فكرة التطريز أكبر من أن تكون تراثا
اختتام معرض «غزْل العروق» في المتحف الفلسطيني
اختتم المتحف الفلســطيني معرضه «غــزْل العروق: عين جديدة على التطريز الفلســطيني»، بعدما انطلق في مارس/ آذار الماضي واســتمر داخل مقره فــي بيرزيت، بحضور أكثر من 20 ألف زائر. وحسب بيان صادر عن المتحف الفلسطيني فقد نفّذ المتحف أكثر مــن 50 فعالية ضمن البرنامج التعليمي والبرنامــج العــام المرافقــن للمعــرض، تضمنــت زيارات تفاعلية لـ 89 مدرســة من مختلف المدن الفلسطينية. وتتبع معرض «غزْل العــروق» التحولات التي شــهدها تاريخ التطريز الفلســطيني، بدءا من زمن ارتباطه بذات المرأة الفلســطينية وتعبيره عنهــا، مرورا بتحولــه إلى رمز بصري ووطني للقضيــة والثورة، وصــولا إلى تداوله المعاصر كمنتج فنّي وثقافي واستهلاكي. متناولا تداعيات تسييس التطريز الفلســطيني وانتقاله إلى عالم الصور عبر اللوحات والملصقات، ومسائلا طبيعة إنتاجه الراهن في كنف المجتمع المدني، ونتائج تسليعه.
80 ثوبا فلسطينيا
ويأتي المعــرض كواحد من أضخم الإنتاجات الثقافية حــول التطريز، حيث عــرض أكثر مــن 300 قطعة، منها 80 ثوبا فلســطينيا، مع حُجُبها وتمائمها ونقوشــها وما تحمله وتومئ إليــه من تاريخ مُضمر في نســيجها، من مختلف عقود القرن العشــرين، في مجاورة مع مجموعة من الأرشــيفات المحلية والصــور والملصقات واللوحات والمــواد الأدبيــة والموســيقية ومقاطع الفيديــو الُمعدة خصيصا لأغراض المعرض. ومن خلال عرض أثواب تبلغ من العمر مئة عام إلى جانب منتجــات تطريز معاصرة، تحدّى المعرض السرديات ذات التسلسل الزمني المباشر، وقدّم من خلال منهجه قــراءات متداخلة للتطريز، موفرا بذلك إطارا نقديا لفهم التطريز باعتباره وســيطا للديناميات التاريخية والسياسية وأحد منتجاتها.
مثل وصور الأنوثة
ورغم اعتبار التطريز تاريخيا أمرا هامشــيا، احتفى «غزْل العروق» بالنساء اللواتي يســتمدّنّ قوتهنّ من عملهنّ الذي يقبع في الهامــش. وفي الوقت الذي يشــهد فيه العالم جدلا متزايدا حول حقوق النســاء وسيادتهن على أجسادهن، ركّز المعــرض على فهم دور التطريز في بنــاء مُثُل وصور للأنوثة في فلســطين في ماضيها وحاضرها، ساعيا لإبراز الأصوات النسائية. وقالت زينة جردانة، رئيسة مجلس إدارة المتحف الفلســطيني، «إنّ مهمتنا في المتحف الفلســطيني تكمن في سرد الرواية الفلسطينية، والحفاظ على التاريخ الفلسطيني والتفاعل الحيوي مع غناه، ليبقى مصدرا دائم التطور والنّمو للمعرفة محليا ودوليا»، معتبرة أن «غزْل العروق» هو نجاح آخر للمتحف الفلسطيني في خلق حراك ثقافي حول مواضيع حيوية ومهمة في تاريخ وحاضر الفلسطينيين.
فكرة ملهمة
وقالت قيّمة المعرض، ريتشــل ديدمان: «بعد أربع سنوات من البحث، وُظَف التطريز الفلســطيني فــي كل من معرض «غزل العروق» وتوأمه معرض «أطراف الخيوط»، الذي نظمه المتحف في بيروت عــام 2016، كمنهجية لتعقّب العلاقات بين تواريخ قــد تبدو متباينــة ومنفصلة، فالثيــاب، باعتبارها مادة يُنتجها ويرتديها الناس على أجسادهم، تشكّل جزءا لا يتجزأ من بنية المشهد الاجتماعي-الاقتصادي والسياسي في لحظته الراهنة، وتعكس الديناميات التي تحرك هذا المشهد. إن تواريــخ الزراعة والتجــارة الدولية، وحتــى الطبقات الاجتماعية وتمثيل الهوية، بالإضافــة إلى الرمزية والهوية السياســية للمكان، والقدرات النضاليــة الكامنة في الثياب والتطريز باعتبــاره فعل مقاومة، هي كلهــا قصصٌ تحكيها الأقمشــة وتدل عليها. وأضافــت ديدمان: «أعتقــد أن فكرة التطريــز أكبر بكثير من أن تكون تراثا، إلا أنها، وبصفتها أمرا نشــيطا وغنيا وحيويا وقوة حية تلهمنا، فإنها بمثابة مدخل لفهم التاريخ الفلســطيني، وهذا باعتقادي أكثر الأمور إثارة على الإطلاق.
تجربة تعليمية
وحســب بيانه نظم المتحف أكثر من 50 فعالية حول ثيمة المعرض ضمــن البرنامج العام والبرنامج التعليمي، شــارك فيها ما يقارب 12000 شخص، تنوعت بين محاضرات فكرية، وورش عمل فنية، وجولات تفاعلية، وأيام مفتوحة للعائلات. كما قدّم المتحف تجربة تعليمية مختلفة لأكثر من 8 آلاف طالب مدرسي، حيث صُممت أنشطة تعليمية أتاحت لهم التفاعل مع المعرض بما يحتويه من مــادة بحثية ومعروضات تاريخية، عن طريــق الملاحظة البصريــة والتفاعل الحســي، إضافة لإنتاج مصــادر تعليميــة لتعميق تجربة الطلبــة والمعلمين في المتحف، مثل كتيب بعنوان «مستكشــفو ومستكشــفات المتحف الفلســطيني»، وكتيب «دليــل المعلمين والمعلمات في المتحف الفلســطيني ». وســيفتح المتحف الفلســطيني آفاقا جديــدة للتفاعل مع معــرض «غزْل العــروق » ونقل تجربته حتى بعــد انتهائه، مــن خلال تقنيــة الواقــع الافتراضي، حيث عمــل المتحف على إنتــاج جولة افتراضيــة من خلال سرد ثلاث قصص مســتوحاة من المعرض عن: فلسطين قبل النكبة، أثواب الانتفاضة الأولى، وتطريز الرجال )الأســرى في سجون الاحتلال(، لاستكشــاف تاريخ فلسطين وحياتها السياسية وثقافتها بطريقة تفاعلية ومبتكرة، ونقل المعرض إلــى أماكن مختلفــة حول العالم. في الســياق ذاته يشــكر المتحف الفلسطيني مقرضيه وداعميه لدورهم القيّم في إثراء محتوى المعرض، وهم: الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، بنك فلســطين، صندوق لينبيري، غالية وعمر القطان، دار الطفل العربي للتراث الفلسطيني، متحف جامعة بيرزيــت، طراز ـ بيــت وداد قعوار للثــوب العربي، جورج الأعمى، مها أبو شوشــة، ملك الحســيني عبد الرحيم، عائلة الفنان عصام بــدر، إبراهيم وكريســتا اللدعة، عبد الرحمن المزيّن، تمام الأكحل، فيرا تماري، نائلة لبّس، جمعية إنعاش المخيم الفلســطيني، جمعية إنعاش الأسرة، مشروع أرشيف ملصق فلســطين، جاليري زاويــة، فرقة الفنون الشــعبية الفلسطينية، مركز الفن الشعبي، ومجموعة من الأفراد الذين أعارونا قطعا من أرشــيفاتهم الشخصية. كما يستعد المتحف لإطــاق معرضه المقبل «اقتــراب الآفاق: التحــوّلات الفنيّة للمشهد الطبيعي » في مارس/ آذار 2019.
نشر الرواية
مستندا إلى ثيمة الأرض وما تخلقه من تمثلات في السياق الفلسطيني سيتفكر المعرض ويتأمل في المواضيع التي برزت في الأعمال الفنية، وذلك انعكاســا لما تركته الأرض والعلاقة معها من تصورات في مخيلة الفنانين الفلسطينيين والعاملين في الســياق الفني، تحت إشــراف القيّمة تينا شيرول. يُذكر أن المتحف الفلسطيني هو مؤسســة ثقافية مستقلة، مكرسة لتعزيز ثقافة فلســطينية منفتحة وحيوية على المســتويين المحلــي والعالمي، ويقوم بإنتاج ونشــر روايــات عن تاريخ فلسطين وثقافتها ومجتمعها، وهو أحد أهم مشاريع مؤسسة التعاون، المؤسسة الأهلية الفلســطينية غير الربحية، التي تهدف إلى توفير المساعدة التنموية والإنسانية للفلسطينيين في فلسطين والتجمعات الفلسطينية في لبنان.