Al-Quds Al-Arabi

فرنسا: تعبئة «السترات الصفراء» تقوّض الحوار الوطني الساعي لاحتوائها

يرى بعض المراقبين أن هناك اطباعاً بأن هذا الحوار الوطني الشامل هو مجرد محاولة لإقامة «جدار دخان» لإطفاء لهيب حراك «السترات الصفراء»

- باريس ـ «القدس العربي»: آدم جابر

قبل يومين من انطلاقه رسمياً لا يزال هناك غـمـوضٌ كبيرٌ يلف تنظيم الحــوار الوطني الشامل الـــذي يـهـدف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحكومته من خلاله إلى الخروج من أزمة حراك «السترات الصفراء» الاجتماعي، الذي تشكل فصولُ تعبئته الوطنية الميدانية المتواصلة وأعمال العنف التي تتخللها تحدياً كبيراً أمام السلطات، في وقت تقوض أعمال التخريب والعنف تدريجياً مصداقية حركة «السترات الصفراء».

ويـواصـل محتجو السترات الصفراء فصول تعبئتهم الوطنية التي تلقي بثقلها على المشهدين السياسي والاقتصادي في فرنسا، وذلك رغم تنازلات الرئيس الفرنسي إيمـانـويـ­ل مــاكــرون وإعــانــه عــن حزمة إجـــراءات في نهاية العام 2018 من أجل امتصاص الغضب والاحتقان الاجتماعي، وهو ما يضع مصير الحوار الوطني الشامل الذي يفترض أن تبدأه الحكومة الفرنسية رسمياً منتصف يوم الثلاثاء المقبل، على المحك، حتى قبل أن يبدأ. وفي محاولة من الحكومة للسيطرة على الوضع الميداني مع انطلاق الحـوار الوطني العام أعلن رئيس الوزراء إدوار فيليب أن حكومته تعتزم تقديم مشروع قانون جديد لتشديد العقوبات بشأن الاحتجاجات غير المصرح بها وضد من وصفَهم بـ «المخربين». هذه التصريحات اعتبرها الصّحافي محمد الخضيري تؤكد على أن «الحكومة ماضية في سياستها لإفقاد المتظاهرين مصداقيتهم عبر وصفهم بــ بالمخربين والدعاة إلى إسقاط الحكومة غير أن دينامية الـشـارع الفرنسي تظل محكومة بتقاليد الاحتجاج الضاربة في تاريخ السياسة في هذا البلد». وأضاف أنّ «ما نراه اليوم هو شكل من أشكال الاختراق للحراك الاجتماعي من طرف أحزاب اليمين وأصبحت دعــوات المحتجين تتقاطع مع بعض الأجندات للأحزاب اليمينية. وقد يؤدي ذلك إلى تقلص في أعـداد المحتجين بحكم أن فعاليات يسارية ومدنية كانت في طليعة المحتجين في بدايات الحركة قد تراجع حضورها. وهذا ما قد يشكل بوادر حراك سياسي شعبوي يميني شبيه بدول أوروبية أخرى كإيطاليا.»

في هذا السياق أظهرت نتائج استطلاع للرأي، أجـراه معهد «ألاب» لقناة «بي أف م تي في» الإخبارية هذا الأسبوع، أظهرت انخفاضاً حـــاداً فـي دعــم الـــرأي العام الفرنسي لحراك السترات الصفراء، وهو الأول من نوعه منذ بـدء تعبئة السترات الـصـفـراء فــي منتصف شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المـاضـي. فمع أن أكثرية الشعب الفرنسي لا زالت تدعم هذا الحراك إلا أن النسبة انخفضت إلى 60 في المئة في غضون ثلاثة أسابيع، ما يعني أن الحراك خسر عشر نقاط. ومع ذلك لاحظ مراقبون أن الحـراك لايـزال صلباً ذلك إن فرنسيين اثنين من أصل ثلاثة يواصلون دعمه. في حين انقسمت آراء الفرنسيين الذين شملهم الاستطلاع بشأن مسألة استمرار التعبئة الميدانية التي أصبحت تخيم عليها أعمال العنف مع الشرطة وعمليات التخريب: 51 في المئة مع استمراره بينما يريد 49 في المئة أن يتوقف.

استقالة شانتال جوانو

ورغـــم اسـتـمـرار التعبئة الاجتماعية واستقالة الوزيرة السابقة شانتال جوانو من رئاسة اللجنة الوطنية للحوار الوطني العام، إثر الجدل الواسع بخصوص راتبها الشهري في مهمتها الجديدة، الذي يقارب 15 ألـف يوروشهريا؛ رغـم كل ذلـك شدد رئيس الحكومة إدوار فيليب، يوم الخميس المنصرم، على أنّ الحـوار الوطني الشامل الذي أعلن عنه الرئيس إيمانويل ماكرون في ديسمبر/كانون الأول الماضي في محاولة للخروج مـن أزمــة «الـسـتـرات الصفراء» سينطلق رسمياً يـوم الثلاثاء 15 يناير/ كانون الثاني الحالي رغم تزايد الشكوك وتتزايد الأسئلة بشأنه. على سبيل المثال: من سيكون الضّامن، على المستوى الوطني، لمصداقية وشفافية هذه الحوارات، خاصة استقالة شانتال جوانو؟

هذا الانسحاب لاقى انتقادا كبيرا من إدوار فيليب، معتبراً أنه «في السياق الذي تمر به البلاد فـإن أولئك الذين يخدمون ويحبون الـدولـة انخرطوا في شكل من أشــكــال التعبئة، بـــدل مــن الانـسـحـا­ب والابتعاد» في إشارة إلى استقالة شانتال جوانو؛ التي لا يزال الرئيس ماكرون يبحث عن بديل لها )حتى اللحظة(. ورأى الإعلامي مصطفى الطوسة أن هذا «الحوار الوطني سيولد ميتاً حيث أن هناك حالة غضب على النخبة الباريسية التي تعطي لنفسها رواتب كبيرة في الوقت الـذي تعيش فيه غالبية الفرنسية في ظروف اجتماعية واقتصادية عسيرة. كما أننا لا نعرف بشكل واضح محتوى المحاور التي ستطرح للنقاش ومدى تجاوب الحكومة معها خصوصا أن بعض الشخصيات الحكومية المقربة من الرئيس إيمانويل ماكرون أشـارت إلى أنه بالرغم من كل ما يمكنه الخــروج من هـذا الحـوار فإن الرئيس لن يغير بطريقة جذرية مقاربته السياسية والاجتماعي­ة والاقتصادي­ة».

كـمـا يـــرى بـعـض المــراقــ­بــن أن هناك اطباعاً بـأن هـذا الحــوار الوطني الشامل هو مجرد محاولة لإقامة «جــدار دخـان» في محاولة لإطفاء لهيب حراك «السترات الصفراء» وليس كمتنفس أو كديناميكة للخروج بأفكار ومقترحات يمكن أن تؤخذ بطريقة جدية على المستوى الحكومي. وهذا الانطباع نجده لدى جميع الأطراف السياسية المعارضة للرئيس مـاكـرون، يمينها ويسارها، والتي لا تمنح أي مصداقية لهذا الحوار الوطني الهادفة إلى إنهاء الأزمة الاقتصادية والاجتماعي­ة.

ومنذ النصف الثاني من شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي قام العديد من رؤساء البلديات بفتح دفاتر مقترحات أمام جميع المواطنين. وقد لاحظت صحيفة «لوموند» الفرنسية، مـن خــال تحليل مقترحات مئات من المواطنين، أنها تمزج بين القضايا العامة والطلبات المحلية للغاية، وفي بعض الأحيان تأخذ شكل كتالوج حقيقي من التدابير المفصلة للغاية التي تأكد في مجملها على الحاجة العميقة إلـى عدالة ضريبية واجتماعية والمزيد من الديمقراطي­ة والشفافية، فضلاً عن الخوف من التخفيض مـن مستوى الخــدمــا­ت العمومية. ومن المفترض أن يوجه رئيس الحكومة إدوار فيليب الاثـنـن 14 يناير/كانون الثاني الجـــاري، كلمة إلــى الجمعيات وممثلي النقابات لتوضيح إطار هذا الحوار الوطني الشامل.

ومع تنظيم هذا الحوار الوطني الشامل الذي سينطلق رسمياً الثلاثاء فإن الرئيس الفرنسي إيمانويل مـاكـرون وحكومته، لا يحاولون الخــروج من أزمـة «السترات الصفراء» فحسب وإنمــا تقديم إجابات ملموسة وواضحة على المقترحات التي تم التعبير عنها علاوةً على مطالب «السترات الـصـفـراء» والـتـي لا تقلل الحكومة من أهميتها هي الأخرى.

 ??  ?? تواصل احتجاجات «السترات الصفراء»
تواصل احتجاجات «السترات الصفراء»

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom