Al-Quds Al-Arabi

السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط

- ٭ كاتب بحريني

عندما انتقد وزيــر الخارجية الأمريكي، جورج بومبيو الاسبوع الماضي سياسات الرئيس الســابق، باراك اوباما، في الشــرق الاوســط كان عليه ان يدرك ان ايا من سياسات بلــده في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لم تحســم الصراعات ولــم تحل الأزمــات الا نادرا. وربمــا كان القاء القنبلتين على هيروشــيما وناغازاكــ­ي اليابانيتي­ن هما المرة الوحيدة التي حســم فيها صراع مسلح بشــكل شبه نهائي ولكن بلا اخلاق او قيم. فلا سياســات جونسون ونيكسون في فيتنام ولا حرب بوش في الكويت ولا عدوان نجله لاحقا على العــراق ادت الى حســم كامل للمشــاكل التي تعصف بالبلدان. بل ربما ساهمت السياسات الأمريكية في إطالة أمد الصراعات العالمية.

فسياســتها تجاه القضيــة الفلســطين­ية منعت التوصل لاي حل بعد مرور ســبعين عاما على الاحتلال الاســرائي­لي. وتدخلها العســكري في العراق أســس لمشــاكل متواصلة لذلك البلــد ولأمريكا نفســها وحالت دون توقيــع اتفاقية حمايةالقوا­تالأمريكيـ­ـة« ».ومعانأمريك­ااعلنت انســحابها من ذلك البلد الا انها تراجعــت عن ذلك واعادت قواتها مجددا. وسياستها في ســوريا لا تختلف كثيرا. فهي متأرجحة بين الانســحاب والبقاء، وعلى حلفائها ان يقرأوا نواياها بوضوح ليقرروا مســتقبلهم ويستشرفوا مصيرهم. وتدخلها فــي اليمن داعمة للعدوان الســعودي ـ الاماراتي ســاهم في إطالة أمد الحرب ولكنه لم يحســمها. اما ما سمي «الحرب علــى الإرهــاب» فحظوظها متأرجحــة ولا توحي بهزيمة ساحقة لهذه الظاهرة التي توسعت كثيرا بعد اعلان تلك «الحرب». تلك السياســات لم ترض أصدقاء أمريكا ولا اعداءهــا. فحكام الخليج غير مطمئنــن للدعم الأمريكي لهم ولذلك يســعون لاحداث توازن في العلاقات بمد الجسور مع روسيا والصين. اما مناوئو أمريكا فلا يرون في تلك السياسة قدرة على قيادة العالم نحو الأمن والاستقرار، بل تساهم في بقاء التوتر واستمراره.

الشــرق الاوســط ســاحة مضطربة تزيدها التدخلات الأمريكية توترا. فلا الانظمة قــادرة على اقامة ديمقراطيات حديثة تلبي مطالب شــعوبها التي تثــور بين الحين والآخر مطالبة بالاصلاح السياســي، ولا المعارضات مســموح لها باحــداث تغيير سياســي حقيقي يؤســس لحريــات عامة واحترام حقوق الانســان. وما يحدث في الســودان يكشف احد وجوه ازمة السياســة الأمريكية. فالرئيس الســوداني مدرج على قائمة المطلوبين من قبل محكمة الجنايات الدولية بتهم خطيرة منها ممارســة الإبادة في دارفور، ولكن أمريكا ليســت جادة في اعتقاله، ولم تطلب من حلفائها في افريقيا والخليــج القاء القبض عليــه لدى زياراته الرســمية لهذه البلدان.

والســودان ما يزال مدرجــا على قائمــة الإرهاب ولكن واشنطن لا تمانع ان تشــارك القوات السودانية في الحرب علــى اليمن التي تــدار عملياتها الجوية مــن مراكز القيادة والتحكــم فــي الريــاض التي يشــارك خبــراء أمريكيون وبريطانيون في ادارتها. وحتى سياســة أمريكا تجاه إيران ليســت واضحة او ثابتة. في البداية انتقــدت ادارة ترامب سياســة اوباما التــي اتجهت لتهدئــة النــزاع الأمريكي ـ الإيراني، وادت في النهاية لتوقيع الاتفاق النووي مع الدول الســت الكبرى. وكانــت باكورة سياســة ترامب الخارجية الغاء ذلــك الاتفاق. هذا الالغاء لم ينحصــر اثره بالعلاقات الغربية ـ الإيرانية بل اصاب العمل الدولي المشترك بضربة موجعــة لأنه ادى لتداعــي الثقة في العمل المشــترك واظهر هشاشة النظام السياســي الدولي الذي لم يستطع الالتزام بوثيقة تاريخية مهمة. واليوم يسعى الأمريكيون لمد الجسور مــع طهران، وآخــر هذه المســاعي التواصل في باكســتان مع مســؤولين إيرانيــن لطلب الحوار والعــودة الى طاولة المفاوضات، وفق ما اكده أمــن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني.

هل سياســات أمريكا تســاهم فــي اقرار الامن والســلم الدوليين؟ للاجابة على ذلك يجدر تحليل الوضع الدولي ازاء «الحرب ضد الإرهاب». فبعد قرابة العشــرين عاما هل يمكن ادعاء انتصار تلك الحرب ام اخفاقها؟ من مشــاكل السياسة الأمريكيــ­ة انها تتأســس احيانــا على امزجة السياســيي­ن خصوصا الرئيس ترامب، وانها تســعى كذلك لجذب اهتمام اعلامي ضخم، وانها ألزمت نفســها بثوابت غير انسانية او اخلاقية كضمان التفوق الاســرائي­لي العسكري على الجانب العربي وضمان امنها وربط ذلك كله بالسياســة الخارجية الأمريكية. فقبل شــهر واحــد اعلن ترامــب ان الحرب على الإرهابيين في ســوريا قد حســمت ضدهم وانــه عازم على سحب القوات الأمريكية من سوريا. ولكن سرعان ما اصطدم به حلفاؤه الذين اختلفوا معه فــي تقييم الموقف واكدوا ان المجموعات الإرهابية في ســوريا ما تزال ناشطة وان الحرب ربماســاهم­ت بتقليص نفوذها وانتشارها الجغرافي ولكنها لم تقض عليهــا. هذا يعنــي ان على ترامب اعــادة توجيه سياســته الخارجية في الشــرق الاوســط نحو اســتمرار المواجهة مــع المجموعات الإرهابية مهما تطلــب الامر. ولكن هل أمريكا مستعدة لذلك سياســيا ونفسيا واقتصاديا؟ هل أمريكا مســتعدة للاعتراف بان دعمها الحرب التي تشــارك فيها السعودية والامارات والبحرين على اليمن ساهمت في توسيع نفوذ تنظيم القاعدة وداعش في المناطق التي تحتلها قوى التحالف؟

كانت السياســة الأمريكية حتى العام 2017 تجاه سوريا والعراق تطلب من حلفائها عدم تطبيع العلاقة مع نظاميهما. وبعد ان اقتنعت واشــنطن باستحالة بســط نفوذها كاملا عليهما طلبت من اولئك الحلفــاء المبادرة لتوطيد العلاقة مع العراق. وفجأة وبدون مقدمات فتحت السعودية والامارات والبحرين سفاراتها في بغداد، وتم تطبيع العلاقات وتبادل الزيارات. وكان لرئيــس الوزراء الســابق، الدكتور حيدر العبادي دور في ذلك التطبيع. ويبدو ان أمريكا لم تســتطع ممارسة تأثير كامل على

التحالفات الداخليــة العراقية او إبعاد حزب الدعوة عن رئاسة الوزراء منذ إسقاط نظام البعث في 2003. ولكن دخول التحالف الســعودي ـ الاماراتي على الخط استطاع تحقيق ذلك. ففي غضون عام واحد اســتطاع المال السعودي توفير رأي عــام خصوصا في المناطق الشــيعية في جنوب العراق مناهض لكل من حــزب الدعوة وإيران. فخرجت التظاهرات في البصرة ضد إيران، وجاءت الانتخابات البرلمانية لتمزق حزب الدعوة «الحاكم» الى فصيلين فيضعف وجوده. ويمكن القــول ان من اكبر اخطاء الدكتور العبــادي فتح الباب امام الســعودية والامــارا­ت للولــوج للعراق واســتخدام المــال النفطي لاحداث تغييرات اسقطته وحزبه من الحكم، كمــا فعلت في مصر قبل خمسة اعوام من ذلك. هذا التحالف هو الذي شن الحرب على اليمن وهو الذي يمارس دورا خطيرا في تونس.

ويبــدو ان أمريكا عرفت حــدود نفوذهــا عندما تتدخل في الدول بشــكل مباشــر، فشــجعت المحور الســعودي ـ الاماراتي المدعوم اســرائيلي­ا على اســتخدام المال النفطي ســاحا ضد التغيير الذي تنشــده الشــعوب العربية. هذا التراجــع الأمريكي له اســبابه المحلية والاقليميـ­ـة، كما انه باهض التكلفة المادية والبشــرية. ولذلك اوعزت واشــنطن لدول المحور المذكور بالتوجه لســوريا وفتح ســفاراتها في دمشــق. هذا الحضور شــجع وزير الخارجية الأمريكي على القول بأن بلاده ســتواصل العمل من خلال «الدبلوماسي­ة» مع حلفائها مــن أجل طرد آخــر جندي إيراني من ســوريا حتى بعد انســحاب الجنــود الأمريكيين من البــاد. وتعهد وزير الخارجية الأمريكي في خطابه بالجامعة الأمريكية في القاهــرة يوم الخميس الماضي بأن تواصل واشــنطن العمل على أن «تحتفظ إســرائيل بالقدرات العسكرية» التي تمكنها من «الدفاع عن نفســها ضد نزعة المغامرة العدوانية للنظام الإيراني». انه دور منوط بالتحالف الســعودي ـ الاماراتي الذي فعل الامر نفسه في العراق.

هذه بعض ملامح السياسة الأمريكية الجديدة ـ القديمة في الشــرق الاوســط، وهي تعتمد في جانبهــا الظاهر على التحالف الســعودي ـ الاماراتي وفي تخطيطها على الدعم الامنــي الاســرائي­لي. مع ذلك ليــس من المبالغــة القول إن السياسة الأمريكية التي لم تنجح سابقا لن يكتب لها النجاح مستقبلا لأنها مؤسســة على فرضيات تتداخل فيها عناصر عديدة مــن بينها الشــعور بالقوة اللامتناهي­ــة والتعصب والغطرســة، وهي لا تنتمــي لمنظومة قيميــة او فهم حقيقي لتطور المجتمعات والقيم وانماط الممارسة.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom