Al-Quds Al-Arabi

الجوائز وتبعاتها

- ٭ كاتب سوداني

في كل عــام وفي بداية شــهر يناير/كانون الثاني أو منتصفه، على أبعد تقدير، تعلن الجائزة العالمية للرواية العربيــة، أو البوكر العربية قائمتهــا الطويلة، التي تضم ست عشرة رواية مختارة، من روايات غالبا تتعدى المئة، قدمت إليها في ذلك الموسم.

ومنذ عامين فقــط باتت تعلن أســماء لجنة التحكيم، التــي كانت لا تعلن إلا مع القائمــة القصيرة، في الأعوام الماضية، وهذا الإجــراء الجديد، يعد إضافة وتحديا في الوقت نفسه، في أن الجائزة ستظل نزيهة وهي تمضى لتختــار القائمــة القصيــرة، رغــم أن لجنتهــا معروفــة، وأتوقــع في المســتقبل أن تكــون الأســماء معروفة منذ البدايــة، أســوة ببعض الجوائــز الأخــرى العربية، مثل جائزة نجيب محفــوظ، للرواية، التــي تنظمها الجامعة الأمريكية في القاهرة، وجائزة الملتقى للقصة القصيرة، التي أطلقت في الكويت منذ ثلاث ســنوات، وترســخت كواحدة مــن أنجح الجوائز في الوطــن العربي، وأظنها خلقت لكتاب القصــة القصيرة، جوا من القلق الإبداعي، كانــوا يفتقدونه، مع وجود ذلــك الجو الخاص بالرواية والشــعر، خاصة أن هناك مبدعين كبــارا بدأوا بالقصة القصيرة، واســتمروا بها، وحققــوا أمجادهم فيها، ولم يتركوها شــبرا ليعلقوا بدرب الرواية، هنا تصبح جائزة الملتقى، مكافأة سخية لهؤلاء.

ولأن الجائــزة، أعني جائزة الملتقى، كما قلت ابتكرت للقصة القصيرة، وتشــبه كتاب القصــة الحصريين، إلا أننــا لا يمكن أن نمنــع الروائيــن الذين يكتبــون القصة أحيانــا، مــن المشــاركة بنتاجهم فيهــا، وهــؤلاء الذين أعدهم محظوظين، يمكنهم أن يشــاركوا في مســابقات الرواية والقصة معا.

موضوعي ليس لمناقشــة قائمة البوكــر الأخيرة التي أعلنت منذ أيام، وهي قائمة اختيرت بناء على آراء لجنة التحكيــم، وقد تكون الخيــارات صائبة جــدا من وجهة نظر محكميها، وبالطبع يمكننــا الجزم أن هناك روايات لا تشــملها القائمة، كانت تســتحق الدخــول أيضا، هي أقوال مكررة نرددها دائمــا، ويرددها غيرنا، وقد قرأت عن جائزة غونكور الفرنســية المعروفــة مثلا، تقريرا عن الــدورة الأخيرة، ذكر روايات عديدة لكتاب كبار، احتفى بهــم القراء والنقاد على حد ســواء، ولم تشــملهم حتى القائمــة الطويلة من بينهــم، جيروم فيــراري، الحاصل على الجائزة من قبل. وأذكــر أيضا أن الكاتب الأمريكي الراحــل فيليــب روث، كان حصــل على جائــزة كبرى، ربمــا كانت بوليتــزر، وأغضب ذلك محكمة فــي اللجنة، مــن الواضــح أنها لا تحــب عملــه، وتغلبت عليهــا بقية الأصــوات، لتعلن فــي تصريح لها، إنها لــم تصوت ولن تصوت لهذا الكاتب.

ونقول دائما إن التحكيم يتعامل مع نصوص، يغربلها للحصول على أفضلها مــن وجهة نظر المحكم، ثم يغربل الأفضــل، ليحصــل على القائمــة النهائية، ثــم الفائزين الذين قطعا يرضــون بعض القــراء ولا يرضون البعض الآخر، هو جدل لن ينتهي في كل مسابقة، حتى لو كانت مسابقة صغيرة جدا، ولا ينال فيها الفائز سوى شهادة تقدير من الورق، تشــيد بقصته أو قصيدته. المهم حقيقة في موســم الجوائز، هو تبعاته المهمة، أولا التوتر الحاد الذي يشمل الساحة الثقافية، ومعروف أن تلك الساحة بالــذات، راكدة فــي معظم حالاتهــا، وبعيــدة تماما عن التوتر، وحتى الندوات الأدبية، وحفلات تدشــن الكتب لا تأتي إلا بمن تجمعهم بالمبدع صداقة، ربما تكون بعيدة تمامــا عــن الكتابــة، وربما تكــون زمالة في عمــل، يأتي بموجبها الزميل ليشــاهد ابتســامة زميلــه عريضة على وجهــه وهو يوقع كتابه، وأيضا يســتلم نســخة موقعة من الكتاب قد ينســاها في مكان ما، وقــد تركد في بيته سنوات طويلة من دون أن يمسها، وإن صادف واشتهر زميله الكاتب، ســيجد ذلك الإهداء الذي كتبه له، طريقه إلــى مواقــع التواصــل الاجتماعــ­ي، نوعا مــن التباهي بتوقيع لشخص معروف، لا أقل ولا أكثر. القراءة أيضا، ذلك الفعل الذي نشكو من ندرته كثيرا، وبتنا نشكو أكثر مع تفاقم الأزمات الاقتصادية وعدم الاستقرار لشعوب كانت قارئة في ما مضى، والآن كل همها أن تعيش، وأن تهاجر من أوطانها، وأن تحلم بمستقبل أفضل. في هذه الحالات، لن نتعشم في شخص يشتري كتابا بجزء من مرتبه، كان من الممكن أن يشــتري بــه خضارا أو فاكهة، ولن نتعشــم فــي قارئ يتصفــح كتابا وهــو مهموم ولا يدرى إن كان سيحصل على لقمته في الغد أم لا؟

أقــول إن موســم الجوائز، سيشــكل تحديــا لأولئك القراء المنشــغلي­ن بأعباء الحيــاة، ويجعلهم رغم كل ذلك يحاولــون اقتنــاء الكتب التــي دخلت قوائــم جوائز ما، وربمــا تكون هــذه الكتب فقط، هــي قراءتهم فــي العام كله. وحتى بالنســبة للقراء المقتدرين، أي الذين لن تتأثر حياتهم بشــراء الكتب، ســنجد بينهم قراء موســميين، وأعــرف أصدقــاء يقــرأون فــي كل عــام كتــب القائمة القصيــرة للبوكــر فقط، وتشــكل محورا فــي أحاديثهم حتى الموســم المقبل، وبعضهم يحــرص على تجميع كل ما قيل عن تلك الكتب، ويشارك في أي نقاش يخصها.

أتحدث عن ســرية التحكيم وعلانيته، وكنت شاركت في لجان ســرية وعلنية في عدد مــن الجوائز، وحقيقة أفضل أن يكون التحكيم ســريا حتــى آخر جزء من عمل الجائزة، مثلما يحــدث في جائزة كتارا، وجائزة الطيب صالــح للإبداع الروائي، ليس بســبب عدم شــفافية قد يحدث، أو استجابة لضغوط تمارس على المحكم العلني لاختيار شــخص ما، وإنما بســبب الإزعاج المرهق الذي يتعرض لــه المحكــم، خاصــة أن التكنولوجي­ــا الحديثة تســتطيع إيصــال حتى الهمســة لمــن أطلقت فــي حقه، سنجد كثيرين يتصلون ويســألون، ويقترحون، وحتى يتوددون أو يضغطون بشراسة من أجل جائزة. أنا أثق كثيــرا في المحكم، أنــه يصمد لكل ذلك، وفقط ســيحس بكثيــر مــن التعب وهــو يواجــه طوفانا مــن اللامعقول يركــض إليــه، الإبداع جذوة مشــتعلة تســتحق التكريم طبعا، والمبدع دائما يحس بأنــه لم يقيم ولم يكرم جيدا، وغالبــا سيســعى بكل الطــرق لينــال ما يظنــه حقا من حقوقه.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom