Al-Quds Al-Arabi

«نيويورك تايمز»: مع خروج أمريكا من سوريا... قوى دولية تتدافع لملء الفراغ

-

فــي تقريــر أعده بــن هبــارد مراســل صحيفة «نيويــورك تايمز» في بيــروت عــن الترتيبات في ســوريا فيما بعد الخروج الأمريكي. وقال إنه عندما ســتلتقي تركيا وإيران وروســيا للحديث عن نهاية الحرب فستقوم بعمل هذا بدون الولايات المتحدة.

وفي الوقت الذي تجمدت فيه محادثات الســام بين الإســرائي­ليين والفلســطي­نيين منذ ســنوات إلا أن الخطة التــي وعد بها الرئيــس الأمريكي دونالد ترامب للتســوية لم تأت بعد. ويقــول بن هبارد إن الولايات المتحدة ستســحب قواتها من سوريا رغم الخلاف حول الطريقة والموعد. فالإنسحاب الذي قال الجيش الأمريكي أنه بدأ يوم الجمعة بسحب المعدات الثقيلة هو آخر مثال عن تفكيك العلاقة الأمريكية مع الشرق الأوســط والتي قد تترك آثارها الدائمة على المنطقة الملتهبة. وفي الوقت الذي تخطو فيه الولايات المتحدة خطوة للوراء تتقدم روسيا وإيران والقوى الإقليمية الأخرى لتحديد مسار المستقبل في سوريا. ووصف ريتشــارد هاس، رئيس مجلــس العلاقات الخارجيــة الأمريكي الوضــع بأنه «غيــر مريح»و «هو عنيــف ولا ليبرالي وأمريكا غيــر موجودة في الساحة .»

ويعلق بن هبارد أن الشــرق الأوســط ظل ومنذ نهاية الحرب البــاردة على رأس أجندة السياســة الخارجية الأمريكية. وظل موجودًا بعد حرب الخليج الأولى ما بــن 1990- 1991 وغزو العراق عام 2003 والمعركــة ضــد تنظيم الدولــة. وقدم المســؤولو­ن الأمريكيــ­ون أســباباً عــدة للبقاء فــي المنطقة مثل القضاء على الديكتاتور­ية واستبدالها بالديمقراط­ية وتعزيز حكم القانون ودعم حكومات المنطقة الحليفة لواشــنطن ومحاربة الإرهاب. إلا أن بعض الباحثين يرى أن المنافع التــي تحصل عليها أمريكا هي أقل من الجهود المبذولة. وبحســب غاي ســيك، الباحث في الشرق الأوسط في جامعة كولومبيا والذي عمل في مجلس الأمن القومي في ظل ثلاثة رؤوســاء «عندما تنظر لتحليل الثمن- المنفعة، فهي محدودة وستقوم الولايات المتحــدة بتخفيف بصماتها مع مرور الوقت لأن هناك أموراً أخرى في العالم يجب التعامل معها.»

ويــرى هبارد أن لا خلاف في موقــف الرئيس باراك أوبامــا ودونالــد ترامب رغم الاختلاف في الأســلوب والكلمات إلا أنهما نظرا إلى الشــرق الأوســط كمنطقة مثيرة للإزعاج وتمتص المصادر من الأولويات الأمريكية الأخرى. وطلب الرئيسان من قادة المنطقة لعب دور في حماية المنطقة. فالرغبة بتفكيك العلاقة قائمة على حالة الإجهاد وســنوات الحروب في العراق وأفغانســت­ان التي لم تســهم بجعل الأمور أفضــل. ويقول الباحثون إن التحول بعيد المــدى عن المنطقة جعلها أقل أهمية في الأولويــا­ت الأمريكية. فحماية واشــنطن لم تعد مهمة لتأمين تدفق النفط من منطقــة الخليج. فزيادة الإنتاج المحلي للنفط جعل أمريكا أقل اعتماداً على نفط الشــرق الأوسط. وبنفس المقام فإســرائيل التي تعد من أعمدة السياســة الأمريكية لم تعد بحاجة للحماية الأمريكية فلديها أقوى جيــش واقتصاد مقارنة مع جيرانها الذين يعيشون في وضع كئيب.

اهتماماتنا قليلة

ويقول ســيك «الواقــع هو أن اهتماماتنا المباشــرة فيما يتعلق بحماية الوطن الأمريكي قليلة في الشــرق الأوسط» مشيراً الى أن سجل أمريكا كقوة للخير وليس للشر هو مزيج في الأعم الأغلب. وأضاف: «الوضع الأن فوضوي ولا أرى أنه سيتحســن بوجودنا ولا أرى أنه سيســوء لو لم نكن هناك». ويــرى آخرون أن الوجود الامريكي مهم، خاصة عندما تريد واشــنطن استخدام نفوذها، كما فعلت مــع معمر القذافــي، الزعيم الليبي الذي تخلى عن سلاحه النووي تحت الضغط الأمريكي. وفي المسألة الفلسطينية- الإسرائيلي­ة فقد بدأت عملية السلام ورعتها الولايات المتحدة مع أن الرئيس ترامب قد أضعفها عندما نقل الســفارة الأمريكية إلى القدس، العام الماضي بحيــث لم يعد الفلســطين­يون ينظرون للولايــات المتحــدة كعراب صــادق. كمــا أن الضغط الأمريكي أسهم بدفع مصر والسعودية لاتخاذ خطوات انفتــاح وإن كانت متواضعة. وتقــول أمي هوثورون، نائبة مدير مشــروع الديمقراطي­ة في الشرق الأوسط: «مــن المهم قيام رئيــس الولايات المتحــدة بنقد حلفاء أمريكا المستبدين ويمنح دعما ولو كلامياً لمن يكافحون ضد الإضطهاد ويدافعون عن حقوق الإنسان.»

وأضافــت «كلام قوي للرئيس وتحــرك قوي خلف الســتار قد يحرك الإبرة». وفي الوقــت الذي تردد فيه الرئيس ترامــب الحديث عن حقوق الإنســان وتبنى بدون حياء الحلفاء المستبدين يرى الكثير من المحللين أن أمريكا تبدو منافقة عندما تتحدث عن حقوق الإنسان وفي الوقت نفسه تقوم بالدفاع عن الديمقراطي­ة وحقوق الإنسان. ففي ظل أوباما قتلت مصر آلافًا من المتظاهرين وأعدمت السعودية 47 شخصاً في صباح واحد بدون أن يتعرض أي منهمــا لعقوبات ذات معنى. ولم يقم أوباما بفرض خطه الأحمر الذي تعهد به على النظام السوري عندما استخدم السلاح الكيميائي وقتل أكثر من 1.000 شخص. وأضرت مواقف كهذه بموقع الولايات المتحدة وســمعتها في الشــرق الأوســط كمدافعة عن حقوق الإنسان وحكم القانون والديمقراط­ية.

«حصانة الديكتاتور­يين»

وتقــول مها يحيــى، مديرة مركز كارنيغي الشــرق الأوســط في بيروت «خســارة كل هذا يعتبر مأساوياً والشــعور بأن أمريكا لم تعد تدافع عن هذا». وتضيف «نشــاهد حســاً من الحصانــة لــدى الديكتاتور­يين العرب وأنهم يســتطيعون فعل ما يريــدون مهما كانت انتهاكات حقوق الإنســان التــي يرتكبونها». وعندما تترك الولايات المتحدة الشــرق الأوســط وشأنه تفتح المجــال لغيرها. فقد بدأت الســعودية حربــاً في اليمن بدون معرفــة أو ملاحظة من الولايــات المتحدة. وهي الحرب التي فشــلت حتى الآن بهزيمة الحوثيين الذين يســيطرون على العاصمة صنعاء منذ عام 2014. فيما عززت إيران صلاتها مع الميليشيات الشيعية في العراق المقاتلون الأكراد يترأسون المركبات العسكرية الأمريكية بالقرب من الحدود التركية وسوريا ولبنان. وسيؤدي انسحاب الولايات المتحدة من شرقي سوريا إلى تكالب على ملء فراغه بين روسيا وإيران وتركيا.

ويرى رامي خوري، أســتاذ الصحافــة في الجامعة الأمريكية فــي بيــروت والزميل في جامعــة هارفارد أن عدم معرفــة القوى الجديدة فــي المنطقة يعمل على إضعاف الــدول العربيــة. ويعلق: «تدخل عســكري أقــل من أطراف عــدة، الروس والإيرانيـ­ـون والأتراك والامريكيو­ن أمر جيد .»

وهو ما سيسمح لسكان المنطقة لتعريف ميزان القوة والثقافة والهوية والســلطة بأنفسهم. ويقارن البعض انسحاب الولايات اليوم من سوريا بقرار أوباما سحب القوات من العراق، حيث ســمح بعودة تنظيم الدولة. وبعد هزيمتــه إلا أن مدناً مدمرة بــدون منظور للبناء والعودة للحياة الطبيعية.

ومن هنا يــرى البعض أن على أمريكا المشــاركة في حلول المستقبل. ويقول هاس «علينا العثور على طريق وسط بين تحويل الشــرق الأوسط وبين الخروج منه» و«نريد أن نغســل أيدينا منه ولكن التاريخ لن يســمح لنا .»

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom