التي ذكرها المخرج في الندوة سالفة الذكر، لا تنتمي لفكرة الــروايــ­ة، فلماذا العمل من خلالها، هل سيتغير شيء لو تغيّرت أسـمـاء الشخصيات؟ بمعنى مـا علاقة الفيلم بالرواية؟ فموقف صقر في الرواية وجـودي في الدرجة الأولــى، لديه درجة من الوعي، وقد خسر كل شيء ــ لا يدّعي كاتب الرواية أنه ينتصر للفقراء والعمال ويناصر المـرأة المقهورة ــ فالرواية التي صدرت في بداية التسعينيات من القرن الفائت، كانت تمثل أزمة جيل جديد، وجد جميع الطرق مسدودة، ويحاول الخلاص من مأزق محتوم. أما الفيلم وهو مستقى من آخر وثائقي جاء بعنوان «جلد حي» للمخرج نفسه عن عمال المدابغ، فهو يتاجر بهذه الفئة كحال فناني الدعاية ومندوبي مبيعات السلع الاستهلاكي­ة.

هنا تصبح تحية شقيقة صقر هي البطلة، والتي حسب التصريحات ــ سواء المخـرج وبعض الصحافيين من رفاقه ــ تعاني قهراً متجذرا في المجتمع، فهي التي تعمل وتعيل الأسرة بعد وفاة الأب، حيث صقر شقيقها وأمها يعملان ضمن العمالة الموسمية، الأم في مشغل خياطة وصقر في أحد المدابغ المنتشرة في الحي. ورغم ذلك فهي تريد منعه من السفر، هذا الحلم الذي يـراوده دومـاً، حتى ولو كان عن طريق الهجرة غير الشرعية، إضافة إلـى أن الآنسة تحية عاملة النظافة في أحد الأماكن ــ مول أو ما شابه ــ لا تجد سنداً في حياتها سوى شقيقها، حتى أن الأمر يختلط على البعض في تفسير علاقة البنت وشقيقها، فهي تراه رجلها الوحيد في الحياة بالمعنى الأوسع للكلمة. لا يهم، وتأتي التبريرات والـتـأويـ­ات الناقدة المتبصرة، بأنها الأم الأولـــى، وتنويعة لحكاية إيزيس ولملمة أشلاء أوزوريـس، وأن هـذه العلاقة الغامضة تثير شغف المشاهد، ولا ننسى التذكير بمصطلحات ثقافية من قبيل الواقعية القذرة وروادها، والكثير من العبارات التي تثير إما الضحك أو الغثيان. الأمر لا علاقة له بمنظومة قيم ومـا شابه من هـذه المصطلحات الأشد مقتاً من تبريرات رفاق الثقافة وشلليتها المعهودة.

الأمـــر هـنـا يعتمد فـكـرة التسويق، ولنبحث هذه المقولات، عمال كادحون، امرأة مقهورة تعمل وتعيل أسرتها، علاقة غامضة بأخيها، القهر الذكوري، والهجرة غير الشرعية. تركيبة مناسبة جداً للبيع في المهرجانات والحصول على بعض الدعم من أماكن أخرى.

«كان ممكن أجيب منوّم بـ 7 جنيهات، بدل ما أدفع 40 جنيها تمن التذكرة وأنام في السينما». كانت هـذه عبارة إحدى المشاهدات بعد العرض. والفتاة للعلم على درجة من الوعي ومشاهدة جيدة للأفلام، وليست من المقهورات وأبناء السبيل. وبخلاف التعلل بمقولات السينما المختلفة، وعلى الجمهور أن يرى سينما أخرى غير التجارية المعهودة، وأن الفن السينمائي المصري لابد وأن يخرج من إطـار السرد التقليدي والحكايات التقليدية، وكل هذا الهراء ــ كلمات أكثر استهلاكية ــ ناهيك عن المزج ما بين السرد التوثيقي والروائي، إضـافـة إلــى اللغة البصرية والإضـــاء­ة الطبيعية للأماكن، وقــد جعلنا المخـرج نرى المكان بشكل جديد وغريب عن عين الجمهور وما اعتاده من لقطات لمثل هذه الحـواري ــ هذه العبارات تكررت بالنص في أكثر من مقال عن الفيلم، وكأنها نشرة أو بيان شــارح قد وزّع عليهم ـــ ولكن ماذا عن الممثلين الأمـوات في التعبير عن مشاهد قليلة ظهر بها بعض أشخاص من المكان؟ المقارنة ليست في صالح الممثلين، خاصة الفنان صقر، هذا البرود في الأداء قابله لقطات طويلة بها الكثير من الملل، لاستعراض عمليات دبغ الجلود، فعلى الرغم من جماليات بعض اللقطات، إلا أن مدتها على الشاشة قد أفقدتها الكثير من تأثيرها، إضافة إلى رحلة تحية اليومية وهي تحمل الطعام لأخيها ــ رحلة سيزيف كما قالت إحدى المشاهدات ــ أو أن البطولة لـ «عمود الأكل .. اللي رايح جاي قدامنا» كما قال أحد المتفرجين قبل مغادرته القاعة ــ ناهيك عن دور الساحر، الـذي قام به محمود حميدة، أو أن الساحر هو الذي قام بمحمود حميدة، مش عارف!

من الممكن قبول العمل في إطار كونه تجربة سينمائية نتفق أو نختلف على بعض تفاصيلها، لكن تصوير وتصدير الأمر بأنه الحدث الجلل ــ كم من أحداثنا التافهة نلصق بها صفة الجلال دومًـا ــ فهو أمر لا يُحتمل. كذلك التحدث بلسان الناس العادية، دون إضافة رتوش البلاغة الساذجة، وقبولهم كما هم، دون ادعاء أو تفلسف أجوف، هو أمر في غاية الغموض كما في علاقة صقر بشقيقته تحية.

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom