Al-Quds Al-Arabi

مصر تبدأ مهمة حساسة لإنهاء الانقسام الفلسطيني وتثبيت التهدئة

وسط الخلاف الشديد في المواقف بين الطرفين الذي يهدد بانهيار كامل لجهود المصالحة يترقب الجميع أن تسفر الوساطة المصرية الجديدة إلى وضع تصور عملي لحلها

- غزة ـ «القدس العربي»: أشرف الهور

قـد تكون الوساطة التي تقوم بها مصر حاليا بين حركتي فتح وحماس بصفتها راعي اتفاق المصالحة، تمثل «الفرصة الأخيرة»، رغم الصعوبات الكبيرة التي تواجه هذه الوساطة، بسبب المشهد القائم، والذي من شأنه أن يؤدي لانفجار الخلاف الداخلي الفلسطيني، بشكل أكبر مما هو عليه، بما يهدد مصير كل اتفاقيات المصالحة الموقعة سابقا.

وبشكل دراماتيكي وبعد أسابيع مـن فشل جولة مباحثات مصالحة استضافتها القاهرة وما تلاها من اتخاذ المحكمة الدستورية قـرارا بحل المجلس التشريعي تفاقم الخلاف بين حركتي فتح وحماس بشكل كبير جدا أعاد العلاقة بين الطرفين إلى المربع الأول، بعد أحداث شهدها قطاع غزة خلال الأيام الماضية، حين أعلنت حركة فتح عن منعها من قبل أمن غزة الذي تديره حماس، بتنظيم احتفال مركزي بذكرى انطلاقتها الـ 54، وما تخلله من تعرض المئات من أعضائها للاعتقال والاستدعاء، بغرض منع الفعالية.

بداية الخلافات

ورغـم جهود ثلاثة فصائل فلسطينية هي الجبهتان الشعبية والديمقراط­ية، والجهاد الإسلامي ضمن محاولات تذليل العقبات من خلال طرح مبادرة تقوم على تأجيل حفل الانطلاقة، وهو ما قبلته فتح في النهاية، وأعلنت عن إلغاء الاحتفال الذي كان مقررا الاثنين الماضي، إلا أن الوساطة التي أجلت وقوع صدام محتمل، لم تمنع استمرار الخلاف وتفاقمه بين الحركتين.

فحركة فتح التي أعلنت إلغاء الاحتفال أرجعت السبب إلى حرصها على «أبناء شعبنا وحقنًا للدماء،» استنكرت في بيان لها «ممارسات حركة حماس وقمعها لأبناء شعبنا ولأبناء حركتنا، والشروع في حملة اعتقالات واسعة لكوادر حركة فتح والتنكيل بهم»، حيث تلا ذلك الأمر قيام السلطة الفلسطينية بسحب موظفيها العاملين من معبر رفح الفاصل عن مصر، والمخصص لسفر المواطنين، بسبب «الممارسات التي قامت بها حركة حماس خـال الأيـام الماضية»، واستدعاء عدد من موظفي المعبر واعتقال آخرين والتنكيل بهم.

وقد شكل قرار السلطة الفلسطينية جرس إنذار خطيرا، يشير إلى إمكانية اللجوء قريبا إلى اتخاذ خطوات أخرى للضغط على حركة حماس وتحميلها مسؤولية إدارة قطاع غزة بالكامل، في حال لم تقم بنقل صلاحيات الحكم في القطاع للحكومة الفلسطينية بموجب اتفاق المصالحة الموقع في القاهرة يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

إجراءات ضد حماس

فقد تبع ذلك الانسحاب الذي أوقف عمل المعبر حتى اللحظة إعلان مسؤولين كبار في السلطة عن وجود مخطط لتقويض «سلطة حماس»، بدون الكشف عنه حاليا، ملمحين إلى أنه يقوم على تحميل الحركة المسؤولية كاملة عن إدارة قطاع غـزة وتحمل تبعات المسؤولية بما تشمل جميع النفقات، مستثنين من ذلك موظفي السلطة الذين يتلقون رواتبهم من الخزينة الفلسطينية، حيث خرجت وعود % بزيادة نسبة رواتبهم من 50 إلى 70.%

وفي هذا السباق قال عزام الأحمد، رئيس وفد حركة فتح لمحادثات المصالحة وعضو اللجنة المركزية، وهو ينتقد حماس أنها «تختطف غزة»، وأنه «لا بد من اتخاذ المزيد من الخطوات العملية لتقويض سلطة الانقسام»، من خلال خطوات عملية أوضح أن أولها سحب موظفي معبر رفح، لتكون هناك خطوات أخرى قادمة. وأضـاف في مقابلة تلفزيونية موجها التحذير لحماس «خاطفو غزة إما أن يدفعوا الثمن أو ينهوا الاختطاف».

وقــال، وهو يلمح إلى شكل الإجـــراء­ات القادمة «كل المجالات في غزة بما فيها التعليم والصحة والبيئة والمياه والصرف الصحي والبنى التحتية كلها على الطاولة»، وتابع «إما تتحمل حماس المسؤولية كاملة أو تبتعد».

وفي الجانب الآخر شنت حركة حماس هجوما على حركة فتح، وقالت على لسان المتحدث باسمها فوزي برهوم، إنها لن تتخلى عن واجبها في خدمة الشعب ورعاية مصالحه، والتعاون مع الجميع للحفاظ على مكتسباته النضالية بالتعاون والتوافق مع الفصائل الوطنية والإسلامية كافة، وذلك تعقيبًا على خطوة سحب موظفي معبر رفح.

ودعا لاعتماد «خطة إنقاذ وطني عاجلة» تحافظ على الإرث التاريخي النضالي للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، ولـ «منع هذا التدهور والانـحـرا­ف في المشهد الوطني الفلسطيني الذي سعى عباس وفريقه إلى تحقيقه»، وقد اتهم برهوم السلطة بـ «التورط المباشر في تنفيذ بنود صفقة القرن» المتعلقة بفصل غزة عن الوطن، وتكرار محاولة «خلق فراغ وفوضى لزيادة معاناة شعبنا».

أما عضو المكتب السياسي لحماس موسى أبو مرزوق فقد تنبأ في ظل التطورات الحاصلة بـ «قادم أسوأ»، وقال «إن غزة صامدة رغم الأذى»، فيما قام نواب حماس الذي رفضوا قرار المحكمة الدستورية بحل المجلس التشريعي، بعقد اجتماع، في مقر المجلس في غزة، وطالبوا بـ «نزع الأهلية والشرعية عن الرئيس»، بعد أن شنوا ضده هجوما كبيرا، في الكلمات التي ألقيت خلال الجلسة، من خلال اتهامه بتهم عدة.

ووسط هذا الخلاف الشديد في المواقف بين الطرفين والـذي يهدد بانهيار كامل لجهود الوساطة، بما يشمل نسف الاتفاقيات الموقعة، يترقب الجميع أن تسفر الوساطة المصرية الجديدة، رغم صعوبة الخلاف، إلى وضع تصور عملي لحلها، من خلال خطوات عملية تبدأ قريبا، تكون أولى نتـــائجــ­ها إعادة فتح معبر رفح المغلق، كما وعد الوفد الأمني المصري، في بداية لقاءاته بالفصائل الفلسطينية في غزة.

وعود مصرية

وقــد وصــل إلــى قطاع غــزة الخميس الـوفـد المصري الأمني الرفيع، وعقد لقاءات مع قادة فتح وحماس وباقي الفصائل، وأكد في بداية اللقاءات أن معبر رفح الذي أغلق الأسبوع الماضي بسبب انسحاب موظفي السلطة سيعود للعمل من جديد بالطريقة التي كان عليها وذلك ضمن مهمته التي من الممكن أن تكون الأخيرة، في حال فشل التوصل إلى حل للخلاف القائم حاليا، بناء على طلبه الأخير من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال زيارته الأخيرة للقاهرة قبل أيام، والتي شهدت بداية الخلافات الحالية.

وحسب المعلومات فإن الوفد المصري بحث في غزة بشكل معمق آخر التطورات خاصة الأحداث التي أدت إلى تصعيد الخلاف الأخير، مشيرين إلى أنهم فهموا من كلام المسؤولين المصريين أن لديهم خطة عمل، لإعادة تنشيط مسار المصالحة.

ومن أجل ذلك عقد الوفد لقاءات منفردة مع قادة فتح وحماس، بعد اللقاء الموسع مع الفصائل، وعاد صبيحة الجمعة وعقد لقاء آخر مع قيادة حركة حماس، قبل أن يغادر القطاع من جديد. وفي بيان أصدرته حركة حماس، قالت إن الوفد أكد على استمرار الجهد في تثبيت وقف إطلاق النار، ومواصلة العمل على رفع المعاناة عن قطاع غزة، وتسخير قدراته لاتمام الوحدة الوطنية الفلسطينية، مشددًا على استمرار عمل المعبر في كلا الاتجاهين.

أما حركة فتح فقد أعلنت أن عودة موظفي السلطة للعمل بمعبر رفح واردة في حال قامت حماس بإنهاء تدخلاتها في عملهم، وأكدت كذلك على موقفها بضرورة إنهاء الانقسام بشكل قطعي من خلال تطبيق اتفاق تشرين الأول/ أكتوبر 2017 القاضي بتمكين الحكومة من القيام بكل صلاحياتها في غزة.

ومن شأن إعـادة العمل في معبر رفح بالطريقة التي كان عليها أن يخفف الاحتقان القائم حاليا وذلك من خلال إرضاء فتح بوقف تدخلات حماس، وبإرضاء الأخيرة من خلال إعادة فتحته للتحفيف من حدة حصار غزة.

ويأمل الجميع أن تتكلل جهود مصر في هذه الجولة، ولا تكون على غرار الجولات السابقة من الحوار، وذلك تفاديا لانفجار ملف المصالحة، وانهيار الاتفاقيات الموقعة. يشار إلى أن الوفد المصري، إلى جانب وساطته في المصالحة، عمل خلال لقاءاته في غزة مع مسؤولي حماس والفصائل، على إعادة تثبيت تفاهمات الهدوء ووعد بإلزام الجانب الإسرائيلي بها، وتطبيق المرحلة الثانية من التفاهمات، حيث أنـذرت أحـداث الأسبوع الماضي بعودة الوضع لما كان عليه سابقا، من حيث سخونة فعاليات الحدود التي تنظم في إطار «مسيرات العودة»، ووسائلها التي توقفت، بسبب تلكؤ إسرائيل في تنفيذ مراحل التفاهمات، وتجميد عملية وصول الدفعة المالية الثالثة من قطر. وقد أكد ذلك مسؤولون في الفصائل التي شاركت في الاجتماع، حيث ستجري مراقبة ذلك خلال الأيام المقبلة.

 ??  ?? فلسطينيون يتظاهرون مطالبين بالمصالحة الوطنية
فلسطينيون يتظاهرون مطالبين بالمصالحة الوطنية

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom