Al-Quds Al-Arabi

«تحرير الشام» تحتكر قرار الحرب والسلم والإدارة المدنية فهل سنراها في مؤسسات المعارضة السياسية؟

- منهل باريش

سيطرت هيئة «تحرير الشام» على كامل منطقة خفض التصعيد الـرابـعـة فـي إدلـــب حسب مسار إستانة والتي اتفقت روسيا وتركيا على حل عقدتها في سوتشي في 17 أيلول/سبتمبر 2018.

وجـــاءت السيطرة بعد هزيمة فصائل حربا كما حصل مع حركة نور الدين الزنكي في ريف حلب الغربي، أو نصف حرب كما حصل مع حركة « أحرار الشام» الإسلامية بعد نصف يــوم مـن المــعــار­ك في سهل الغاب وجبل شحشبو المعقل التاريخي لحركة «أحــرار الشام» ومسقط رأس قادها السابق غسان عبود )اغتيل مع قادة أحرار الشام في تفجير غامض في رام حمدان شمال إدلب في 2014/9/8.)

فيما فضلت «صـقـور الشام» و«أحـرار الشام» في أريحا ومعرة النعمان وريفهما تجنب خسارة محتملة، ووافــقــا على مـا يمكن وصفه بنصف استسلام حافظا خلاله على سلاحهما.

وانتقلت هيئة «تحرير الشام» يوم الجمعة إلى الفرض على «جيش الأحـرار» بتسليم مقراته ومواقعه العسكرية وحواجزه في ما يعرف بقطاع الحدود شمال غربي إدلب والــــذي يتبع مــا تبقى مـنـه إلـى محافظتي إدلب واللاذقية. وامتثل جيش الأحرار إلى شروط الاتفاق الذي فرضته قيادة «تحرير الشام». سلم خلالها قطاع الساحل في «جيش الأحرار» ثلاثة حواجز هي المنطرة، هيَا، والزرن. وتعهد بعدم الاقتراب من المقرات العسكرية في المنطقة بشكل كامل.

وكــانــت «تحــريــر الـــشـــا­م» قد أجـبـرت مقاتلي «الـزنـكـي» على الخروج من معاقلهم في ريف حلب الغربي إلى عفرين بعد ثلاثة أيام من القتال العنيف. وتوجه «جيش النخبة» الــذراع الضارب لتحرير الــشــام، يسانده جيش «عثمان بن عفان» بعدها مباشرة لحصار مدينة الأتارب وبدأت بالمفاوضات معها لجنة تـفـاوض مـن الأعيان والفعاليات العسكرية على وقع قصف البلدة بالرشاشات الثقيلة. وانتهى الاجتماع بتسليم المدينة بشكل كامل وخروج لوائي «بيارق الإســام» و «ثـوار الشام» والمقدر عددهم بقرابة 400 مقاتل إلى عفرين أيضا ليصبح ريـف حلب الغربي تحت سيطرة عسكرية وأمنية كاملة لجبهة «تحرير الشام».

مـن جهتها رفضت الفعاليات الثورية في مدينة معرة النعمان يوم الخميس دخول هيئة تحرير الشام إلى المدينة بعد الاتفاق بين «الجبهة الوطنية للتحرير» و«تحرير الشام» على وقف الاقتتال وتسليم المدينة لـ «حكومة الإنقاذ».

وذكـــر الـبـيـان أن الفعاليات الثورية في معرة النعمان اجتمعت مـع مجلس الــشــورى المدينة إثر التطورات الأخيرة وتضييق الخناق على معرة النعمان وأريحا، وموافقة الأطــــرا­ف العسكرية على وقف إطــاق النار والتوقيع على بيان صلح بينها. وأكدت الفعاليات عدم قبولها «إحداث أي مقر لهيئة تحرير الشام داخل مدينة معرة النعمان»، وذلك تجنبا لوقوع «اضطرابات أو صدامات دموية داخل المدينة ودرءً

لاستهدافها مـن الـعـدو الروسي الإيراني الأسدي».

ورحبت الفعاليات الثورية بكل مـشـروع وطني جامع مـن شأنه النهوض بالمجتمع»، مشيرة إلى أن حكومة الإنقاذ بوضعها الحالي لا تتوفر فيها الصفة الجامعة بسبب «تبعيتها العسكرية لهيئة تحرير الشام المستهدفة من معظم القوى الدولية ومحدودية مشروعها الذي لا يشمل كل المناطق المحررة».

وفي سياق متصل أعلنت قيادة الشرطة الحرة بإدلب تعليق عملها في جميع مراكزها وتسليم كامل مقراتها ومــراكــز­هــا ومعداتها للمجالس المحلية في كل قرية أو بلدة يتواجد فيها.

ويأتي البيان كــردة فعل على اقتحام «تحرير الشام» بلدة الغدفة بـريـف مـعـرة الـنـعـمـا­ن الشرقي والسيطرة على مخفر الشرطة الحــرة فيها، وذلــك بعد ساعات قليلة من التوصل إلـى صلح بين «الوطنية» و«تحرير الشام».

وتقدر أعــداد «الشرطة الحرة» بنحو 300 ضابط وعنصر منشقين عن النظام ومتطوعين خلال ذروة عملها قبل الخسائر في ريف حلب الجنوبي واللاذقية وبعض بلدات ريف حلب الشمالي.

وأشـــار مـصـدر فــي «الشرطة الحــرة» لـ «الـقـدس العربي» إلى أن عناصر ملثمة عرفوا أنفسهم على أنهم يتبعون «تحرير الشام» اقتحموا مخفر «الغدفة» وصادرت كل ما فيه من «معدات تابعة للمركز إضافة إلى سيارة الخدمة فيه».

الالتحاق بحكومة الإنقاذ

ويعتبر بند تبعية الإدارة المدنية إلــى حكومة الإنـقـاذ هـو القاسم المشترك بين كل الاتفاقيات الموقعة بين «تحرير الشام» وباقي الأطراف والتي بدأتها في مدينة الأتــارب في ريف حلب الغربي حيث نص الاتفاق على أن تكون الإدارة فيها مسؤولية حكومة الإنــقــا­ذ وهو مــا وافـــق عليه وجــهــاء الأتـــارب والمفاوضين العسكريين. إضافة إلى بند تهجير من يرفض تسليم سلاحه إلى عفرين.

ووزع رئيس «حكومة الإنقاذ» تسجيلا صوتيا عبر تطبيق «واتس اب» يحث فيه عناصر «تحرير الشام» المهاجمين لمناطق الزنكي حفظ المـؤسـسـا­ت والــدوائـ­ـر من العبث أو النهب، وحذر من الاقتراب منها.

واشترطت «تحرير الشام» على «أحـــرار الـشـام» حل نفسها وأن «تتبع المنطقة إلى حكومة الإنقاذ إداريــا وخدميا» في منطقة سهل الغاب، وأيضا اشترطت ذلك على «الجبهة الوطنية للتحرير» في معرة النعمان وأريحا.

وخاضت «تحرير الشام» جولة مشاورا ت حول «حكومة الإنقاذ» وتأسيس إدارة مدنية جديدة، ورفــض «فيلق الـشـام» و«صقور الـشـام» و«أحـــرار الـشـام» إبقاء «حكومة الإنقاذ» بشكلها الحالي. لكن قيادة «تحرير الشام» اختارت الإبقاء على الإنقاذ وتسمية رئيس حكومة جديدة في 2012/12/10 هـــو فــــواز هـــال عــضــو مجلس محافظة حلب السابق.

وخاضت «الإنـقـاذ» حربا ضد «الحكومة المؤقتة» وطردتها من كــامــل مـنـاطـق سـيـطـرة «تحـريـر الشام» خصوصا في مدينة إدلب، والتجأت « المؤقتة « إلـى مناطق الزنكي واتخذت من دارة عزة مقرا لعدد من الوزارات والهيئات.

وصــــادرت مــقــرات وزاراتــهـ­ـا بواسطة الـذراع العسكري المتمثل بـ «تحرير الشام»، وتسبب بوقف الدعم الدولي عن إدلب القادم من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي لينقطع الدعم عن المجالس المحلية والمنظمات الدولية العاملة في سوريا والتضييق على المنظمات الإنسانية العاملة في إدلب أيضا.

سياسيا تتفرد الـيـوم قيادة «تحرير الشام» وعلى رأسها أبي محمد الجولاني على إدلب بشكل كامل بعد جولة الاقتتال الأخيرة التي انتهت في ثمانية أيام فقط، واخضعت الجميع إلـى سلطتها بالقوة.

وبعد طــرد الزنكي الــذي مثل شـوكـة دائـمـة فـي حلق «تحرير الشام» أصبحت «تحرير الشام» هي صاحب قـرار الحـرب والسلم فـــي شــمــال غـــرب ســـوريـــ­ا ولــن يستطيع أحد من فصائل المعارضة المعتدلة ردعها عن أي قرار تتخذه.

ومع السيطرة الإداريــة الكاملة في شمال غربي سوريا ستتجه «تحرير الشام» إلى محاولة إنعاش «حكومة الإنــقــا­ذ» ومؤسساتها لكن فشلها هـو نتيجة محتومة بسبب غياب الدعم الدولي الرافض للتعامل مع الأخيرة بصفتها ذراع «النصرة « المصنفة إرهابية على اللوائح الدولية جميعها بما فيها تركيا.

ويـحـاول الجـولانـي فـرض أمر واقـــع جـديـد فـي إدلـــب استباقا لتطبيق اتفاق سوتشي وخصوصا فتح الطرق الدولية، فبعد هزيمة المنافسين سيترك تطبيق الاتفاق إلــى وزارة الداخلية فـي الإنقاذ ويعهد عناصرها بحماية طرق الترانزيت.

ويشكل الموقف الروسي العقبة الحقيقية في تطبيق الاتفاق، فرغم الاستراتيج­ية الروسية المتمثلة بالتهدئة الآنـيـة فـي إدلــب وتـرك انقرة تقوم بحل المسألة هناك إلا موسكو لا تحبذ التعامل بحال من الأحـــوال مع الفصائل المعارضة وبـالأخـص الجهادية منها. لكن تبقى قضية إدلــب الشائكة في عهدة الأتراك وقدرتهم على فرض واقع جديد يطمئن روسيا إلى حد كبير، خصوصا فيما يتعلق بتفكيك «تحرير الشام» ودفعها إلى تقديم المزيد من التنازلات.

وتبقى لانقرة سياستها الخاصة في الضغط والتعاطي مع «تحرير الشام» وإجبارها على تقديم المزيد من التنازلات. وتدرك الأخيرة رغم عنادها أن حدود مناورتها ضيق فيما لو قررت تركيا شيئا. لذلك لن تسعى إلى إغضابها فيما يتعلق بتنفيذ اتفاق سوتشي. وخصوصا الجزء المتعلق بالالتزام بفتح طرق الترانزيت ومــا يترتب عليه من تفاصيل كثيرة ومعقدة خصوصا مع وجود تنظيمات قاعدية كحراس الدين. وهـو الفصيل الــذي شكل غرفة عمليات عسكرية )وحرض المؤمنين( على استمرار القتال مع النظام مع جبهة «أنصار الدين» و«أنصار الإسلام». وقامت بثلاث هجمات مركزة أسفرت عن مقتل 23 جنديا من قوات النظام في منطقة سهل الغاب وحدها.

في المقابل فإنه من غير المستبعد قـيـام روسـيـا وحلفائها بعملية عسكرية محدودة تسيطر خلالها على مناطق شــرق طريق حلب ـ دمشق وصولا إلى الطريق تتمكن من خلاله من إعــادة فتح الطريق بالقوة وبـدون ترك نتائج كارثية تهدد الأمــن القومي لتركيا أولا. وتـشـكـل أزمـــة لجـــوء جــديــدة لا تحبذها تركيا وتزعزع العلاقة التي تسير بخطى ثابتة بين الجانبين منذ الدخول بمسار إستانة. وربما تكون عملية عسكرية محدودة أكثر ما تفضله موسكو إذا ما خيرت بينها وبين وفتح الطرق الدولية وبقاء أحد أذرع تنظيم «تحرير الشام» عليها. على العكس فــإن معركة محدودة ستكسر شوكة «تحرير الشام» وقوتها الضاربة، وتستهلك شيئا كثيرا من إمكانياتها العسكرية واللوجستية، وتخفف من أعداد الاف المقاتلين فيها وخصوصا من المقاتلين الأجانب.

ومــع سيطرة «تحـريـر الشام» على إدلب، وتعزيز سيطرتها إداريا وعسكريا وتحكمها بالقرار كاملا فيما تبقى من الأراضـي «المحـررة» فإن السؤال الأهم الآن: ماذا تبقى للمعارضة السياسية مــن دور وتمثيل؟ أم انه ستتجه إلى شراكة سياسية مع «تحرير الشام» في حال بدلت ثيابها وحلقت لحاها خـصـوصـا وأن قــيــادة «تحـريـر الـشـام» تــدرك أن عليها لاجتياز المرحلة المقبلة القريبة لا حل أمامها إلــى تقديم الكثير مـن التنازلات وخصوصا فيما يتعلق باتفاق سوتشي.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom