Al-Quds Al-Arabi

في بعض المساءات تغيب أصوات من كسروا طوق النمطية وتغدو الأصوات العادية سيدة الفضاء فيفهم المارة أن السلطات طردت موسيقيي الشارع

-

ينتظر «ربحا» ولو لسد حاجات التنقل وصيانة الآلات ومنهم من لا يرجو سوى لحظة استمتاع وإمتاع متبادل بينه وبين مستمعيه.

«أنـا أحـب الموسيقى ورغـم صعوبات العيش فأنا أحاول الوصول إلى أهدافي، ما أجنيه من عزفي في الشارع قد لا يكفي حتى لسد مصاريف مواصلاتي وأحيانا إصلاح قيثارتي، لكني أحب العزف هنا ولدي الآن ألبوم جاهز ينتظر النشر. في قرارة نفسي أعرف أن التروي سيوصلني لما أبتغيه، ما يأتي بسرعة يذهب بسرعة»، يقول سياف، الـذي بالرغم من مـوارده المحــدودة فهو يبدي إصــرارا على السير بخطى متأنية إلى أن يحقق هدفه. في ركن من شارع محمد الخامس يعزف هذا الشاب على قيثارته وهو ينتقل من أغان مغربية إلى مشرقية إلى غربية. ورغم حداثة سنه فهو يحاكي نمط أجيال موسيقية سبقته كما ينغمس فيما يسمعه جيله، «الشارع المغربي يتفاعل مع الموسيقى الطربية وغير السريعة ولكن بحكم كوني شابا فأنا أمزج كل الألوان. الموسيقى عندي هي الموسيقى ولا تنحصر في لون بذاته « يقول سياف.

مسافة يمكن قطعها مشيا، ليست بعيدة كثيرا عن سياف يعرف أنس كموسيقي شــارع هـو الآخـــر، درس الموسيقى مدة ثماني سنوات في المعهد الموسيقي في الــربــاط، ولــم يعد الـشـارع مكان عزفه الوحيد. يقول لـ «القدس العربي « وعينه على زبائن تستوقفهم ملصقات يعرضها على الأرض للبيع. لقد امـهـن العزف في بعض الملاهي الليلية والمطاعم وبيع الملصقات: «في الشارع لا أمتهن الموسيقى بـل أعــزف لأنــي صــرت مولعا بالشارع وأصبحت آتي للعزف لأتخلص من التوتر الذي يسببه العمل. فأنا أعزف في الملاهي والمطاعم، لكني لا أستطيع الاستغناء عن الشارع. أشعر بسعادة كبيرة وأنا أعزف فيه .»

على عكس مـا شهدته مــدن مغربية أخرى من علاقة متوترة بين رجال السلطة وموسيقيي الــشــارع بلغت حـد إحالة بعضهم إلــى المحاكمة فـي مدينة الــدار البيضاء ومنعهم من مـزاولـة نشاطهم الفني في ساحة تتوسط كبرى حواضر المغرب فـإن الرباط تتسم العلاقة فيها بين موسيقيي الشارع والسلطة بتعايش نسبي لا يخلو من مشادات أحيانا، فيسمح لهؤلاء الفنانين بمد سلطتهم على أمتار ولو لساعات مؤقتة.

«العلاقة متذبذبة» هكذا وصفها سياف «فـرجـل الأمــن يمتثل لأوامـــر، وأحيانا يطلبون منا أن نخلي الشارع حينما تكون مظاهرة ما كي لا تصيبنا ضربات طائشة حينما يحدث كر وفر في الشارع، في هذه الحالة لا تكون هناك مشاكل، المشكل يحدث حينما يأتي رجل سلطة غير واع ولا يجيد التعامل وقد ينتج عن ذلك صدام أو معاملة سيئة بين الطرفين. أنا أحاول اختيار مكان لا أزعج فيه أحدا ولا أعرقل فيه حركة مرور».

ما الــذي يجعل السلطة تتوجس من تجمهر حــول آلــة موسيقية فــي مكان اعتاد فيه المـارون على التجمهر من أجل الاحتجاج وإطلاق شعارات تردد صداها بنايات وسط الرباط، وربما ينفذ الصوت إلـى مؤسسة البرلمان وقـد تصم آذانها عنه حتى الجدران! يحاول أنس استيعاب مبررات التضييق الـذي قد يمـارس عليه أحيانا كموسيقي شارع ويقول : «قبل ثلاث سنوات لم يكن هناك موسيقيو الشارع في قلب الرباط، قبل أن نصير جزءا من المنظر العام للشارع. ورغم أن البعض قد يعطي مضمونا قدحيا لكلمة الشارع فنحن ننشر ثقافة جميلة ونخاطب الجمال في الناس ما الذي يزعج السلطة في تواجدنا؟ لا أعرف» مضيفا «في بداية توافدي على الشارع كنت أتعرض لمضايقات يومية من طرف رجال الأمن. أحيانا أتفهم الدواعي إذا ما اشتكى صاحب مقهى أو أحد المواطنين فأخلي المكان، وأحيانا يكون سلوك رجل الأمن فقط من أجل فرض السلطة، عندها أرفض أن أتزحزح من مكاني.»

في بعض المساءات تغيب أصوات من كسروا طوق النمطية وتغدو الأصـوات العادية سيدة الفضاء فيفهم المــارة أن السلطات طـــردت موسيقيي الـشـارع، فظاهرة التجمهر حـول فنانين مازالت بعيدة عن ذائقة السلطات الرسمية. وثمة خشية من أن يصاب قلب العاصمة بعدوى فن «الحلقة» المعروفة به مـدن مغربية أخرى أهمها مراكش في ساحة جامع الفنا ومدينة مكناس «ساحة الهديم» وفي فاس «بــاب خوخة» وهـي فـضـاءات للمسرح والغناء في الهواء الطلق. مازالت تلك الفعاليات حديث الوقع على قلب العاصمة الرباط وعامل الزمن سيظهر هل تنتصر الأصوات النمطية في احتكار الفضاء أم ستقبل شريكا موسيقيا يضيف معلمة حضارية للمدينة؟

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom